ملفات وتقارير

ماذا لو فشلت تونس في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟

قالت جورجوفيا إن المحادثات الجارية مع تونس تسير بنسق مرض - المالية التونسية على فيسبوك

التقت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري نمصيّة، الثلاثاء 19 نيسان/ أبريل الجاري، رفقة محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، نائبة مدير عام صندوق النقد الدولي "أنطوانيت ساييه"، وفقا لبيان صادر عن وزارة المالية. 

وأكد الجانب التونسي خلال هذا اللقاء على الالتزام بتنفيذ برنامج الإصلاحات الذي تعتزم الحكومة، وضعه قيد التنفيذ بالتشاور مع شركائها الاجتماعيين بهدف استعادة صلابة المالية العموميّة وتحقيق التوازنات المالية الكبرى وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلّي، وفق نص البيان.

وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجوفيا، الأربعاء، 20 نيسان/ أبريل 2022، إن "المحادثات الجارية بين الصندوق والدولة التونسية تسير بنسق مُرض إلى حد ما وهي تنبئ بقرب التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن المؤسسة المالية الدولية تحتاج لمزيد من الوقت لفهم طبيعة الإصلاحات التي ستنفذها حكومة بودن لإصلاح الاقتصاد الوطني". 

وبناء على ذلك سيحدد الصندوق موقفه من دعم تونس خاصة فيما يتعلق بالدين الخارجي. 

وفي هذا الصدد، قال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي لـ"عربي21" إن "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا يتعلق بنقاشات فنية فقط وإنما هو مرتبط بمناخات اجتماعية وسياسية تضمن تطبيق هذا الاتفاق، لذلك، من المستبعد الوصول إلى حل في القريب العاجل مع صندوق النقد الدولي في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد ورفض الأطراف الاجتماعية لبنود وثيقة الإصلاحات الهيكلية التي تقترحها الحكومة".

 

اقرأ أيضا: وفد تونسي يزور صندوق النقد.. هل استجابت الحكومة للشروط؟

أزمة اقتصادية متصاعدة

 

ويأتي تجدد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في ظل وضع اقتصادي واجتماعي صعب حيث تم التخفيض في الترقيم السيادي لتونس من قبل وكالة التصنيف «فيتش رايتنغ» إلى "سي سي سي" سلبي.

 

وتعرف تونس تراجعا تاريخيا للدينار مقابل الدولار حيث تجاوز الدولار الواحد ثلاثة دنانير تونسية، كما تشهد البلاد ارتفاعا متزايدا في أسعار السلع والخدمات وندرة في توفر بعض المواد الأساسية في الأسواق خلال الأشهر الأخيرة.

وقال المعهد الوطني للإحصاء، في آخر بيانات محدثة إن نسبة التضخم قد ارتفعت إلى 7.2 % خلال شهر آذار/مارس الماضي بعد أن كان في حدود 6.7% في شهر كانون الثاني/ يناير من السنة نفسها. 

كما تعيش البلاد على وقع ارتفاع مؤشرات البطالة حيث بلغت 18,4 % خلال الثلاثي الثالث لسنة 2021 بعد أن كانت في حدود 16.2% خلال نفس الفترة من سنة 2020. 

وتعرف نوايا الاستثمار الداخلية والخارجية تراجعا كبيرا كما شهدت البلاد في الأشهر الأخيرة إغلاق عدد من المؤسسات الاقتصادية.

إضافة إلى ذلك، تبرز مظاهر صعوبة الوضع الاقتصادي أخرى، على غرار التأخر الحاصل في صرف رواتب الموظفين وجرايات المتقاعدين. 

الاتفاق.. ضرورة

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أن "البلاد مضطرة إلى إيجاد حلول للمالية العمومية والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي".

وفي المقابل يشكك خبراء حول مدى قدرة السلط التونسية في الوصول إلى هذا الاتفاق.

