قضايا وآراء

الأسد في أبو ظبي.. البحث عن مسار تطهير الجرائم

1300x600
قطار التطبيع الذي تقوده أبو ظبي مع الاحتلال الإسرائيلي، والمترافق مع رغبة جامحة بالتحالف معه ومع مستعمراته على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يفلح في سرعته بحجب الحقائق على جانبي الطريق المؤدي بنهايته لإضفاء شرعية على تزوير التاريخ والدوس عليه وعلى ضحايا الاحتلال والاستبداد.

ومع محاولة الإمارات تعويم بشار الأسد، واستقباله بعد جرأة استقبال نفتالي بينت وعتاة التطرف الصهيوني وإقامة تحالف أمني واقتصادي مع المؤسسة الصهيونية، يأتي دور أطراف التطبيع لتوجيه سكة القاطرة نحو دمشق وتل أبيب، لإدراك نصر ينضح بهزيمة ملايين العرب من ضحايا مشروعي التصهين والاستبداد، وينضح أيضا بهزيمة كل أدوات التزوير الصهيوني برعاية عربية.

تكثيف جهود حكام الإمارات التطبيع مع نظام بشار الأسد واستقباله في أبو ظبي وفك عزلته عربياً؛ حتى لا تبقى صورة التطبيع أحادية في وجهها الصهيوني باكتمالها بصورة الطاغية السوري عله يضفي شرعية على الخطوة الناقصة، بعد فشل جهود موسكو لإعادة تعويمه دولياً، بانضمام بوتين لتصدر قائمة الجرائم مع حليفيه في دمشق وتل أبيب.
تكثيف جهود حكام الإمارات التطبيع مع نظام بشار الأسد واستقباله في أبو ظبي وفك عزلته عربياً؛ حتى لا تبقى صورة التطبيع أحادية في وجهها الصهيوني باكتمالها بصورة الطاغية السوري عله يضفي شرعية على الخطوة الناقصة، بعد فشل جهود موسكو لإعادة تعويمه دولياً

الإشارات العربية لنظام الأسد التي أعربت في مجملها عن ضرورة إعادة النظر في خطوات المقاطعة العربية له، والتي اتخذت بالأصل رداً على انتهاكاته الفظيعة ضد السوريين، لم تُغير حال النظام لتغيير الموقف، ولا الاحتلال الصهيوني غيّر جلده وعقيدته. على العكس، تُقابَل الجرائم المتصلة بالاحتلال والطغيان بهرولة عربية للتكيف معها، بعدما ربط العرب "التطبيع" بتطبيق "المبادرة العربية للسلام" التي يتحدث عنها كل مسؤول عربي وفلسطيني إذا ما سئل عن العلاقة مع "إسرائيل" التي تتنكر لكل الحقوق الفلسطينية والعربية، وربط رفع العقوبات عن نظام الأسد بتحقيق عملية سياسية تقود لانتقال سلمي للسلطة وتلبي طموحات السوريين.

والسؤال المكرر: ما الذي تحاول إضافته أنظمة التطبيع على المشهد العربي، سواء عاد الأسد بصورته المتجولة في عواصم عربية، أو مشهد التجوال الإسرائيلي بطائراته ووفوده الأمنية والاقتصادية نحو عواصم عربية، تحتل في عقودها الرعاية الكبرى من الإمارات؟

الميزان في كفتيه لصالح المشروع الصهيوني، وميزان التطبيع مع نظام الأسد والقبول به يأتي من باب الاشتراطات الصهيونية لتقاسم تلميع الصورة، بإزاحة الجرائم عن كاهل الاحتلال والاستبداد حتى لو بدا الامتعاض الأمريكي ظاهريا على الخطوة الإماراتية. بمعنى استمرار وجود نظام الأسد وتأهيله في منظومة عربية مؤيدة لبطشه المنقذ لها؛ لن يغير مستقبل سوريا والسوريين سوى لمزيد من الكوارث والمآسي.

