مقالات مختارة

المُرتزقة وخصخصة الحروب

1300x600

لعلّ جيوش المرتزقة، إحدى أهم الظواهر التي ترافقت مع العملية العسكرية في أوكرانيا، فبعد أيامٍ قليلة من هذه العملية، أعلن وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا أن نحو 1000 (متطوع) أجنبي وصلوا إلى البلاد للانضمام للحرب ضدّ روسيا، كما عرضت منصة (نيكستا) البيلاروسية مقطعاً مصوراً يظهر وصول ما قالت إنها المجموعة الأولى من متطوعين بريطانيين إلى أوكرانيا للمشاركة في القتال ضد القوات الروسية، استجابة لإعلان الرئيس زيلينسكي أن بلاده ستنشئ فيلقاً دولياً للمتطوعين من الخارج، في وقتٍ نشرت إحدى شركات المقاولات العسكرية (سايلنت بروفيشنالز) المتخصصة بالصناعة العسكرية والأمنية إعلاناً دولياً يقول: (مطلوب للعمل فوراً جنود سابقون يجيدون أكثر من لغة على استعداد للتوجه سراً إلى أوكرانيا مقابل عائدٍ يصل إلى 2000 دولار يومياً).


ويظهر من هذا السياق، أن إطلاق صفة متطوعين على المرتزقة، ما هو إلا أحد أشكال الزيف والخداع التي ترافقت مع التغطية الإعلامية الغربية للعملية العسكرية في أوكرانيا، وربما ذلك ما دفع الرئيس الروسي للموافقة على قبول طلبات التطوع من قبل أجانب للقتال إلى جانب القوات الروسية شريطة أن يكون ذلك بمحض إرادتهم وليس من أجل المال، للفصل الواضح بين المتطوعين والمرتزقة.


ومع أنّ القانون الدولي من جهته يمنع تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم وذلك في إطار اتفاقية تم التوقيع عليها في إطار بروتوكول 1977 الملحق باتفاقيات جنيف، إلا أن الحديث عن المرتزقة في سياق العملية الجارية الآن في أوكرانيا يشير إلى عدم اكتراثٍ لافتٍ بالقانون الدولي، ورغم أنّ القوات الروسية نجحت في تحييد 180 مرتزقاً أجنبياً، بعد قصف مركز تجمعهم وتدريبهم ومخازن أسلحتهم في منطقة لفيف، إلا أنّ الحديث عن المزيد من الطلب العالي على المرتزقة للعمل إلى جانب القوات الأوكرانية ما زال مستمراً، وشهدت سوق المقاولات العسكرية، وما تسمى الشركات الأمنية وهو المسمى الحركي لشركات تجنيد المرتزقة إقبالاً واسعاً، وفي هذا السياق فإن سوق المقاولات العسكرية الأميركية تعد الأكثر مهنية وتنظيماً بعد تجاربها في أفغانستان والعراق، تحت اسم المتعاقدين العسكريين، وهم مرتزقة لا ولاء إلّا للمال، لا ولاء لحكومة أو جهة أو عقيدة، بل لمن يدفع أكثر، فبعد احتكار النفط والسلاح، فإن الولايات المتحدة تشكل احتكاراً لا مثيل له في العالم في مجال المقاولات العسكرية، حيث تستفيد هذه الشركات من المصاعب الاقتصادية في الدول الضعيفة من أجل جمع المرتزقة منها، إضافة إلى المغامرين المرتزقة الأمير كان.


رغم كل ذلك، هل بوسع المرتزقة حسم الحرب خاصة في حرب الشوارع، الإجابة هنا تحتاج للتخصص، مع ذلك يمكن القول إن من يحسم هذه الحرب أي حرب الشوارع القوات الخاصة بالجيوش وليس من قبل المرتزقة الذين لهم دورٌ مساعد، فالمرتزقة بالكاد يكونون على معرفة بالشوارع والأماكن، كما أنهم وحسب التجارب أقلّ التزاماً بالأوامر العسكرية والأكثر فوضوية، كما لا ينظر إليهم باحترامٍ من قبل الشركاء في المعارك، بخلاف ما هو الأمر عليه عندما نتحدث عن متطوعين بإمكانهم أن يشكلوا عاملاً معنوياً إيجابياً.


لكن هناك فوائد لتجميع الجيوش والحكومات من تشغيل المرتزقة في حروبها، فالحكومات التي تستخدم المرتزقة غير مسؤولة عن أعمالهم وجرائمهم ومجازرهم، لذلك، توكل لهم القيام بالجرائم التي تنطوي على مساس بالقوانين الدولية، كما أنّ هذه الحكومات تتبرأ من جرائم المرتزقة في الوقت المناسب، خاصة في حال وجود إداناتٍ من قبل الرأي العام المحلي والدولي، ذلك أنّ خصخصة الحروب من خلال شركات المقاولات العسكرية من شأنها نظرياً أن تتحمل الحكومات المسؤولية عما ترتكبه هذه الشركات الخاصة من أعمال الإجرام خاصةً ضد المدنيين، وبينما لا يخضع المرتزقة لأي قانون فإن القانون الدولي يعاملهم كمجرمين وليس كجنود، لا في حال مقتلهم ولا في حال أسرهم.

 

(الأيام الفلسطينية)