كتاب عربي 21

ترشيد النفقات أم ترشيد الحُكم؟

1300x600
دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، المصريين إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، وذلك لتوفير الغاز بغرض تصدير الفائض إلى الخارج لإدخال الدولار إلى مصر، وكعلامة للمساهمة تم إغلاق أضواء ميدان التحرير، وهي الإضاءة التي تكلفت قرابة 60 مليون جنيه بحسب تصريح من الشركة المنفِّذة، كما طولِب اتحاد الكرة المصري بأن يقوم بجعل مباريات كرة القدم في ضوء النهار، بالإضافة إلى إجراءات حكومية أخرى.

ما طرحه السيد مدبولي يتناسب مع الأوضاع المصرية المزرية، لكن مصروفات الحكومة لا تتفق مع الواقع المصري؛ فنحن أمام بذخ لا حصر له في النفقات غير الضرورية، والدخول الشهرية للقيادات الحكومية، فضلا عن النفقات الرئاسية الباهظة لأجل الترويج للنظام السياسي والحفاظ على مقعد الحكم.

رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية النفقات في موازنة 2021-2022، وأوضح الرصد ما يلي:
ما طرحه السيد مدبولي يتناسب مع الأوضاع المصرية المزرية، لكن مصروفات الحكومة لا تتفق مع الواقع المصري؛ فنحن أمام بذخ لا حصر له في النفقات غير الضرورية

"قطاع الخدمات العامة، الذي تستحوذ فوائد الدين العام على جزء كبير من مخصصاته بجانب مخصصات رئاسة الجمهورية والمجالس التشريعية والتنفيذية، هو صاحب النصيب الأكبر من إنفاق الحكومة على أنشطتها المختلفة، ومن ثم حصل على أكبر زيادة في النفقات، بلغت نحو 80.7 مليار جنيه، معظمها يوجه لسداد فوائد الديون، وأجور كبار مسئولي الدولة، بينما حصل قطاع الأمن العام وشؤون السلامة العامة على ثاني أكبر زيادة مقارنة بالعام المالي السابق، حيث زادت مخصصاته بحوالي 36.6 مليار جنيه، وهو القطاع الذي يضم القضاء والمحاكم ووزارة الداخلية".

وعلى مستوى المواطنين، كشفت المبادرة انخفاض "دعم التأمين الصحي والأدوية بشكل طفيف، رغم استمرار وباء كورونا". وارتفع "الدعم التموينى بشكل طفيف، بلغ نحو 87.2 مليار جنيه مقابل 84 مليار في العام السابق، في الوقت الذي تسجل فيه أسعار السلع عالميا ارتفاعا كبيرا ويحذر عدد كبير من الخبراء من موجة تضخم كبيرة خلال العام المالي 2021-2022"، بينما "انخفض دعم المواد البترولية الموجه إلى القطاع العائلى بشكل ملحوظ، من 5.6 مليار جنيه إلى 3.7 مليار جنيه. ويمثل هذا البند نحو 20 في المئة من جملة مخصصات دعم المواد البترولية (وفقا لحسابات المبادرة ودراسة للبنك الدولي)".
ما نعرفه عن هذه المجتمعات أنه يمكن لمن مرّ من خارجها أن يدرك حجم إخفاق المشروع في تحقيق نسب سكنية مرتفعة، فضلا عن وجود انتقالات قسرية لمن يتم هدم منازلهم، لأجل تنفيذ مشروعات أخرى

أما إذا نظرنا إلى مشروع المدينة المحصنة المسمّاة بالعاصمة الإدارية، فقد صرح السيسي في يوليو/ تموز الماضي، بأن تكلفة الشبكات الرقمية فقط بلغت 100 مليار جنيه (الجنيه يوازي 19.1 دولار تقريبا اليوم)، بينما بلغت تكلفة المشروع حتى مارس/ آذار من العام الماضي ما يتراوح بين 400 إلى 500 مليار جنيه، بحسب تصريح المهندس خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية. وبحسب موقع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فقد بلغ حجم استثمارات الهيئة فقط في المدن العمرانية الجديدة 385.9 مليار جنيه، بالإضافة إلى حوالي 400 مليار جنيه استثمارات القطاع الخاص، ولم يتم تحديد تاريخ نشر الأرقام فلا نعرف إذا ما زادت تلك القيمة أم لا، أما ما نعرفه عن هذه المجتمعات أنه يمكن لمن مرّ من خارجها أن يدرك حجم إخفاق المشروع في تحقيق نسب سكنية مرتفعة، فضلا عن وجود انتقالات قسرية لمن يتم هدم منازلهم، لأجل تنفيذ مشروعات أخرى.

