ملفات وتقارير

هل يُشعل حقل كاريش حربا جديدة بين حزب الله وإسرائيل؟

هدد حزب الله الاحتلال في حال استخراج الغاز من الحقل دون الوصول إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية- الأناضول

جدد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، تهديده للاحتلال الإسرائيلي، بقصف حقل الغاز المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل "كاريش"، مؤكدا أن صواريخ وعيون الحزب موجهة إلى هناك.

وأشار نصر الله، في خطاب ألقاه بمناسبة "مسيرة أربعين الإمام الحسين" في مدينة بعلبك، إلى أن "بدء استخراج إسرائيل للغاز من حقل كاريش هو الخط الأحمر بالنسبة للحزب".

وأكد أنه "تم إرسال رسالة مفادها أننا أمام إشكال في حال بدأ استخراج الغاز"، وأن "الهدف هو تمكن لبنان من استخراج الغاز والنفط"، معتبرا أن "هذا الملف لا علاقة له بأي ملف آخر".

بالمقابل قال وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، إنه "في نهاية الأمر ستكون هناك آلية حفر الغاز على كلا الجانبين، الإسرائيلي واللبناني".

وتابع متسائلا: "هل يمكن الوصول إلى هذا الخيار دون تصعيد لا داعي له، بسبب تهديدات حزب الله؟"، مؤكدا أن "إسرائيل مهتمة بإحراز تقدم في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان".

"احتمال وارد"

وكانت إسرائيل قد أعلنت في تموز/ يوليو عن اعتراضها 3 طائرات مسيرة اقتربت من المياه الإسرائيلية، واتهمت حزب الله بتوجيهها باتجاه حقل كاريش.

وفي ذات الوقت الذي يتبادل فيه الطرفان التهديدات، تتواصل المفاوضات بين الاحتلال ولبنان عبر وساطة أمريكية يقودها مبعوث الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة آموس هوكستين، لترسيم الحدود البحرية بينهما، فهل تمنع هذه المساعي الحرب، أم إن التهديدات ستكون أقوى وتشعلها؟

اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني قاسم قصير، أن "نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله هو احتمال وارد، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية وبدأت إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش".

وتابع قصير خلال حديثه لـ"عربي21": "بحسب المعلومات المتوفرة لدي فقد أجرى حزب الله الاستعدادات الكاملة لمواجهة هذا الاحتمال، حيث أصبح مستعدا ميدانيا للمواجهة، والسيد قال في خطابه يوم السبت إن "عيوننا وصواريخنا على كاريش"، وبالتالي إذا لم ينجح المبعوث الأمريكي بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين، فسيبقى خيار المواجهة قائما واقعيا وميدانيا والأمور جاهزة بهذا الاتجاه".

من جهته استبعد الصحفي والباحث السياسي اللبناني توفيق شومان، أن "تنشب حرب بين الطرفين، خاصة أن هناك مساعي غربية وتحديدا أمريكية من أجل ترسيم الحدود البحرية، حتى ولو كانت هذه المساعي على مستوى النتائج مؤجلة بعض الشيء إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية".

واستدرك شومان بالقول لـ"عربي21": "لكن هناك معادلة لبنانية أعتقد أنها أصبحت مرسخة بأنه لا يمكن استخراج الغاز من حقل كاريش في فلسطين المحتلة إذا لم يتم استخراجه من حقل قانا اللبناني أو من المنطقة الاقتصادية اللبنانية، ووفق هذه المعادلة فأعتقد أن الإسرائيليين لا يمكن أن يقدموا على استخراج الغاز من حقل كاريش".

وحول "إذا ما فشلت مفاوضات ترسيم الحدود فهل سيعني ذلك التوجه الحرب؟" قال: "أعتقد أن الأمور تسير باتجاه ترسيم الحدود وذلك لسبب أساسي، وهو أن الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة يسعون إلى البحث عن مصادر بديلة عن الغاز الروسي، وذلك على قاعدة أن العلاقات الغربية الروسية لن تعود إلى سابق عهدها ما قبل دخول أو غزو القوات الروسية لأوكرانيا، وبالتالي فإن هذا الأمر يدفع الغربيين إلى البحث عن مجموعة من البدائل لمصادر الطاقة ومن ضمنها المنطقة الواقعة على الساحلين اللبناني والفلسطيني المحتل".