وتحتاج البلاد حسب قانون المالية لسنة 2022 إلى تمويلات خارجية تقدر بـ12 مليار دينار منها 4 ملايين دينار من صندوق النقد الدولي والباقي يقدم بضمانة منه، كما عليها تسديد أصول دين قريبة المدى وبعيدة المدى خاصة بثمانية قروض خارجية خلال هذه السنة.

فيما يشهد احتياطي تونس من العملة الصعبة تآكلا متواصلا في الأشهر الأخيرة حيث بلغت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية حسب آخر تحيين ما قيمته 129 يوم توريد مقابل 153 يوم توريد خلال نفس الفترة من السنة الماضية وفق أرقام البنك المركزي التونسي.

وفي هذا السياق قال الخبير المالي الصادق جبنون لـ "عربي21" إنه "للأسف لا توجد خيارات كبيرة أمام النظام في تونس سوى الوصول إلى اتفاق مع الصندوق الدولي من أجل تجنب انهيار الاقتصاد وإفلاس الدولة".

وأضاف جبنون: "المقلق أن البلاد تأخرت في الإصلاحات المطلوبة منذ 15 سنة وأن تكلفتها ستكون باهظة جدا على الشعب وخاصة الفئات الضعيفة في حال تطبيقها اليوم". 

يذكر أن صندوق النقد الدولي يشترط "تجميد كتلة الأجور وإعادة هيكلة بعض المؤسسات العامة وبيع البعض بالإضافة إلى مراجعة منظومة الدعم وتحسين مناخ الأعمال".

 

اقرأ أيضا: تراجع الدينار يعمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين

ماذا لو فشل الاتفاق؟

ويرجح الخبراء أن عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيعقد الوضع الاقتصادي في البلاد وينبه بعضهم لاقتراب تونس إلى خطر الإفلاس والعجز عن سداد ديونها الخارجية.

ومن بين الخيارات الأخرى التي تناولتها النقاشات حول الوضع المالي والاقتصادي في البلاد هو إحالة تونس إلى نادي باريس وهي مجموعة غير رسمية تقدم خدمات مالية، مثل إعادة جدولة الديون للدول المديونة بدلا من إعلان إفلاسها، بشروط مجحفة.

وقال الخبير التونسي رضا شكندالي لـ "عربي21" إن "الحلول محدودة أمام السلط في تونس في حال عدم الإمضاء على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".

وأضاف: "لن يبقى أمام تونس حينها سوى الاقتراض من البنوك التونسية والبنك المركزي التونسي وهو ما يمنعه قانون البنك ويرفضه صندوق النقد الدولي ولا يتسامح معه".

ورأى شكندالي أن "الذهاب في هذه الخطوة يعني القطع مع صندوق النقد الدولي وبقية المانحين ويعني أيضا السير في نفس الطريق الذي سلكه لبنان والوصول إلى نفس النتيجة التي وصل لها أي إعلان الإفلاس".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "اقتراض الدولة حاجياتها من التمويل الخارجي من المؤسسات البنكية المحلية أي دون نماء للثروة يعني إغراق البلاد في انفلات واسع للأسعار وارتفاع كبير في معدل التضخم".

يشار إلى أن عديد الأطراف في تونس وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل يطالبون الحكومة بالكف عن سياسة التعتيم المتبعة حول المالية العمومية ومصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد.

 

وأكدت رئيسة الحكومة خلال لقائها الأخير مع الاتحاد بأنها تعتزم مصارحة الشعب قريبا حول الوضع الاقتصادي. 

ويذكر أيضا أن الاتحاد العام التونسي للشغل قدم تحفظاته على البرنامج الحكومي المقدم وخاصة رفع الدعم وتجميد الانتدابات والأجور، خلال لقاء جمعه بوفد من صندوق النقد الدولي يوم 25 آذار/ مارس الماضي.

وتشير تقارير إلى أن المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي توسع الهوة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وقيس سعيد وتمكن الاتحاد من لعب أدوار سياسية أفضل في اتجاه فرض حوار وطني حقيقي في البلاد.