كتاب عربي 21

تركيا.. لماذا ترتفع شعبية تحالف الجمهور؟

1300x600

تشير نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة إلى ارتفاع ملحوظ في نسب الناخبين الذين يقولون إنهم سيصوتون لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، في الانتخابات البرلمانية القادمة المزمع إجراؤها في صيف 2023 في تركيا. وتقترب شعبية حزب العدالة والتنمية، وفقا لتلك النتائج، من 40 في المائة، كما تتجاوز شعبية حزب الحركة القومية 9 في المائة.

نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، مصطفى شن، قال إن نسبة شعبية الحزب بلغت أكثر من 41 في المائة، مضيفا أن عدد أعضاء شبيبة حزب العدالة والتنمية يفوق عدد أعضاء كثير من الأحزاب السياسية. وذكر النائب الآخر لرئيس حزب العدالة والتنمية، حمزة داغ، نسبة أدق، قائلا إن نتائج آخر استطلاع للرأي تشير إلى أن 41.9 في المائة من الناخبين يقولون إنهم سيصوتون لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات.

المهرجانات الانتخابية التي ينظمها حزب الحركة القومية في مدن الأناضول المختلفة بمشاركة رئيسه، دولت باهتشلي، تشهد إقبالا شعبيا كبيرا، كما يتم استقبال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، في كل مدينة يزورها بحفاوة بالغة، تؤكد أنه ما زال المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية. وبعبارة أخرى، ما تشير إليه نتائج استطلاعات الرأي تؤكده الميادين.

المهرجانات الانتخابية التي ينظمها حزب الحركة القومية في مدن الأناضول المختلفة بمشاركة رئيسه، دولت باهتشلي، تشهد إقبالا شعبيا كبيرا، كما يتم استقبال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، في كل مدينة يزورها بحفاوة بالغة، تؤكد أنه ما زال المرشح الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية

السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه النتائج والمؤشرات هو: "لماذا ارتفعت شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية في الأشهر الأخيرة، رغم ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم؟".

هناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة التي قد يجد كثير من المتابعين للشأن التركي صعوبة في فهمها، ولعل أولها تراجع نسبة المترددين من الناخبين لصالح تحالف الجمهور الانتخابي الذي يشكله حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية. ويبدو أن هؤلاء يرون أن تحالف الجمهور هو الوحيد القادر على حل المشاكل والدفاع عن مصالح البلاد، في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة، وتراجع الثقة بالتحالف المعارض الذي لم ينجح حتى الآن في تسمية مرشحه للانتخابات الرئاسية.

التطورات الاقتصادية وضعت الحكومة التركية أمام خيارين: إما رفع نسبة الفائدة لكبح جماح الدولار والتضخم ليتراجع الإنتاج وترتفع نسبة البطالة، وإما خفض نسبة الفائدة ليستمر الإنتاج والتصدير وتتراجع نسبة البطالة ولو أدَّى ذلك إلى ارتفاع نسبة التضخم. واختارت الحكومة الثاني كي لا تمتلئ الشوارع بالعاطلين عن العمل، لتحارب آثار التضخم السلبية من خلال رفع الأجور وتدابير أخرى تهدف إلى دعم القدرة الشرائية لدى المواطنين. وإضافة إلى ذلك، بدأت تكشف عن مشاريع ضخمة لدعم ذوي الدخل المحدود، كمشروع بناء 500 ألف مسكن و50 ألف مكان عمل، وبيع 250 ألف أرض صالحة للإعمار في جميع أنحاء البلاد، لخفض أسعار المنازل والإيجارات، وتسهيل امتلاك المنازل. ويشير تقدم الملايين من المواطنين بطلب الاستفادة من المشروع إلى ثقتهم بالحكومة ووعودها.
هناك أسباب عديدة لهذه الظاهرة التي قد يجد كثير من المتابعين للشأن التركي صعوبة في فهمها، ولعل أولها تراجع نسبة المترددين من الناخبين لصالح تحالف الجمهور الانتخابي الذي يشكله حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية. ويبدو أن هؤلاء يرون أن تحالف الجمهور هو الوحيد القادر على حل المشاكل والدفاع عن مصالح البلاد، في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة

الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية هي أيضا من العوامل التي رفعت نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية. وبعد أن نجحت الحكومة إلى حد ما في سحب "ورقة اللاجئين" من يد المعارضة، من خلال حملة "العودة التطوعية" والحديث عن احتمال اللقاء مع رأس النظام السوري في حال استجاب الأخير لشروط تركيا، تبنت أنقرة سياسة التوازن ومراعاة مصالح البلاد في ملف الحرب الروسية الأوكرانية، بدلا من الاتباع الأعمى لقرارات الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ورحب الشعب التركي بهذه السياسة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اقترح قبل أيام إنشاء مركز للغاز في تركيا للتصدير إلى أوروبا. وانزعجت المعارضة من تلك التصريحات، حتى قال بعضهم إن "الرئيس الروسي انضم إلى تحالف الجمهور" و"بوتين بدأ يعمل كرئيس فرع حزب العدالة والتنمية"، في إشارة إلى أن تصريحاته تصب لصالح أردوغان وتعتبر دعاية له. إلا أن هؤلاء نسوا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يشكر تركيا على دعمها لبلاده، وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية بمزيد من الدعم للمعارضة التركية لإسقاط أردوغان.
اتهام أردوغان بـ"الانحياز لروسيا" بسبب سياسة التوازن التي تتبناها أنقرة مراعاة لمصالح تركيا، لا يجد قبولا في الشارع التركي، في ظل العلاقات التركية الأوكرانية المتميزة، ولا يؤدي إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، كما أن انحياز المعارضة للولايات المتحدة بشكل أعمى يدفع الناخبين إلى الخوف من أن تركيا قد تتورط لعيون أمريكا في حروب ومواجهات لا ناقة لها ولا جمل

رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو قام الأسبوع الماضي بزيارة الولايات المتحدة، وصرح هناك بأن تركيا يجب أن تدعم أوكرانيا ضد روسيا. وأعرب بعض المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري عن استيائهم من هذه التصريحات التي اعتبروها "انحيازا سافرا للولايات المتحدة"، وقالوا إن كليتشدار أوغلو كان بإمكانه أن يتحدث -على الأقل- عن ضرورة إنهاء الحرب باتفاقية سلام، كما يفعل رئيس الجمهورية التركي.

معاداة أمريكا منتشرة بين الأتراك، وارتفعت نسبتها في السنوات الأخيرة بسبب الدعم السخي الذي تقدمه واشنطن إلى حزب العمال الكردستاني. ولذلك، اتهام أردوغان بـ"الانحياز لروسيا" بسبب سياسة التوازن التي تتبناها أنقرة مراعاة لمصالح تركيا، لا يجد قبولا في الشارع التركي، في ظل العلاقات التركية الأوكرانية المتميزة، ولا يؤدي إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، كما أن انحياز المعارضة للولايات المتحدة بشكل أعمى يدفع الناخبين إلى الخوف من أن تركيا قد تتورط لعيون أمريكا في حروب ومواجهات لا ناقة لها ولا جمل؛ في حال فاز مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية.

 

 

twitter.com/ismail_yasa