كتاب عربي 21

قرابين الديمقراطية: سوريون وفلسطينيون وأفغان

1300x600
في الغابة الطبيعية يأكل القوي الضعيف، في الغابة الديمقراطية يصوّت القوي بدم الضعيف.

في الغابة الطبيعية أشجار يختبئ خلفها الضعيف، في الغابة الديمقراطية يصنع الصندوق من شجر الغابة، فينكشف الضعيف.

قصف يائير لابيد غزة، وقتل قائدين للجهاد، وخمسة عشر طفلاً، وأربع نساء، وجرحى بالمئات، لكن طعنة في رقبة سلمان رشدي، الذي بعثه الإعلام العالمي من تحت الرماد، جعلته الأول حسب الظهور، وهو في الإعلام العالمي هندي مسلم، مع أنه ذكر في لقاءات أنه ملحد وبلا دين، وكتاباته تقول ذلك. ونرجو له السلامة لا حبّاً فيه ولا في رواياته، وإنما حتى لا يتحول إلى شهيد الفكر والحبر، فهو مادة دعوية إيرانية، ويظن كثيرون أن الخميني أصدر فتواه غيرة على الإسلام، بينما أصدرها غيرة على نفسه، فقد شتمه رشدي في إحدى رواياته. وفي آيات شيطانية يعرض به رمزاً، واحتكاراً من الخميني للفتوى وتزعماً للعالم الإسلامي الثاكل أيضاً.

وقبل عملية الفجر الصادق، واسم "الصندوق الفاجر" به أولى، قام بايدن بقصف الظواهري، والظواهري عجوز فان، متقاعد، صنع الإعلام منه أسطورة وادّخره لليوم الانتخابي الأسود، ولو صبر عليه القاتل لكان مات "لوحده" كما يقول المثل.

يقال إن بايدن بكّر في حملة انتخابية، وهذا شائع ومألوف في الحملات الانتخابية الأمريكية والإسرائيلية، ويخشى أن تنضم إليهم تركيا، في غابة الصناديق التي ستجرى في السنة القادمة، وثمة علامات كثيرة تدل على أن السوريين الأنصار أمسوا بضاعة انتخابية تركية لدى المعارضة التركية الأتاتوركية. وكان حزب العدالة والتنمية قد أنجز ما يشبه الإعجاز في مجالات التنمية والتحديث، من اختراعات عسكرية واقتصادية وسواها، والحزب الحاكم يحاول سحب هذه الذريعة من بين براثنهم، فيهمُّ بقذف السوريين بين براثن العدو الذي لا يعرف الرحمة: الأسد.

المعارضة التركية تريد طرد السوريين وإحلال اليونانيين والأرمن مكانهم، والمعارضة التركية العلمانية الأتاتوركية تصرّح بذلك. وقد استطاعت الدولة العميقة التركية بإعلامها الذي يتفوق كثيراً على إعلام الحكومة؛ أن تجعل السوري العدو الوحيد الذي يجب تحرير تركيا من "غزوته"، فلا يكاد يمر يوم إلا ويجد المرء أفلاماً عن حوارات في الشارع بين أتراك أحاطوا بسوري إحاطة الأكلة بالقصعة، يتهمونه بتخفيض قيمة العملة التركية وضيق الحال الاقتصادي وخيانة وطنه، والنزوح للانتجاع على ساحل البحر.

يظهر التركي في الصورة الرائجة في الإعلام كراهيةً شديدة للسوري، وكان أخوه بالأمسين القريب والبعيد؛ مواطناً في الدولة العثمانية الكبيرة، يدافع عنها في جناق قلعه، وقبلها في فتح القسطنطينية، وقتها كانت الدولة العثمانية إمبراطورية مترامية الأطراف تشمل كل الدول العربية ودول البلقان وتمتد إلى فيينا.

وقد تحسنت المناظرات التي تجري كل يوم في الشارع قليلاً، فالمذيعة التركية بدأت تذاكر وتدفع بالحجج والقرائن، لكن الطين يزداد بلة، والمناظرات ناقصة، والحجج التي تعرض ضعيفة.

