قضايا وآراء

تحولات جديدة في المشهد التونسي

1300x600

لم يعد خافيا على أحد بأن قيس سعيد لم يزل يمارس غطرسة شعبوية انطلاقا من وهم التأييد الشعبي الذي لطالما تغنى به، وهو الآن يعرف جيدا أن التأييد الشعبي بات أثرا بعد عين. ولم تكن نتائج الاستشارة الإلكترونية التي اعتمد المنقلب فيها على مؤيديه الذين انفضوا من حوله بشكل كبير كافية ليدرك من خلالها ضآلة شعبيته واهتزاز صورته في عيون التونسيين، على الرغم من محاولاته اليائسة لزيادة عدد المشاركين فيها، وقد بدأت الاستشارة في 15 كانون الثاني/ يناير وانتهت في 20 آذار/ مارس المنقضي، أي بواقع 65 يوما، وهي مدة طويلة، لا أعتقد أن لها شبيها في الاستفتاءات حول العالم، ونتائج هذه الاستشارة دليل كاف لفضح مستوى التأييد الذي يحظى به. 

وأستغرب ممن يقول بأنه ما زال يتمتع بشعبية كبيرة، إذ ربما من يرون هذا الرأي بعيدون عن الشارع وعن معرفة الحقائق، ولم يحسوا بعد بالغضب المحتدم في نفوس المواطنين.

ويوم أول أمس الأربعاء 30 آذار/ مارس ارتعدت فرائس قيس سعيد بعد الانعقاد البرلماني الافتراضي الذي أصدر قرارا ببطلان الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها بشكل متسرع ومتشنج، ما دفعه إلى إصدار قرار يقضي بحل المجلس. وقد ترأس الجلسة العمومية النائب الثاني لرئيس مجلس النواب التونسي طارق الفتيتي، الذي أفاد في كلمة الافتتاح التي تم بثها عبر موقع "يوتيوب" بأن 121 نائبا من أصل 217 حضروا الجلسة. 

وهنا لا بد من توضيح نقطتين:

الأولى ـ سرعة ردة الفعل واتخاذ القرار من قبل المنقلب، بناء على تصورات ومخاوف فردية لا علاقة لها بالوطن والمواطن، فقد أحس بالخوف من جدية إجراءات مجلس البرلمان؛ فاتخذ قراره بناء على ذلك، وهو ما يؤكد أن كل قراراته تصدر عن  هواجس واختلالات وردود أفعال صاخبة، لا صلة لها بتونس الأرض والشعب.

الثانية ـ واضح أن قيس سعيد يلبس ثوبا واسعا أكبر من كفاياته وقدراته بكثير، فقد أثبت منذ الانقلاب حتى اليوم أنه غير قادر على معالجة ملف واحد بحكمة وعقلانية، بعيدا عن الانفعال والتشنج، فهو متمسك برأيه الفردي دائما مهما كانت نتائجه كارثية، وهو ضيّق الأفق، قليل الصبر، سريع الخطى نحو نزواته الشخصية، وتطلعاته القائمة على أحلام يقظة، غير قابلة لمعايشة الواقع.

 

لم يصبر سعيّد على تحركات البرلمان، ليفكر أكثر ويتخذ قراره بأناة وبنوع من الإحساس بالمسؤولية الوطنية؛ فقد استفزه قرار البرلمان وصعقته جرأة الكلمات التي ألقاها النواب، فأصدر قراره بحل البرلمان، وطلب مباشرة من وزيرة العدل الإيعاز للنيابة العامة بفتح ملفات تتبع قضائي ضد النواب المشاركين في الجلسة،

 



إن تصرفات المنقلب تأخذ البلاد والعباد نحو هاوية لا قرار لها. إنه يقف على شفا جرف هار، ويمسك بيده بكل تلابيب الدولة بمؤسساتها ومقدراتها ومواطنيها، فالدولة التونسية تحتضر، وقد تنهار في أية لحظة، ولا أحد يعرف ما يخطط له المنقلب أو ما الذي سيفعله ليمنع انهيار الدولة؛ فهو متنطع عاجز، لا يملك شيئا ليقدمه إلا الشتم والصراخ والتوعد والتهديد، ناهيك عن اتخاذه القرارات المصيرية غير المحسوبة، التي لا ينطلق بها من حكمة أو مشورة أو احترام للقانون والدستور.

وجاء قرار البرلمان التونسي الذي انعقد عن بعد، ببطلان الإجراءات الاستثنائية للمنقلب، وكان قرارا جريئا وصائبا، فهز قلب الأخير، وألزمه حالة هستيريا وقلقا بالغا. ولو قام مجلس القضاء الأعلى بجلسة تشبه جلسة البرلمان، وأصدر قرارات ببطلان إجراءات قيس سعيد من الناحية القانونية لكان لذلك أثر كبير على المشهد القائم، وسوف يقوي ذلك السلطتين التشريعية والقضائية في آن معا، ويحدث تغييرا إيجابيا، وإن بدا سلبيا على صعيد الضرر الشخصي الذي قد يلحق بالأعضاء.

لم يصبر سعيّد على تحركات البرلمان، ليفكر أكثر ويتخذ قراره بأناة وبنوع من الإحساس بالمسؤولية الوطنية؛ فقد استفزه قرار البرلمان وصعقته جرأة الكلمات التي ألقاها النواب، فأصدر قراره بحل البرلمان، وطلب مباشرة من وزيرة العدل الإيعاز للنيابة العامة بفتح ملفات تتبع قضائي ضد النواب المشاركين في الجلسة، وأمس الخميس، تم استدعاء عشرات النواب للمثول أمام فرقة مكافحة الإرهاب، مما نتج عنه تنديد شديد على صعيد الجبهة الداخلية. 

ومساء الاثنين الماضي 28 آذار/ مارس كان المنقلب حذر من قيام البرلمان المجمد بعقد جلسات برلمانية، وعدّ ذلك محاولة انقلابية.

وكان مجلس البرلمان قد خطط لإقامة جلسة أخرى يوم غد السبت 2 نيسان/ إبريل للنظر في الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة للبلاد، فهل يقوم النواب بعقد الجلسة غدا على الرغم من تهديدات المنقلب، واستدعاء عدد منهم للمثول أمام فرقة مكافحة الإرهاب، بتهمة محاولة انقلابية؟ أم إنهم سيلغون الجلسة أمام الإجراءات القمعية للمنقلب؟ 

ربما كان من الحكمة وبناء الرصيد الثوري أن يصرّ النواب على استكمال خططهم بالمضي قدما في عقد الجلسة البرلمانية يوم غد السبت، مهما كانت النتائج؛ فذلك سيصب في مصلحتهم مهما كانت الإجراءات الرئاسية صادمة؛ لأن إجراءات المنقلب القائمة على التسرع وردود الأفعال غير المحسوبة، مما يزيد من انكشاف شخصيته البشعة وتصرفاته العدوانية، وسيكون للمحاكمات المزمع إجراؤها في حق النواب، وما سينتج عنها على الصعيدين الداخلي والخارجي أثر كبير في إظهار حقيقة المنقلب وضحالة إجراءاته.

لا أدري إن كان قيس سعيد يحس بأنه كان السبب المباشر والأداة الفاعلة في قتل آخر معاقل الديمقراطية في الوطن العربي أم لا؟ وهل شخصيته وثقافته ووعيه المفترض قادرة على استيعاب أن التاريخ سيكتب عنه بحروف من عار قصة وأد الحرية والديمقراطية وتكميم الأفواه وإفقار الشعب؟ أم إنه لا يفكر في هذا، ويرى نفسه إلها أرضيا فوق البشر؟