آراء ثقافية

أساتذة مصر.. عام دراسي جديد يختبر جدية الحوار الوطني

يواجه الأساتذة في عهد السيسي أزمة في البحث العلمي الذي أصبح خاضعا للشطب والحذف والقصقصة بفعل مقص الرقيب

منذ بداية حكمه، كانت الجامعات حجر عثرة في طريق السيسي، فقد شكل طلابها وبعض من أساتذتها كتلة معارضة في الوقت الذي كان يسعى فيه لتثبيت أركانه.

وبعد تثبيت حكمه، ومحاولته إلى صناعة وئام جديد، لابد وأن أصوات أساتذة جامعات مصر تحاول أن تجد صدى لها فيما يسمى بالحوار الوطني الذي يعد بآمال جديدة كبيرة، فمن خلال الحوار الوطني الذي دعى إليه السيسي ممكن أن نختبر مدى جدية تلك المبادرة من خلال تعرضها لحل المشاكل التي واجهت أساتذة الجامعات المصريين والتي سنعرضها على مدار السنوات الثمانية الماضية في حكم السيسي، والتي أضاعت مكتسبات الأساتذة بعد ثورة يناير.

"التنكيل بالمبجلين"

سعت الدولة منذ اللحظة الأولى لإحكام قبضتها على الجامعات المصرية متوسلة التضييق على الحرية الأكاديمية وإضعاف استقلال الجامعات المصرية بوتيرة متزايدة خلال فترتي حكم السيسي، فبعد أن تمتعت الحياة الجامعية في مصر طلابًا وأساتذة بفترة من نسيم الحرية، قررت الدولة تأميم تلك المساحات من الحرية من خلال إصدار مجموعة من القوانين، فبعد أن حظرت الجامعات النشاط الحزبي داخل الحرام الجامعي، وقصرت الأنشطة الطلابية على ممارسة الرياضة والأنشطة الثقافية، صدر تعديل قانوني في حزيران/ يونيو 2014 يقضي بتعيين رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بقرار من الرئيس نفسه، وهو القرار الذي ألغى آلية الانتخاب في اختيار القيادات الجامعية، ووضع سلطة التعيين والإقالة في أيدي رئيس الجمهورية في محاولة لإبعاد الأكاديميين الناشطين سياسيًا عن أي مناصب عليا. ومن هنا بدأت حقبة جديدة من العلاقة بين أساتذة مصر الجامعيين والرئيس، طرفاها أساتذة ترضى عنهم السلطة، والآخر "علماء مصر الغاضبون".

لقد كان مثال التنكيل بأساتذة الجامعات في العهد السيسي هو الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، حيث تم القبض عليه وحبسه احتياطيًا يوم 25 أيلول/ سبتمبر 2019 حين ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه أثناء عودته من عمله، وعرض على نيابة أمن الدولة التي وجهت إليه تهم نشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة وظل كذلك حتى عام 2021.

وشخص آخر هو الدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والذي شغل منصب المتحدث الرسمي باسم حملة الفريق سامي عنان للترشح لرئاسة الجمهورية، والمعارض لحكم السيسي، والذي عرض على نيابة أمن الدولة مواجهًا بتهم مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وبث ونشر إشاعات كاذبة تحض على تكدير الأمن العام وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

كما تعرض الدكتور مجدي قرقر للاختفاء القسري مدة 12 يوما قبل عرضه على نيابة أمن الدولة حيث اتهم أيضًا بالانضمام لجماعة إرهابية، والدكتور أحمد حمدون الذي تم اعتقاله أثناء ارتياده المقهى مع أحد أصدقائه وتعرض للاختفاء القسري إلى أن تم نقلهم من دمنهور للقاهرة لبدء التحقيق معهم بتهمة مشاركة جماعة إرهابية أغراضها ونشر الأخبار الكاذبة. كانت تهمة مشاركة الجماعة الإرهابية تلك هي فزاعة أساتذة مصر الذين حاولوا المشاركة في الشأن العام السياسي والاجتماعي.

في الواقع، تضع وزارة التعليم العالي الخطوط الواجب اتباعها والتي تتساوق مع اتجاه الدولة، فيُذكر في وقت أزمة ترسيم الحدود حول جزيرتي تيران وصنافير أن الخطاب من الوزارة دعا لتجنب تناول حدود مصر في الأبحاث والمحاضرات، وأيضًا كانت قد أرشدت وزارة التعليم العالي عام 2016 إلى أن تخلو كافة الأقسام العلمية بكليات الجامعات الخاصة والأهلية ومعاهدها في محتواها العلمي من أي إساءة بالتصريح أو التلميح لشعب أو مجتمع أو دول صديقة وشقيقة وذلك على خلفية تقديم رسالة علمية اعتبر وزير التعليم أنها تنطوي على إساءة لشخصية عامة بدولة شقيقة.