قلَّ أن تجد تركياً في الصورة الإعلامية الشائعة منصفاً للسوري، وإذا ما ساق المذيع الذرائع من حرب وقصف، وتآمر بين دول عظمى هي روسيا وأمريكا وإيران وعشرات الكتائب الوافدة على التنكيل بالسوري، فإن التركي في الصورة الظاهرة إعلامياً يظل مصرّاً على موقفه من كراهية السوري التي تشتد مع اقتراب الانتخابات، بل إن حزب العدالة والتنمية الحاكم طمعاً في الأصوات وإخراساً للأصوات المعارضة، وتودداً إلى طيف من المعارضة، سنَّ قوانين صارمة على حركة السوري، بل إن الحزب الحاكم خسر بلدية إسطنبول لصالح المعارضة بسبب النزاع على إقامة السوريين فيها..

وحُرّمت إسطنبول على السوريين الوافدين، وقُيّدت حركة السوريين في الأعياد، فمُنعوا من زيارة أهلهم في الشمال، بل إنَّ الشرطة التركية نفت بعض السوريين المقيمين إلى إدلب عسفاً وظلماً، فقطعت الأرحام، وحجزت السوريين عن منافذ الحدود إلى أوروبا، فأصبحت تركيا واليونان إلبا واحداً، فلا هو يستطيع العودة إلى سوريا، ولا هو يقدر على الهرب إلى أوروبا.

وكان حزب العدالة والتنمية قد نحا إلى سحب الملفات الإشكالية من بين براثن المعارضة، مثل ملف مصر ومعارضتها، وملف مقاطعة السعودية بعد مقتل الخاشقجي، فسوّى تلك الملفات ولم يبقَ إلا الملف السوري الشائك. الملف يمكن أن يكون حرزا لتركيا، لكن الترك، حكومة ومعارضة، يهدرونه.

وكان بوتين قد حضَّ أردوغان على حل مشكلة حزب العمال الكردستاني بالتعاون مع النظام السوري، ثم كان تصريح وزير الخارجية التركي عن مصالحة بين المعارضة السورية والنظام، فإن كان يقصد بالمعارضة قيادة الائتلاف، فقد علمنا أنهم خشب مسنّدة، وأن بعض أعضائها يتصلون بالنظام، ويتجسسون على زملائهم، أما الشعب، فيفضّل الموت جوعاً وغرقاً وقصفاً على المصالحة معه.

كانت تصريحات وزير الخارجية مفاجئة، غير متوقعة، مُهّد لها بتصريحات صحافية، ثم إن النظام السوري ومعه الروسي والإيراني قتلوا 33 جندياً تركياً. وأمر آخر، أنه بالمصالحة ستصير إيران وروسيا على الحدود التركية، وربما كان الأجدى لو استطاعت تركيا الحديث عن قرار 2254 المجمّد في متحف الأمم المتحدة الشمعي.

إثر تصريح وزير الخارجية التركي اندلعت المظاهرات في إدلب، وأحرق العلم التركي، فاستشعرت الحكومة التركية مغبات خسارة كتلة سكانية سورية تواليها، ولها عمل السور الواقي بين تركيا وبين النظام السوري وعملائه، بل يمكن لهذه الكتلة السكانية من "المهاجرين" أن تتحول إلى معارضين ومناوئين للحكومة التركية، وهذا ما يدبر لتركيا في الخفاء، وسرعان ما تراجعت تركيا عن تصريحاتها، بل إنّ المعارض أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، سبق العدالة والتنمية إلى الفضيلة، فاشترط ثلاثة شروط للتصالح مع النظام السوري، هي المصالحة داخل البلاد، واستعادة الأرض السورية، والحفاظ على المصالح التركية. ويأمل ناشطون سوريون أن تقوم المظاهرات بإسقاط الائتلاف السوري المصنوع من الشمع.

كانت تركيا ستنتحر قبل أن تنحر المعارضة السورية، وأحد أسباب ذلك أنها دولة ديمقراطية ناشئة وسط دكتاتوريات يقودها سلاطين عتاة. يُحمّل إعلام الدول العربية والغربية أردوغان لقب السلطان، وليس له من السلطان ما لجيرانه من الزعماء الطغاة.

twitter.com/OmarImaromar