قضايا وآراء

السيسي والإيقاع النشاز للاقتصاد المصري

1300x600
قرارات السيسي الاقتصادية تشبه إلى حد بعيد قرارات تاجر مستجد غشيم في الحساب، يشتري كيس الأرز سعة 50 كلغ بألف جنيه، ويبيع الكيلو بـ15 جنيها، ليخسر في كل كلغ خمسة جنيهات، دون أن يعلم، في ظل إحساس كبير بالسعادة لأن الناس تتهافت عليه، فيطمع أهله وأقاربه ويشغلون معه أموالهم، وبدلا من تشغيل الأموال وخسارتها، يقوم بشراء سيارة فارهة، ويبدأ بتشييد فيلا لأسرته.. وشيئا فشيئا يخسر كل ما لديه؛ ويحس بالكارثة، فيضطر إلى الاقتراض ليجدد تجارته، ويكمل بناء بيته؛ فيدخل في مجال الأقمشة، فيقع في ذات المشكلة، فيقترض مزيدا من المال، ويعمل في تجارة المواشي، فيموت كثير منها بسبب جهله في مداواتها والحفاظ على صحتها، فيخسر بذات الطريقة، حتى يجد نفسه مجددا مفلسا وغارقا في الديون، فيضطر إلى بيع سيارته وبيته وأثاثه لتسديد بعض ديونه. لكنه لا يتوقف عن العبث والمحاولات اليائسة، فيغرق أكثر وأكثر ويُغرق معه أهله وأقاربه، ويجد نفسه أخيرا في الشارع هو وأسرته ومهددا بالسجن..

هذا تماما ما فعله ويفعله السيسي في الاقتصاد المصري؛ فهو تاجر فاشل أحمق، أضاع دولة كبرى، وجعلها صغرى بلا وزن ولا قيمة وعلى شفا إفلاس مدوٍّ.

ومن مؤشرات جهل السيسي أنه وضع مليارات الدولارات التي اقترضها من الداخل والخارج في تفريعة قناة السويس.. والعاصمة الإدارية.. والطرق.. والجسور والقصور.. ولم يقم باستثمار ربحي واحد حتى اللحظة، بل هو الآن يبيع الشركات الناجحة التي تمتلكها الدولة لمستثمرين أجانب لتوفير السيولة التي شحت بشكل يشي بالإفلاس ويؤشر على جوع وعطش وحرمان.
من مؤشرات جهل السيسي أنه وضع مليارات الدولارات التي اقترضها من الداخل والخارج في تفريعة قناة السويس.. والعاصمة الإدارية.. والطرق.. والجسور والقصور.. ولم يقم باستثمار ربحي واحد حتى اللحظة، بل هو الآن يبيع الشركات الناجحة التي تمتلكها الدولة لمستثمرين أجانب لتوفير السيولة

وفي اللحظة التي يتحدث فيها عن أكل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم ورق الشجر في شعب أبي طالب، تمهيدا لما ينتظر الشعب المصري، تأتي الأخبار من الولايات المتحدة عن صفقة طائرات مروحية أمريكية بـ2.5 مليار دولار؛ لتضعنا أمام عدد كبير من الأسئلة أهمها: لماذا يشتري السيسي الطائرات المروحية العسكرية؟ هل سيستخدمها ضد الكيان المحتل؟ بالطبع لا، وهو أحن على الكيان من نفسه.. هل سيستخدمها ضد داعش في سيناء؟ بالطبع لا، فلديه عدد كبير من الطائرات المروحية القادرة على هذا الإجراء العسكري.. هل سيستخدمها ضد إثيوبيا؟ مستحيل، فلو أراد فعل هذا، لفعله قبل أن يشارف السد على الامتلاء.

إذاً لماذا يشتري هذه الطائرات بأسعار أغلى من سعرها الحقيقي بكثير؟ الجواب لا يحتمل التكهنات، فهو واضح.. إنه لإرضاء الولايات المتحدة واستعطاف بايدن، إضافة إلى العمولات التي سيضعها في جيبه هو وسدنة المعبد، بينما يكابد الناس شظف العيش في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتوقعات كارثية.

