قضايا وآراء

من المُبكر الابتهاج بنهاية الانقسام الفلسطيني

1300x600
يُعتبر الانقسام الفلسطيني أحد أكثر أشكال الصراع الداخلي تعقيداً للقضية الفلسطينية وما يتصل بها من ملفات ارتبطت بحقبة ما بعد أوسلو، وظهور السلطة الفلسطينية كبديل غيبَ المؤسسات الفلسطينية وهمشَ منظمة التحرير، وقلص إلى حد بعيد الفعل النضالي من خلال السيطرة والاستفراد بالقرار الوطني والسياسي والأمني والمالي، بتخفيض مستوى الصراع مع المشروع الصهيوني وجعله نزاعاً قابلاً للتسوية عن طريق المفاوضات مهما كانت التكلفة على الأرض والبشر.

لكن الفشل المُرافق لهذا الرهان لم يجعل من الأطراف الفلسطينية المستحوذة على القرار والقيادة الفلسطينية أن تقوم بمراجعة سليمة ووطنية تُسرع في إنقاذ ما تبقى لها وللشعب الفلسطيني؛ من حدود "الدولة" أو السلطة التي باتت محصورة فقط بتعاون أمني وامتيازات اقتصادية تمنح وفق جدول الأعمال الإسرائيلي والأمريكي والغربي، وعلى ميزان ضبط التنسيق الأمني وفق المصلحة الاسرائيلية فقط.

لا نعرف إن كان يحق للشارع الفلسطيني أن يبتهج اليوم لإعلان لمّ الشمل الفلسطيني في الجزائر، وطي صفحة الانقسام للأبد، لعدم وجود مؤشر قوي على الاعتراف بخطأ الماضي ورهاناته، وبقاء التنسيق الأمني على مستوى عالٍ مع قيادات فلسطينية معنية بتحقيق المصالحة الفلسطينية، وترتيب الأوضاع الفلسطينية وحماية المجتمع الفلسطيني من تسونامي الاعتداءات الإسرائيلية من الاستيطان وعربدة المستوطنين، إلى التهويد واقتحامات الأقصى وعمليات الإعدام المستمرة والاغتيالات والحصار وهدم البيوت.
لا نعرف إن كان يحق للشارع الفلسطيني أن يبتهج اليوم لإعلان لمّ الشمل الفلسطيني في الجزائر، وطي صفحة الانقسام للأبد، لعدم وجود مؤشر قوي على الاعتراف بخطأ الماضي ورهاناته، وبقاء التنسيق الأمني على مستوى عالٍ مع قيادات فلسطينية معنية بتحقيق المصالحة الفلسطينية

ولأن هناك طرفاً فلسطينياً يعتبر المقاومين في نابلس وجنين وشعفاط والخليل وكل مدن الضفة، هدفاً للتعقب الأمني، وكل فعل يصدر عنهم لمواجهة العدوان الإسرائيلي يصب في خانة تعريف التنسيق الأمني لهم "كإرهابيين أو مخربين".. كل ذلك وغيره يُفقد الإعلان الفلسطيني عن لمّ الشمل بهجته ومصداقيته؛ إذا ما أضفنا معظم السلوك السياسي والأمني للخطاب الفلسطيني الرسمي. فالبنود الواردة في بيان الجزائر وتفعيلها على الأرض، من توحيد المؤسسات إلى الإسراع بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخاب مجلس وطني، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية وتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية، وغيرها من البنود، بحاجة لطبقة سياسية وتنظيمية وفكرية غير تلك التي تعود لطبيعتها المناقضة للبيانات التي تكررت على مدار 17 عاماً، والتي تقدم الخيبات للشارع الفلسطيني.