وأضاف: "لذلك استبعد نشوب الحرب، وما يجري الآن هو نوع من الحرب الإعلامية والنفسية وبالتالي وضع خطوط حمر، ومن ضمنها الخط الأحمر الذي أشار إليه السيد حسن نصر الله في خطابه السبت، أنه لا استخراج للغاز من حقل كاريش قبل التوصل إلى اتفاق نهائي لترسيم الحدود".

إجماع شعبي؟

ويسعى لبنان إلى استغلال واستخراج الغاز أملا في أن يساهم ولو بحل جزء من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها منذ ثلاث سنوات، والتي ساهمت في زيادة نسبة الفقر وتململ الشعب اللبناني، الذي عبر عن ذلك بخروجه بمظاهرات اعتراضا على الوضع الاقتصادي والسياسي.

ولذلك سعى الجانب اللبناني لترسيم الحدود عبر المفاوضات التي ترعاها واشنطن، حتى ينعش اقتصاده ويخفف التوترات السياسية الناجمة عن انهيار الاقتصاد، فهل يحتمل البلد المنهك حربا جديدة، وهل تلقى قبولا شعبيا؟

يرى قاسم قصير أنه "في ظل الوضع القائم في البلد، فالموت واحد مهما تعددت الأسباب، بمعنى إما أن يموت الإنسان بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية أو يموت بسبب الحرب، ولذلك ففي حال لا سمح الله حصلت مواجهة فإنها ستكون بهدف فتح الباب أمام الحلول وليس بهدف الذهاب لحرب بحد ذاتها".

وأضاف: "الوضع الآن في لبنان صعب جدا، وبالتالي فإن المواطن اللبناني يعتبر أن الحصول على الغاز أحد الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة الأزمة الاقتصادية، ولذلك إذا لم تسمح إسرائيل للبنان بإخراج الغاز والنفط فإنه لن يتم السماح لها باستخراجه أيضا، ولهذا فإن الوضع الاقتصادي المتردي لم يضع أمام اللبنانيين خيارا إلا المواجهة".

من ناحيته عبر توفيق شومان عن اعتقاده بأن "الطرف المعني لا يتحدث عن الحرب إلا في لحظة الاضطرار، بمعنى في لحظة استخراج الإسرائيليين للغاز وذلك في حال عدم التوصل لاتفاق ترسيم الحدود، ويعني ذلك حرمان لبنان من قطاع الغاز، وهذا قد يؤدي لحرب على قاعدة أنها سوف تهدد مصادر الطاقة الإسرائيلية وبالتالي تعيد الأمور إلى نصابها حول التفاوض والترسيم".

وأكد أن "هناك شبه إجماع في لبنان على أن مصادر الغاز والطاقة يمكن أن تمهد على الأقل لحلول، ولو كانت بعيدة، للوضع الاقتصادي والمالي المتردي، بمعنى أن الرهان اللبناني حاليا على حقول الغاز، ومن هنا فإنه إذا كان هذا هدف الحرب فأعتقد أنها ستلقى إقبالا شعبيا طالما أن الإسرائيليين لا يريدون الوصول إلى الترسيم".

وتابع: "بالتالي فإنه بهذا المعنى يكون هناك هدف للحرب، وكما هو معلوم لا حرب بدون أهداف، لذلك أعتقد أن اللبنانيين في وقتها سيختارون وجهة الحرب من أجل تحصيل ما يسمونه الحقوق، ولكن قبل الحديث عن الحرب وهي الخيار الأخير، فأعتقد أن الأمور سائرة باتجاه عملية الترسيم حتى ولو كانت مؤجلة ربما إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية".

 

اقرأ أيضا: نصر الله يهدّد بقصف "كاريش".. علق على علاقة حماس والأسد

"بين نارين"

على الجانب الإسرائيلي، تعاني الحكومة الحالية من أزمات سياسية عدة، فهي تواجه معارضة شديدة يترأسها رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، في ذات الوقت الذي تقترب فيه انتخابات الكنيست.

وسعيا لاستقطاب الجمهور الداخلي، فقد وعد رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد ناخبيه ببدء استخراج الغاز من حقل كاريش في الأول من أيلول/ سبتمبر، إلا أنه تم الإعلان عن تأجيل ذلك إلى منتصف تشرين أول/ أكتوبر وذلك دون ذكر سبب التأجيل رسميا، وقالت الحكومة إن قرار التأجيل أتى من قبل شركة "إنرجيان"، التي تشغل منصة استخراج الغاز في حقل كاريش.