الاقتراض هو الحل الوحيد، وهو الطريق الأمثل للانهيار؛ فهو يقترض ليسدد فوائد القروض، وليس القروض ذاتها، ونهاية الشهر الماضي أيار/ مايو، صرح وزير التموين المصري بأن المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة -وهي عضو في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية- ضاعفت حدها الائتماني لبلاده من ثلاثة مليارات دولار إلى ستة مليارات، وذلك في محاولة لمساعدة مصر على شراء القمح باهظ الثمن في هذه الظروف الدولية الخانقة بسبب الحرب الأوكرانية.
لماذا يشتري هذه الطائرات بأسعار أغلى من سعرها الحقيقي بكثير؟ الجواب لا يحتمل التكهنات، فهو واضح.. إنه لإرضاء الولايات المتحدة واستعطاف بايدن، إضافة إلى العمولات التي سيضعها في جيبه هو وسدنة المعبد، بينما يكابد الناس شظف العيش في ظل أزمة اقتصادية خانقة

وتتوالى الأزمات على الوضع الاقتصادي بعامة، حيث أزمة شركات السيارات التي باتت غير قادرة على تلبية حقوق من حجزوا سيارات بدفعات مقدمة، بعد ارتفاع سعر الدولار مؤخرا، فأغلقت بعضها أبوابها، وخرجت بعضها من مصر بعد أن أحست بعبثية الاستمرار في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها مجمل القطاعات العامة والخاصة، إضافة إلى انهيار القدرة الشرائية لدى المستهلك.

ولأول مرة منذ الانقلاب تم تعديل التصنيف الائتماني اعتمادا على النظرة المستقبلية لمصر إلى مستوى سلبي، وفي ظل تضاؤل الرصيد الدولاري وعجز الميزانية الكبير، بات من الصعب أن تقوم مصر بالإيفاء بالتزاماتها تجاه المقرضين الدوليين والمحليين. وقد أدى تخفيض العملة إلى نتائج عكسية، فبدلا من أن يرفع وتيرة الإنتاج وينعش الاقتصاد ويقلل من الاستيراد ويزيد من حجم الصادرات، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، بل حدث انكماش وانعدام رؤية بسبب التضخم الكبير الناتج عن ارتفاع الأسعار، وخصوصا في النفط والغاز والمواد الأساسية التي لا غنى عنها.

لقد بلغ الدين العام 425 مليار دولار، وفي ظل العجز التام عن تسديد فوائد الديون التي تبلغ 101 في المئة من مجموع إيرادات الدولة؛ تسعى مصر إلى مزيد من القروض، وما زالت تحصل عليها؛ فمن أين ستسددها؟ ولماذا يوافق الدائنون على مزيد من إقراضها، مع علمهم بعجزها عن التسديد؟ وما هي الضمانات التي تقدمها مصر للبنوك الدولية؟

أتصور أن منح هذه القروض مقصود ومدروس بعناية، فمصر تمثل قوة بشرية كبرى وموقعا جغرافيا مميزا، وهي قلب الأمة العربية النابض، والقوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط، فلا بد من توريطها في القروض لتظل ضعيفة، ولتظل تستجدي بانكسار وذل، بحيث تبقى لعشرات السنين ترزح تحت نير الضعف والفقر، بما يجعلها في وضع المستجدي الضعيف، وإلا فلماذا لم تقم المؤسسات المالية الدولية والاقتصادية بتقديم النصائح لمصر في عديد المشاريع؛ مثل تفريعة قناة السويس والمدينة الإدارية وغيرها من مشاريع البنية التحتية التي لا تتناسب وقدراتها المالية؟ لماذا ظلت البنوك الدولية تمنح مصر القروض، وهي تعلم يقينا بأن السداد في المواعيد شبه مستحيل، وتعلم أن فوائد القروض ستتضاعف حتى تبلغ أكثر من القروض ذاتها؟ وهو ما يعد في حسابات الربح والخسارة تفريطا إداريا لهذه البنوك..!!
منح هذه القروض مقصود ومدروس بعناية، فمصر تمثل قوة بشرية كبرى وموقعا جغرافيا مميزا، وهي قلب الأمة العربية النابض، والقوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط، فلا بد من توريطها في القروض لتظل ضعيفة، ولتظل تستجدي بانكسار وذل، بحيث تبقى لعشرات السنين ترزح تحت نير الضعف والفقر، بما يجعلها في وضع المستجدي الضعيف