وخطوات التطبيع مع المستعمر الصهيوني لا تخدم مشاريع عربية لا من قريب ولا من بعيد، لا في التجارة ولا السياسة ولا الثقافة والسياحة، ولا تقدم للإنسان العربي نهضة وتنمية وتحررا وانفتاحا على بيئته العربية الواسعة، التي تخوض أنظمة الاستبداد حربها ضد أي تطبيع مفترض فيما بينها يكون قائماً على هذه الأسس.
الابتهاج الإسرائيلي بتسيير رحلات جوية مباشرة نحو أبو ظبي وبالعكس، مع جملة الاتفاقات الضخمة معه كتتويج لأكبر وأسرع اختراق صهيوني لبلد عربي، يتوج بابتهاج مماثل في دمشق لاستقبال بشار الأسد من قبل أبو ظبي؛ وقد أصبحت سياستها بوصلة الطاغية ومؤشرا ثابتا للتصهين

المجال الوحيد للتطبيع وتكون فائدته مشتركة بين الاحتلال والاستبداد، أن أدوات البطش والقمع العربي تُسخر لحماية المشروع الصهيوني وتوفير بيئة عربية، تمرر التزوير وتبرر الجرائم.

التطبيع العربي مع الطاغية والمحتل ضرورة مشتركة لوظيفة واحدة، وأداة القهر المتسعة في التدمير والقتل والحصار والتهجير في المقلبين الأسدي والإسرائيلي أصبحت لدى البعض مدعاة فخرٍ ونصرٍ وعنوانا لأمانٍ، بقدرة الأسد على إخضاعه وسيطرته على المجتمع السوري بمساعدة المحتلين على الأرض، عدا عن الابتهاج بقدرة العقل الصهيوني على إحداث جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. وعليه، الابتهاج الإسرائيلي بتسيير رحلات جوية مباشرة نحو أبو ظبي وبالعكس، مع جملة الاتفاقات الضخمة معه كتتويج لأكبر وأسرع اختراق صهيوني لبلد عربي، يتوج بابتهاج مماثل في دمشق لاستقبال بشار الأسد من قبل أبو ظبي؛ وقد أصبحت سياستها بوصلة الطاغية ومؤشرا ثابتا للتصهين.

بعد قطيعة وعزلة عربية رسمية لنظام الأسد، على الأقل بشكل معلن منذ العام 2011، نحاول قراءة مشهد التغيير العربي لانفتاح أبو ظبي على الأسد، فلا نجد سوى العنوان الإسرائيلي الذي تصدر المشهد في إعلام أبو ظبي منذ توقيع الإمارات والبحرين والمغرب اتفاقات التطبيع في أيلول/ سبتمبر 2020، وما تبعها بعد ذلك من نشاط إماراتي نحو دمشق، ودعوات وجهد مصري وجزائري بأن يكون نظام الأسد حاضراً في أي قمة عربية قادمة.
سقوط الذرائع العربية بمحاصرة الدور الإيراني في سوريا، أو الوقوف خلف الشعب السوري ودعم معاناته، مع التطبيل الرسمي للرواية الصهيونية في بعض إعلام التصهين وشن هجمة شرسة على ضحايا المشروع الصهيوني من الفلسطينيين، كشف كم الأباطيل التي يتستر خلفها حلف الاستبداد والتصهين

أخيراً، سقوط الذرائع العربية بمحاصرة الدور الإيراني في سوريا، أو الوقوف خلف الشعب السوري ودعم معاناته، مع التطبيل الرسمي للرواية الصهيونية في بعض إعلام التصهين وشن هجمة شرسة على ضحايا المشروع الصهيوني من الفلسطينيين، كشف كم الأباطيل التي يتستر خلفها حلف الاستبداد والتصهين. وفي نهج تبرير الانفتاح على الجرائم وتغطيتها إدراك قديم للخديعة التي مُني بها الشعب الفلسطيني والعربي من سياسات رسمية عربية، ويكشف التحالف والتطبيع عن حقائق راسخة فيها الأدوار والوظيفة المناطة بهذه السياسات.

وهذا غير منفصلة عما يجري على الجانب الآخر من الجهود المبذولة عربيا نحو التطبيع مع المشروع الصهيوني، لكي تكون الرسالة قوية ومدوية في وجه الضحايا من الشارع العربي الذين تجرأوا على الثورة والانتفاضة في وجه الديكتاتوريات التي اتخذت من المستعمر الصهيوني ساتراً "مفيدا" لجرائم كبرى، وتقديم أبو ظبي لدور جرائم الأسد على أنها "تحقيق تكامل لصالح المنطقة ككل" بهذا التزوير السخيف، بعد منح المستعمر الصهيوني صك البراءة لروايته العنصرية وتبريراته الدموية؛ بأنه لإيجاد مسار لتطهير الجرائم. أمام الطاغية العربي مساران؛ إما أبو ظبي أو تل أبيب.

twitter.com/nizar_sahli