مقالات مختارة

ملف ابن الرئيس بايدن… جزء مخفي من الأزمة الأوكرانية

1300x600

لعبت الساحة الأوكرانية دورا محوريا في النزاعات السياسية الأمريكية إبان عهدة الرئيس دونالد ترامب، وكانت مشاكل الفساد في أوكرانيا وإشاعات تورط شخصيات أمريكية نافذة في هذا الفساد محور الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين.


ونحن نتذكر أزمة المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التي طالب فيها ترامب فتح تحقيق مع هانتر بايدن ابن المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن بتهم فساد في شركة بروسيما القابضة للطاقة، التي يشارك بايدن الابن في مجلس إدارتها، لكن الرئيس زيلينسكي حاول إفهام ترامب حينها أن لا شبهات فساد في الموضوع، بحسب تحقيقات المدعي العام الأوكراني، فتحول ترامب إلى أسلوب التهديد بقطع المعونة الأمريكية عن أوكرانيا إذا لم يطبق زيلينسكي ما يطلب منه.

 

المكالمة التي تمت في 25 تموز/يوليو 2019 تم تسريبها من أحد عملاء الاستخبارات الأمريكية (CIA) الذي كان منتدبا للعمل في البيت الأبيض، وقد اكتشف فحوى المكالمة الهاتفية نتيجة الأعمال الروتينية التي تقوم بها الوكالات الأمنية، وأثار انتباهه ما تحويه المكالمة من خروقات سياسية، فأوصل الأمر إلى لجنة الأمن والدفاع في الكونغرس في 12 آب/أغسطس 2019.

 

تلقف الديمقراطيون الكرة وصعّدوا الأزمة وصولا إلى إجراءات عزل الرئيس ترامب، الذي نجا من العزل نتيجة دعم مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية.


خضع هانتر بايدن ابن الرئيس جو بايدن لتحقيق أجرته وزارة العدل الأمريكية للتأكد من ثروته، إذ أشيع أثناء الصراع الانتخابي على الرئاسة الأمريكية عام 2020 الكثير من حملات التشهير، فقد اتهم دونالد ترامب وفريقه الرئاسي، هانتر ووالده بارتكاب مخالفات تتعلق بعلاقات مشبوهة مع الصين وأوكرانيا، وهي مزاعم نفاها بايدن. وقد كشفت صحيفة «نيويورك بوست» اليمينية عن رسالة بريد إلكتروني شكر فيها فاديم بوزارسكي مستشار شركة بروسيما القابضة للطاقة هانتر بايدن على دعوته لمقابلة والده جو بايدن في واشنطن، لم تقدم مقالة «نيويورك بوست» دليلاً على أن الاجتماع عقد على الإطلاق، وقالت الحملة الانتخابية لبايدن إنه لا يوجد سجل لأي اجتماع من هذا القبيل على «الجدول الرسمي» لنائب الرئيس السابق.

 

ولدى سؤاله عن هذه المزاعم، قال جو بايدن لمراسل «بي بي سي» إنها «حملة تشهير، ولم يتم إثبات أي نشاط إجرامي، ولم يظهر أي دليل على أنني فعلت أي شيء لإفادة ابني عمداً». تجدر الإشارة إلى أن الرئيس جو بايدن كان يعدّ ابنه الأكبر جوزيف روبينت بايدن، لأن يكون سياسيا ناجحا، وتوقع له أن يصل يوما لمنصب رئيس الولايات المتحدة.

 

جوزيف روبينت بايدن أكمل دراسة الحقوق وعمل في مكتب المدعي العام، وكان شابا مثاليا بنى سمعته السياسية بنجاح ومن دون تعثر، لكنه أصيب بسرطان الدماغ وتوفي عام 2015 عن عمر 46 سنة، ما مثل صدمة للأب، وعلى الرغم من حب الرئيس بايدن لابنه الثاني واهتمامه به، إلا أنه كان مختلفا نوعا ما عن أخيه الأكبر، فهنالك الكثير من البقع السوداء في مسيرته المهنية والشخصية، مثل الإدمان على الكحول والمخدرات، ودخوله مصحات معالجة الإدمان عدة مرات، والإشاعات التي طاردته على خلفية ما أشيع عن علاقاته النسائية، ومع ذلك كان هانتر بايدن ناجحا في عالم الأعمال، إذ أسس شركات مهمة تعمل في مجال الخصخصة واستقدام رؤوس الأموال العملاقة من عدة دول كالصين وأوروبا الشرقية للاستثمار في أمريكا، لكن هانتر مثل الخاصرة الرخوة في مسيرة الرئيس جو بايدن المعروف بصرامته السياسية ومهاجمته الفساد.

 

قصة هانتر بايدن في الأزمة الأوكرانية يرويها مقال كتبه آدم إنتوس بعنوان «الأب والابن» في مجلة «نيويوركر» في يوليو 2019، مع تصاعد موجة مطالبة الديمقراطيين بعزل الرئيس ترامب على خلفية المكالمة الهاتفية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي. وتبدأ القصة بسفر ديفون آرتشر شريك هانتر بايدن في شركتهما الاستثمارية إلى كييف لجذب الاستثمارات من أوروبا الشرقية، حيث اجتمع آرتشر في كييف مع ميكولا زلوشفسكي، وهو أحد الأوليغارشيين الأوكرانيين، وقد عمل وزيرا للبيئة في حكومة فيكتور يانوكوفيتش الموالية لروسيا، كما أنه مؤسس ومشارك في إدارة شركة بورسيما القابضة المحدودة لاستكشاف وإنتاج الطاقة، وهي أحد أكبر منتجي الغاز الطبيعي في أوكرانيا.