وردا على ما أثير من أن سبب التأجيل هو التوتر مع حزب الله وكذلك الأمر تريثا وانتظارا لنتيجة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قالت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، إن "منصة استخراج الغاز وصلت في تموز/ يوليو، وبعدها بدأت أعمال توصيل الأنابيب".

وأضافت الحرار: "إن العمل يمكن أن يصطدم بأي خلل ميداني وهذا هو سبب تأخير استخراج الغاز، وبالتالي فإن التأخير لا علاقة له بالمفاوضات مع لبنان حول ترسيم الحدود".

وأكدت أن "الاقتصاد الإسرائيلي بانتظار هذا الغاز، إضافة إلى أن لدى إسرائيل التزامات دولية تجاه دول أخرى".

وفي ظل الشد والجذب في الموقف الإسرائيلي ما بين تأجيل استخراج الغاز وما بين استمرار المفاوضات مع لبنان وكذلك التوتر مع حزب الله، واقتراب موعد انتخابات الكنيست، هل تستمر إسرائيل بالتأجيل أم تبدأ باستخراجه وتستفز حزب الله وتدفعه باتجاه حرب جديدة بينهما؟

يرى المتخصص بالشأن الإسرائيلي صالح النعامي، أن "احتمالية نشوب حرب من الناحية النظرية قائمة، لأن الإسرائيليين يأخذون تهديدات نصر الله بمحمل الجد في ما يتعلق بأن لا يبدأوا باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل أن يتم حل الخلاف مع لبنان بشكل يحقق للأخير حقوقه الوطنية في المنطقة".

وتابع النعامي في حديث لـ"عربي21": "أيضا من الصعب على الحكومة الإسرائيلية الحالية، لا سيما أنها فترة انتخابات، أن تتراجع عن استخراج الغاز، بالتالي فإن الكرة الآن في ملعب حكومة يائير لابيد".

وأوضح أن "ذلك يعني أنه ليس لديهم مصلحة بالمواجهة مع حزب الله، خاصة أن توقيتها قد يتسبب في كارثة لإسرائيل عشية الانتخابات، ولكن في ذات الوقت فإن الحكومة معنية بأن لا تظهر بمظهر الضعيف أمام الجمهور الداخلي، ولذلك فإنه على الرغم من أنهم قرروا استخراج الغاز في بداية أيلول/ سبتمبر فإنهم يتحايلون على الأمر بالقول إننا سنبدأ بالمرحلة القادمة والتي لا تعني استخراج الغاز، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أنهم معنيون بشكل كبير بعدم منح حزب الله مسوغا للرد على استخراج الغاز والدخول في مواجهة قد لا تكون محسوبة ولا يمكن التحكم بها".

ولفت إلى أن "الأمريكيين رفعوا أيديهم عن القضية حيث وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود"، لذلك فإنه اعتبر أن "بيئة التصعيد قائمة، وبالتالي فإن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي".

وحول ما إذا كانت إسرائيل ستغامر بالبدء باستخراج الغاز رغم تهديدات حزب الله، قال النعامي: "أتوقع أن لا يقوموا بذلك، فالتأجيل صحيح أنه سيكون محرجا لهم أمام الجمهور الإسرائيلي، لكن المشكلة هي أن تكون هناك مواجهة تحول العمق الإسرائيلي إلى ساحة حرب ولو لأيام قليلة، وهذا يُعد مسا بمصداقية الأحزاب المشاركة في الائتلاف عشية الانتخابات، ولذلك فإنه على الرغم من أن بدءهم باستخراج الغاز كان مقررا في بداية أيلول/ سبتمبر، فإنهم يمكن أن يقوموا بتمرير الوقت حتى تُجرى الانتخابات".

وأضاف: "بالمقابل فإن حزب الله كما قال أمينه العام حسن نصر الله إنه ما لم يتم استخراج الغاز فإن هناك بدائل من الحلول، لكن يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يتمكن الجانب الصهيوني من مقاومة الضغوط الداخلية خاصة من قبل المعارضة برئاسة نتنياهو التي تتهم الحكومة بالضعف؟".