"شوية ملاليم"


تلقى الأساتذة الجامعيين خبر زيادة رواتبهم عام 2022 بسخرية بالغة، فقد أمرت الحكومة برفع رواتب أعضاء هيئة التدريس بقيمة تتراوح بين 100 إلى 550 جنيه على المرتب الشهري تحت بند حافز الجودة والتفرغ العلمي، قبل أن يخصم نسبة 35% منها ضرائب وتأمينات اجتماعية.

وجاء هذا القرار وكأنه رد ساخر على حملة غضب واحتجاج شنها الأساتذة قبل 3 أعوام من الآن.

بعيدًا عن السياسة، دشن أساتذة جامعات مصر حملة "علماء مصر غاضبون" في آب/ أغسطس 2019 والتي كانت ذات أغراض تستهدف إصلاح بنية التعليم الجامعي ذاتها، وتحسين أوضاع الأساتذة المالية والمادية والعلمية والأدبية وتحسين رواتب ومعاشات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية ومنظومة الرعاية الصحية لهم، ودعوة الدولة لزيادة التمويل الموجه لمجال البحث العلمي في مصر حتى يوازي المعدلات العالمية، فقد رأت الحملة أن مجمل تمويل البحث العلمي في مصر "شوية ملاليم" بالتعبير المصري الدارج عن التقشف.

لاقت الحملة تفاعلًا كبيرًا من جانب أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المختلفة، فكان رد الدولة من خلال أجهزتها الأمنية بأن ألقت القبض على اثنين من الأساتذة الناشطين في إدارة وترويج الحملة هما الأستاذ عبد العزيز حسن والأستاذ عبد العظيم جمال، وألقي القبض على الدكتور طارق الشيخ المدير لصفحة الحملة على موقع "فيسبوك"، حيث اقتيد لجهاز الأمن الوطني دون إذن من النيابة وانقطعت أخباره، وحُبس احتياطيًا مدة شهرين حتى الإفراج عنه، والمفارقة الساخرة أنه كان مكلفًا بشكل رسمي من قبل المجلس الأعلى للجامعات بدراسة تحسين الأحوال المادية لأساتذة الجامعات، والمفارقة الأكثر سخرية أن إدارة كلية الحقوق بجامعة الزقازيق قد ردت على ما تعرض له الشيخ من حبس بأن أوقفته عن العمل وتحويله للتحقيق.

البحث العلمي ومقص الرقيب

يواجه الأساتذة في عهد السيسي أزمة في البحث العلمي، الذي أصبح خاضعا للشطب والحذف والقصقصة بفعل مقص الرقيب وكأنه سيناريو فيلم ما، أو رواية.

بدأت الدولة تلك السياسة عام 2014 حين أوقفت جامعة الأزهر منح درجة الدكتوراة لباحث بكلية الدعوة الإسلامية وصف 30 يونيو بالانقلاب العسكري في بحثه الذي قدمه، وأحالت لجنة مناقشة رسالة الدكتورة للتحقيق، وقامت جامعة الأزهر بتعديل عناوين رسائل علمية بسبب ما وصفته بمخالفة فكر الأزهر الوسطي وتهديد الوحدة الوطنية.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2015 حين ألغت جامعة الأزهر مناقشة رسالة دكتوراه لباحثة بكلية الدراسات الإسلامية وقررت إلزامها بإعادة الرسالة مع تغيير موضوعها الذي تناول التكييف الفقهي للثورات، وأحالت المشرفين على الرسالة إلى التحقيق، حيث أن الرسالة تحوي موضوعًا يحوي إثارة وعدم ملاءمة للفترة الحالية من ظروف البلاد.

وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2015 أوقفت جامعة قناة السويس رسالتين في مجال العلوم السياسية عن الفكر السلفي والممارسة الديمقراطية والإخوان المسلمين، بداعي تعارض الرسالتين مع النظام العام للدولة وأحكام القضاء، مع وقف المشرف الرئيسي على الرسالتين وإحالته للتحقيق.

إن تلك الأمثلة وغيرها في عهد السيسي قامت بوضع قيود على أعضاء هيئات التدريس والطلاب الراغبين في التقدم لرسالة الماجستير، فمات مجال البحث العلمي في مصر حيث أصبح أساتذة الجامعات يمارسون نوعًا من الرقابة الذاتية على أنفسهم في اختيار الموضوعات التي يتناولونها في محاضراتهم أو أبحاثهم.

كما أن البحث العلمي في الجامعات المصرية يعاني من عدم توفير الجامعة مصادر المعلومات وقواعد البيانات والمراجع العلمية اللازمة والاطلاع على الوثائق ومبدأ إتاحة المعلومات، وللحصول على المراجع والمعلومات يحتاج الأساتذة إلى تصريحات للاطلاع قد تتأخر الموافقة عليها والنظر فيها شهورًا طويلة.