كتاب عربي 21

مصر بحاجة لخطة إنقاذ عاجلة

1300x600

في كافة دول العالم واقتصاداته عندما يتم رفع سعر الفائدة يرتفع سعر صرف العملة بالضرورة أمام العملات الأخرى. هذه قاعدة ثابتة على الدوام، لكن ما حدث في مصر كان مناقضاً تماماً لذلك إذ سرعان ما انهار سعر صرف الجنيه، وسرعان ما ارتفعت الأسعار، أي زاد التضخم. 


هبوط الجنيه المصري بعد رفع سعر الفائدة عليه مؤشر اقتصادي بالغ الخطورة، فهو يعني بالضرورة أن الثقة متزعزعة أو ربما معدومة بثلاث أعمدة رئيسية وهامة، وهي: العُملة المحلية، وأداء الاقتصاد الكلي، وقرارات صانعي السياسات النقدية في البلاد. وهذه الهزة بطبيعة الحال لها علاقة وثيقة بكل تأكيد بالحرب الراهنة في أوكرانيا، لكنها مرتبطة أيضاً بحالة انعدام الثقة بالقرارات الاقتصادية، وخاصة قرار تعويم الجنيه في تشرين ثاني/ نوفمبر 2016 والذي أدى حينها الى انهيار مفاجئ في سعر صرفه. 


لا يوجد سوى تفسير واحد لانهيار سعر صرف الجنيه بعد رفع سعر الفائدة عليه، وهو أن لدى الأسواق قناعة بأن صانع السياسة النقدية في البلاد لم يعد يملك من الأدوات ما يستطيع بها أن يُعالج الأزمة الاقتصادية، ولا أن يوفر العملة الصعبة اللازمة، ولا أن يكبح جماح التضخم، ولذلك كله تهافت المستثمرون، المحليون والأجانب، على التخلص من العُملة المحلية ولجؤوا الى الملاذ الآمن، وهو الدولار الأمريكي. 


ما حدث للجنيه إذن هو أحد تجليات أزمة اقتصادية أكبر وأعمق، إذ أنَّ مصر تواجه تكاليف إضافية بالمليارات كونها أكبر مستورد للقمح في العالم، وكون القمح ارتفع خلال الحرب الأوكرانية فقط بنسبة تزيد عن 60%، وأزمة القمح التي ستؤدي أو أدت بالفعل الى ارتفاع أسعار الخبز ليست وحدها، إذ ثمة أزمة أخرى مماثلة تتعلق بالنفط الذي يُباع اليوم بأسعار لم يشهد لها مثيلاً منذ 15 عاماً، وإضافة الى هذا وذاك فان القطاع السياحي المصري الذي يعتبر المصدر الأساس لإيرادات العملة الصعبة على موعد هو الآخر مع أزمة بسبب أن أكثر من نصف السياح الذين يزورون مصر سنوياً يأتون من روسيا وأوكرانيا. 


الأزمات الثلاثة: القمح والنفط والسياحة لها علاقة مباشرة بالدولار الأمريكي والعملة الصعبة، إذ إن ارتفاع تكاليف القمح والنفط يعني بالضرورة زيادة الحاجة للدولار، وبالتالي مزيداً من العجز في الميزان التجاري. أما أزمة القطاع السياحي فتنذر بتراجع في إيرادات العملة الصعبة للبلاد وهو ما يُسبب مزيداً من الضعف للعُملة المحلية.


الكارثة ليست هنا فقط، وإنما في أحدث تقرير صدر عن معهد استكهولم للسلام والذي تبين فيه أن مصر هي ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث أن مشترياتها تشكل 5.7% من سوق الأسلحة في العالم، وأن واردات مصر من الأسلحة ارتفعت خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة 73%، مقارنة بما كانت عليه في السنوات الأربع التي سبقتها، وهو ما يعني أن المليارات من العُملة الصعبة يتم استخدامها في شراء الأسلحة بدلاً من شراء القمح والنفط وتوفير الدعم اللازمة للعُملة المحلية!


والخلاصة هنا هي أن الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر بالغة الخطورة، والهبوط الأخير في سعر صرف الجنيه ليس سوى أحد إفرازات هذه الأزمة، أما الخروج منها فيحتاج لخطة إنقاذ شاملة وعاجلة، وما لم يحدث ذلك فالجنيه يواجه مزيداً من الهبوط، والأسعار نحو مزيد من الارتفاع، وهذا سيعني بالضرورة اتساع رقعة الفقر والجوع والمرض والبطالة.