ولأن هناك معطيات جديدة على الأرض، تتمثل في تصاعد المقاومة في معظم مدن الضفة الغربية وفي مدينة القدس، وهي تمثل النقيض التام لسلوك المستأثرين بالانقسام. وبغياب إرادة حقيقية تكشف عن الاستعداد للتخلي عن مكاسب الماضي، الأمنية والسلطوية لدى الطرفين في غزة ورام الله، وعدم الاكتراث للشتات الفلسطيني ومعاناته في سوريا ولبنان ومصر وغيرها، يبقى التمثيل لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ومجلس وطني وغيره من المؤسسات الوطنية الفلسطينية، صعب التحقيق، لاعتبارات كثيرة وعلى رأسها الحضور العربي الرسمي والإقليمي في ملف المصالحة، والحضور الإسرائيلي في كواليس عمل السلطة الفلسطينية وفي رسائل "الوسطاء العرب" مع الأطراف التي تجتهد أجندتها المعهودة في ملف القضية الفلسطينية وفي ذروة كل عدوان صهيوني.
الشعب الفلسطيني وقعَ أسير وهْم حلم تحقيق وحدةٍ وطنية، ومن المبكر الابتهاج بنهاية الانقسام الفلسطيني، حتى لو تم الإعلان عنه في قاعة إعلان "دولة فلسطين" والمقارنة بين الابتهاجين ونتائجهما على الأرض واحدة، لأنه ما زال من بين زعامته رواد تحقيق شرخٍ سياسي وجغرافي ودعاة استسلام للعدو، وربطوا مصيرهم مع مصير أنظمة عربية تتخندق في مشروع التصهين والتطبيع والتغول في الاستبداد

وفي ظل التطورات التي شهدتها المنطقة العربية من ثورات وثورات مضادة، وترسيخ بنى التطبيع العربي مع المؤسسة الصهيونية بتلاحم الاستبداد العربي فيما بينه، فإن هذا فرضَ واقعاً مع مرور الزمن وتطوراته السياسية والاقتصادية والأمنية المتحالفة مع عدو الفلسطينيين، يجعل من تحقيق المصالحة الفلسطينية وفق دعم مصلحة الفلسطينيين في مقاومة المشروع الصهيوني خارج سياق السياسة العربية الراهنة؛ التي تعتبر الانقسام الفلسطيني هو الذي يحد من طموحات الفلسطينيين في إنجاز جبهة فلسطينية موحدة هدفها مقارعة الاحتلال. وهذا أيضاً هدف لم يعد مطلباً رسمياً لأنظمة تتعايش وتتعاون وتتحالف مع إسرائيل على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتتذرع بحدوث الانقسام وبعلاقات السلطة مع الاحتلال.

أخيراً، الشعب الفلسطيني وقعَ أسير وهْم حلم تحقيق وحدةٍ وطنية، ومن المبكر الابتهاج بنهاية الانقسام الفلسطيني، حتى لو تم الإعلان عنه في قاعة إعلان "دولة فلسطين" والمقارنة بين الابتهاجين ونتائجهما على الأرض واحدة، لأنه ما زال من بين زعامته رواد تحقيق شرخٍ سياسي وجغرافي ودعاة استسلام للعدو، وربطوا مصيرهم مع مصير أنظمة عربية تتخندق في مشروع التصهين والتطبيع والتغول في الاستبداد.

وحسب منطوق الزمن والصراع مع المشروع الصهيوني، ستبقى أذرع ومحاور فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية تنصاع أكثر وتميل لدعم عدو الشعب الفلسطيني، وذلك ما يعقد أكثر تحقيق وحدة فلسطينية على النحو الذي تقتضيه وقائع المواجهة الحاصلة، ومن التصرف فقط كحركة تحرر وطني بدلا من التصرف كسلطة، والانتهاء من مقولة التمسك بخيار المفاوضات والتنسيق الأمني، وتبني استراتيجية كفاحية واضحة تجمع شمل الشعب الفلسطيني ويمكن معها الابتهاج ببداية لمّ شمل الصف الفلسطيني، لسبب بسيط يجب إدراكه والاستثمار به؛ أن الشارع الفلسطيني أدرك سر الانقسام وهزيمة خيارات السلطة والأنظمة العربية المستبدة والمُطبعة، فاندفع مجدداً نحو تنشيط مقاومته علها تسهم في كبح تدهور الانقسام، وبعدما انفضحت مضامين وأهداف السياسات العربية والإسرائيلية المراوغة على حساب الحقوق الفلسطينية الثابتة.