وعشرات المليارات التي قدمتها الإمارات والسعودية لمصر، هل كانت نوعا من الإغواء لتوريط مصر من بعد، ودفعها للاستجداء وإذلالها، وأخذ دورها المحوري في المنطقة وعلى حساب كرامتها ولقمة عيش أهلها؟ ذلك مع إمكانية أن تكون الدولتان متواطئتين مع الغرف المظلمة في الغرب لتوريط مصر وإضعافها.. هذا يبدو واضحا من خلال استيلاء الإمارات على شركات ومصانع رابحة، والقادم ينذر بمزيد من الاستيلاء؛ فمصر مقدمة على بيع أراض وفنادق وشركات ومصانع في أقرب الآجال، بحجة توفير السيولة وتشجيع الاستثمار، وأظن أن الإمارات سيكون لها السبق في شراء هذه المعروضات أو معظمها؛ وربما قريبا يشار إلى مصر على أنها صنيعة أبو ظبي أو ربيبتها..!!

ومع كل ما يقع على رؤوس المصريين من فواجع يذوب لها القلب كمدا، ومع كل هذه الإجراءات والقرارات الاقتصادية الفاشلة، يتفاخر الانقلابي الصغير ببناء القصور، ويقوم هو وعصابته بتهريب المليارات للخارج على سمع العالم وبصره، ودون أي إحساس بالمسؤولية الوطنية ويقظة الضمير.

ومؤخرا يجري الحديث عن 33 ألف قطعة آثار مهربة من مصر إلى الخارج، وبعضها من الأهمية بمكان، وقد وجدت بعض هذه القطع في متحف اللوفر في أبو ظبي والتي اشتراها من متحف اللوفر في باريس، وهو ما يجعلنا نسأل عن المحرمات في مصر، لنجد أن كل شيء قابل للبيع في ظل صمت رسمي، ثم بعد انكشاف الأمور يتم الدفع بأحد المسؤولين، ليقدم تفسيرا مخزيا وغير مقنع، ثم لتطوى الصفحة بهدوء، ما لم يقم الإعلام الغربي بالتطرق لها من جديد.
مصر السيسي ذاهبة إلى المجهول، والثورة قادمة لا محالة.. وهو يدرك ذلك جيدا، ويحسب له ألف حساب، لكنه لن يستطيع وقف الموج البشري القادم، لأنه لا يمتلك الحلول السحرية بعد أن أنفق آخر مليم في جيب مصر على خيباته ومقامراته الخاسرة

ولا يساورني شخصيا أدنى شك بأن شبكات بيع الآثار في مصر مرتبطة مباشرة بالسيسي المستعد دائما لبيع أي شيء في سبيل مضاعفة ثروته، ولو كان هذا الشيء مرتبط بالوطن وكرامته؛ فبيع الآثار يعدّ خيانة وطنية بامتياز، يستحق فاعله المحاكمة بتهمة خيانة الوطن.

خسارات معنوية ومادية وأخلاقية على كل صعيد، حتى على صعيد الرياضة وكرة القدم جاءت النتائج كلها مخيبة للآمال.. لا شيء في مصر يبعث على الأمل، بل خيبته ونفاده.. فليقل لنا أحد ماذا تبقى في مصر من مقومات الدولة؟ لا تعليم ولا أمن غذائي ولا اقتصاد ولا صحة ولا أمن شخصي، ولا حرية ولا عدالة ولا كرامة ولا رحمة.. القسوة والجبروت والاستقواء والتنمر صفات ملازمة لأصغر موظف في سلك الأجهزة الأمنية، بل في سلك الوظيفة العمومية؟

مصر السيسي ذاهبة إلى المجهول، والثورة قادمة لا محالة.. وهو يدرك ذلك جيدا، ويحسب له ألف حساب، لكنه لن يستطيع وقف الموج البشري القادم، لأنه لا يمتلك الحلول السحرية بعد أن أنفق آخر مليم في جيب مصر على خيباته ومقامراته الخاسرة.