سعى ميكولا زلوشفسكي إلى تشكيل مجلس إدارة دولي رفيع المستوى للإشراف على شركة بورسيما، وأخبر أعضاء مجلس الإدارة أنه يسعى لأن تتبنى الشركة المعايير الغربية للشفافية، وكان من بين أعضاء مجلس الإدارة الذين تم تعيينهم، رئيس بولندا السابق ألكسندر كوازنيفسكي الذي اشتهر بأنه مصلح متفان. وفي أوائل عام 2014، وبناءً على اقتراح زلوشفسكي، التقى كوازنيفسكي مع ديفون آرتشر في وارسو وشجعه على الانضمام إلى مجلس إدارة شركة بورسيما، مجادلاً بأن الشركة لعبت دورا حاسما في استقلال أوكرانيا عن التأثير الروسي، ووافق آرتشر، فانضم هو وشريكه هانتر بايدن الى مجلس إدارة شركة بورسيما.


سيرة الوزير ورجل الأعمال الأوليغارشي ميكولا زلوشفسكي دار حولها الكثير من الشكوك وحامت حولها الشبهات، إذ بعد الاحتجاجات الأوكرانية عام 2014 وإطاحة الرئيس يانوكوفيتش، وفي ظل الحكومة الأوكرانية الجديدة، بدأت سلطات كييف، بتشجيع من إدارة أوباما، تحقيقا في مكافحة الفساد ومعرفة ما إذا كان الوزير زلوشفسكي قد استخدم منصبه الوزاري لمنح تراخيص الاستكشاف التي استفادت منها شركة بورسيما القابضة المحدودة، وكانت نتائج التحقيق غير واضحة، لكن لم يتم الكشف علنا عن أي دليل على وجود نشاط إجرامي، لذلك تم إغلاق التحقيق في النهاية بسبب نقص الأدلة. لكن وفي تحقيق ذي صلة، جمدت السلطات البريطانية الحسابات المصرفية البريطانية المرتبطة بزلوشفسكي.


في كانون الأول/ ديسمبر 2015، بينما كان جو بايدن يستعد للعودة إلى أوكرانيا، استعد مساعدوه لتجديد التدقيق في علاقة هانتر بايدن بشركة بورسيما القابضة. أثار عاموس هوشستين، المبعوث الخاص لإدارة أوباما لسياسة الطاقة إلى أوكرانيا، الأمر مع نائب الرئيس بايدن، لكنه لم يذهب إلى حد التوصية بأن يترك هانتر المجلس. كما يتذكر هانتر أنه ناقش والده في موضوع شركة بورسيما القابضة مرة واحدة فقط وقال الأب: «أتمنى أن تعرف ما تفعله»، فرد هانتر «أنا أفعل». كان نائب الرئيس جو بايدن يلعب دورا مركزيا في الإشراف على سياسة الولايات المتحدة في أوكرانيا، وتولى زمام المبادرة في دعوة كييف لمكافحة الفساد المستشري.

 

أصر العديد من المسؤولين السابقين في إدارة الرئيس أوباما ووزارة الخارجية على أن دور هانتر بايدن في شركة بورسيما القابضة لم يكن له أي تأثير على سياسات والده في أوكرانيا، لكنهم قالوا إنه، مع ذلك، لم يكن ينبغي له أن يشغل مقعدا في مجلس الإدارة. كما قال كبير مساعدي البيت الأبيض السابق، إن هانتر كان يجب أن يدرك أن بعض شركائه التجاريين الأجانب على الأقل كانوا متحمسين للعمل معه لأنهم أرادوا «أن يكونوا قادرين على القول إنهم قريبون من نائب الرئيس جو بايدن». وبعد الإعلان عن دور هانتر بايدن في مجلس إدارة شركة بورسيما في الأخبار، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية جين بساكي، إن وزارة الخارجية ليست قلقة بشأن تضارب المصالح المتصور.

 

كما ذكر الرئيس البولندي الأسبق وعضو مجلس إدارة بورسيما ألكسندر كوازنيفسكي: «لم نناقش أبدا كيف يمكن لنائب الرئيس مساعدتنا، بصراحة ، لم نكن بحاجة إلى مثل هذه المساعدة». اتهم دونالد ترامب وفريقه جو بايدن بارتكاب مخالفات لأنه دفع عام 2016، أثناء عمله نائبا للرئيس، الحكومة الأوكرانية لإقالة المدعي العام فيكتور شوكين، الذي كان يحقق في قضايا فساد شركة بورسيما التي كان هانتر يعمل فيها، لكن تجدر الإشارة الى إن العديد من القادة الغربيين والهيئات الرئيسية، التي تقدم دعما ماليا لأوكرانيا، أرادوا أيضا عزل المدعي العام شوكين لاعتقادهم أنه لم يكن نشيطًا بما يكفي في معالجة الفساد.


والخلاصة كانت في التحقيق الذي أجرته لجنة من المشرعين من الحزب الجمهوري الأمريكي، الذي كان يسيطر على مجلس الشيوخ في عهدة الرئيس ترامب، الذين وجدوا أن عمل هانتر بايدن في الشركة الأوكرانية كان «إشكاليا»، لكن لم يكن هناك دليل على تأثر السياسة الخارجية للولايات المتحدة به. ولم يتم إثبات أي تهم جنائية ضد شركة بروسيما أيضا. وقد أصدرت الشركة الأوكرانية بيانا جاء فيه أنه تم إغلاق «جميع الإجراءات القانونية والمزاعم الجنائية المعلقة» ضد الشركة. وفي عام 2020، صرح يوري لوتسينكو، المدعي العام في أوكرانيا الذي خلف فيكتور شوكين، إنه لا يوجد سبب للتحقيق مع هانتر بايدن بموجب القانون الأوكراني. فأسدل الستار على الموضوع.

 

(القدس العربي اللندنية)