كتاب عربي 21

هل سيخضع النفط الليبي لوصاية دولية؟

1300x600
التخوف من وضع النفط الليبي تحت شكل من أشكال الوصاية الدولية ازداد بعد تسريب مقترح ناقشته المجموعة الاقتصادية المشتركة التي انبثقت عن مؤتمر برلين2، والتي تضم في عضويتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجمهورية مصر والبعثة الأممية الخاصة بليبيا، حيث يطرح المقترح فكرة تشكيل جسم "فوق سيادي" تحت اسم "اللجنة الليبية الخاصة بمراقبة عائدات النفط والغاز"، يوكل إليها الإشراف على إدارة عوائد النفط وتحديد أوجه الإنفاق الأساسية.

ومن المهم ابتداء التنويه إلى أن ما تناولته وسائل الإعلام المختلفة مقترح وليس قرارا أو حتى توصية، وبالتالي من المبكر الاتجاه إلى إثارة الذعر بالقول أن أطراف دولية وإقليمية تخطط للسيطرة على مصدر الدخل الوحيد لليبيين، دون أن نقلل من احتمال أن نصل إلى هكذا نتيجة في حال استمر النزاع بين الفرقاء الليبيين وظل إغلاق حقول وموانئ النفط مظهرا من مظاهره.

ما تمت مناقشته من قبل المجموعة الاقتصادية المشتركة هو تشكيل لجنة تضم ممثلين عن عدد من المؤسسات السيادية الليبية، هي مجلس النواب والمجلس الرئاسي وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد والحكومة، يسند إليها صلاحية:

1- تخصيص الإيرادات وتحديد أوجه الإنفاق الأساسية.

2- مراجعة وتدقيق الإنفاق المقرر وفق آلياته المتفق عليها.

ويتناوب على رئاسة اللجنة كل شهر عضو من الأعضاء الستة، وذلك إلى حين إجراء الانتخابات العامة وتكليف حكومة جديدة.
اللجنة تقوم بمهمتين أساسيتين، الأولى إدارة الإيرادات العامة، والثانية مراجعة أوجه الإنفاق يما يضمن الشفافية ويحقق الأهداف المرجوة من أوجه الصرف المختلفة

وكما سبقت الإشارة، فإن اللجنة تقوم بمهمتين أساسيتين، الأولى إدارة الإيرادات العامة، والثانية مراجعة أوجه الإنفاق يما يضمن الشفافية ويحقق الأهداف المرجوة من أوجه الصرف المختلفة. وهي على هذه الشاكلة لا تعرض البلاد إلى خرق السيادة، بمعنى أن من تُسند إليهم مهمة إدارة الموارد المالية للدولة هم ليبيون، وأن الاستعانة بالعنصر الأجنبي يقتصر على عملية التدقيق التي يتفق جُل المراقبين على أنها لا تمس السيادة في حال تمت بتكليف من قبل سلطة محلية.

المقترح إما أن يكون من قبيل الاستشارة الفنية تقدمها اللجنة الاقتصادية المشتركة للفرقاء الليبيين لتسهيل مسار الحوار والتفاوض بينهم وتذليل الصعاب التي تواجهه، وإما أنها مشروع إدارة دولية للنفط الليبي من خلال تفويض أممي. ووفقا للسيناريو الأول فإن التحدي أمام المقترح هو شدة تعقيد الواقع الليبي الذي لن تغيره مجرد مقاربة لتفكيك النزاع حول أبرز ملفات الخلاف بينهما، وهو ملف توزيع إيرادات النفط بشكل عادل.

ملف المناصب السيادية والذي يشكل أحد أبرز الخلاف بين الجبهتين، الغربية والشرقية، لم يتم التوافق حوله، فأحد الأطراف يود الاستحواذ على أهم هذه المناصب، وهما منصب محافظ المصرف المركزي، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ويرفض الطرف الآخر ذلك، وظل هذا الملف يتدحرج مع تدحرج الأزمة الليبية منذ العام 2014م، فما الذي يجعل اتفاق الفرقاء على عضوية هذه اللجنة ومن يمثلها من الأجسام السيادية المقترحة ممكنا؟!

من جهة ثانية، المقترح لم يحدد بشكل صريح الجهة التي ستقوم بتنفيذ سياسات وقرارات اللجنة الليبية الخاصة بمراقبة عائدات النفط والغاز، فاللجنة تحظى بعضوية ممثل عن وزارة المالية، ولكن أي من الوزارتين؟ أهي وزارة المالية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبدالحميد الدبيبة، أم مالية الحكومة الليبية التي على رأسها فتحي باشاغا؟!

إن تكليف أي من الحكومتين المتنازعتين سيكون كافيا لإفشال المقترح، ويبقى البحث عن بديل ثالث، وهذا يدخل في قلب النزاع السياسي وفي لب مسار تسويته في القاهرة وجنيف، مما يعني تأجيل المقترح إلى حين التوافق بين الجسمين المتفاوضين، وإذا اتفق الجسمان لن تكون هناك حاجة ماسة إلى اللجوء إلى جسم جديد يضاف إلى الأجسام الراهنة.
في حال لم يكن المقترح مجرد استشارة فنية واتجهت الأطراف المعنية به إلى فرضه على الليبيين، فيتطلب هذا استصدار قرار دولي ليصبح قابلا للتنفيذ، وهو أمر متعذر في ظل الانقسام والصراع الحاد الذي يواجهه مجلس الأمن اليوم

أما في حال لم يكن المقترح مجرد استشارة فنية واتجهت الأطراف المعنية به إلى فرضه على الليبيين، فيتطلب هذا استصدار قرار دولي ليصبح قابلا للتنفيذ، وهو أمر متعذر في ظل الانقسام والصراع الحاد الذي يواجهه مجلس الأمن اليوم، وفي حال تمرير قرار دولي بشكل من الأشكال فهنا يصبح ما بقي من سيادة ليبيا أمام تهديد حقيقي. ولهذا فإن الحاجة ماسة إلى تنبيه الفرقاء الليبيين ومن خلفهم المكونات السياسية والاجتماعية والمجتمعية؛ إلى خطورة الاستمرار في النزاع ورهن قوت الليبيين إلى هذا النزاع، الأمر الذي سيجعل فرض وصاية على النفط الليبي محتملا.

النزاع الغربي الروسي يجعل أي كمية من النفط والغاز ذات قيمة ولو كانت مائة أو مئتي ألف برميل في اليوم، فكيف الحال وقد بلغ ما تم حجبه من النفط الليبي عن الأسواق العالمية نحو مليون برميل يوميا. عليه، فإن اتجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهما عضوان فاعلان في المجموعة الاقتصادية المشتركة المعنية بدراسة وضع النفط الليبي والبحث عن سبيل لضمان تدفقه بثبات، هو فرض شكل من أشكال الوصاية على النفط الليبي في حال طال عمر النزاع وامتدت فترة إغلاق النفط إلى أجل غير معلوم.