إذا حاولنا سرد نماذج للإخفاق الاقتصادي فسنكون أمام عملية ممتدة لا تنتهي إلا بتغير طريقة عمل النظام الحاكم، فالإشكال هنا يتعلق بفقدان نظام الحكم للرُّشد في النفقات، ورغبته الدائمة في تحميل المواطنين لتبعات أخطائه الاقتصادية، وخلال هذه الرحلة العبثية تتكرر التصريحات الرسمية بأن الحكومة تتحمل أعباء كذا وكذا عن المواطنين، كأن نفقات الحكومة تخرج من جيوب كبار رجال الدولة، لا أنهم يتلقون أموالهم الطائلة من جيوب المواطنين!

ما نعاني منه نحن المصريين يتلخّص في أن شخصا لا توجد لديه إمكانيات اقتصادية أو إدارية، ويتصور أن عقله محور الكون وملتقى الثقافات ووارث الحضارات، فيتحرك دون حساب ودون مراجعة المختصين، ويتباهى بأنه يحقق أحلامه، وأنه لا يخضع لدراسات الجدوى، وينفث غضبه أمام من يناقشه بأنه غير دارسٍ لما يقول، وأن المعلومات غائبة، كأن المعلومات تغيب من تلقاء نفسها لا بأمره، وفوق هذا يوكل المشروعات إلى فئته الوظيفية، ويُفترض أن قدراتهم محصورة في التسلّح لا التمدّن.
ما تحتاجه مصر تغيير طريقة نظام الحكم قبل أي شيء، ولن تفلح محاولات الإصلاح السياسي من الداخل، ولا الحديث عن الحوار الوطني، ولا إنجازات الدولة، قبل أن يتم تطهير كل الجراح التي يعاني منها المصريون منذ ثورة 2011، وقد تفاقمت بصورة مرعبة بعد انقلاب 2013، وحدث تسارع مرعب في الانهيار الاقتصادي، واختلال التوازن الاجتماعي والسياسي في الجماعة السياسية المصرية، فضلا عن انهيار قيمي

هذه الحالة المزرية تستنطق المختصين والوطنيين، للإشارة إلى مواضع العطب، وتبيين طرق العلاج، لكنهم يواجهون بالتهديد أو القمع، فمنهم من يُسجن، ومنهم من يُمنع من السفر، ومنهم من يُضرب ويُلقى عليه الطلاء، ومنهم يُطالب بالخروج خارج مصر أو يكون السجن مثواه، ومنهم من يُطالب بإمساك لسانه ليحافظ على ما بقي من عمره آمنا في منزله، وبدلا من الاستماع للمختصين أو على الأقل تركهم لطرح رؤيتهم، يتم تكميم أفواههم.

إن ما تحتاجه مصر تغيير طريقة نظام الحكم قبل أي شيء، ولن تفلح محاولات الإصلاح السياسي من الداخل، ولا الحديث عن الحوار الوطني، ولا إنجازات الدولة، قبل أن يتم تطهير كل الجراح التي يعاني منها المصريون منذ ثورة 2011، وقد تفاقمت بصورة مرعبة بعد انقلاب 2013، وحدث تسارع مرعب في الانهيار الاقتصادي، واختلال التوازن الاجتماعي والسياسي في الجماعة السياسية المصرية، فضلا عن انهيار قيمي أدّى لانتشار الجرائم بصورة لافتة، من حيث العدد ومن حيث قسوة الجرائم، ولا حل للخروج من هذا المأزق سوى بترشيد الحكم لا ترشيد النفقات، وأولى الخطوات تكون بديمقراطية حقيقية، وهي خطوة لا تزال بعيدة المنال في الوقت الحالي.

twitter.com/Sharifayman86