كتاب عربي 21

حزب جديد أم نسخة من حركات الإسلام السياسي؟

1300x600
يتوجه المنشقون عن حركة النهضة نحو تأسيس حزب جديد، إذ شرع المؤسسون في إجراء مشاورات حول طبيعة هذا الحزب، والتعريف بالفكرة لدى المهتمين بها. فهل ينجح هؤلاء في مسعاهم، وهل سيشكل ذلك إضافة نوعية للساحة السياسية التونسية المأزومة؟ وهل سيكون الحزب الجديد مختلفا حقا عن الحزب الأم، أم سيكون نسخة شبيهة به مع بعض التعديلات غير الجوهرية؟

الانقسام ظاهرة معروفة في تاريخ الأحزاب والتنظيمات الأيديولوجية، وتكاد تكون حالة طبيعية وأحيانا حتمية. ليس هذا أول امتحان تتعرض له الحركة الإسلامية التونسية، كان "الإسلاميون التقدميون" الذين يطلق عليهم اليسار الإسلامي، أول مجموعة تغادر "الجماعة الإسلامية" التي ستطلق على نفسها "حركة الاتجاه الإسلامي". حصل ذلك في مطلع الثمانينيات، وتميز هذا الخروج بمحاولته الجريئة للقطع مع الأصول الفكرية والحركية للإسلام السياسي، والسعي نحو تأسيس فكري بديل، إلى جانب التشكل في تنظيم مستقل.
هل ينجح هؤلاء في مسعاهم، وهل سيشكل ذلك إضافة نوعية للساحة السياسية التونسية المأزومة؟ وهل سيكون الحزب الجديد مختلفا حقا عن الحزب الأم، أم سيكون نسخة شبيهة به مع بعض التعديلات غير الجوهرية؟

بعد ذلك حصلت خلافات داخل حركة النهضة، ترتب عنها انقسامات جديدة، لكن ذلك لم يغير موازين القوى، حيث بقيت هذه الحركة التنظيم الحزبي المهيمن في تونس. كما نجحت في إضعاف المنشقين عنها أو تهميشهم، وأحيانا تمكنت من إعادة استقطاب بعضهم من جديد، حيث وجدوا أنفسهم في آخر المطاف يعودون إلى نفس التنظيم الذي غادروه بعد معاناة وصدام.

تأتي أهمية التذكير بهذه الوقائع التاريخية للتعرف على الخطوة التي أقدم عليها عدد ممن كانوا قبل فترة وجيزة يتحدثون باسم "النهضة"، ويدافعون عن سياساتها؛ إذ الدرس الأول الذي يجب أن يقفوا عنده، هو البحث عن الأسباب التي أدت إلى فشل المحاولات السابقة المتعلقة بتأسيس أحزاب بديلة.

يعتبر تأسيس الأحزاب من المهام الصعبة التي تحتاج إلى صبر وطول نفس، حتى لا يتم استنفاد جهود جبارة مقابل حصاد زهيد. كما أن المهمة تستوجب بالخصوص التعرف على الأسباب العميقة التي أدت إلى فشل تاريخي لحركة النهضة، رغم الفرصة الذهبية التي توفرت لها بعد نصف قرن من تأسيسها. لقد جمعت من الأعضاء والكوادر والأنصار ما لم يتوفر لبقية الأحزاب التونسية؛ باستثناء الحزب الدستوري الذي نشأ في سنة 1934. اعترف بها العالم عندما شقت طريقها نحو الحكم في بلد قريب جدا من الفضاء الأوروبي، ورغم أن وصول حركة إسلامية إلى السلطة في دولة قادها الحبيب بورقيبة كان سيناريو مستبعدا من قبل الغرب، إلا أن ذلك حصل بفضل توفر عدة شروط ومتغيرات لم تكن منتظرة. فالثورة حصلت في وقت مناسب تغيرت فيه الحسابات الاستراتيجية داخليا وإقليميا ودوليا.

كل المؤشرات تدل على أن الإسلام السياسي سواء في مصر أو تونس أو المغرب، بعد أن ضيع فرصة البقاء في السلطة، دخل في أزمة هيكلية جعلته لا يتوقف فقط عن النمو والتوسع، وإنما بدأ يتراجع ويتخذ سلوكا انحداريا سيؤول به في نهاية المطاف إلى التقلص والاختفاء التدريجي. قد تطول هذه المرحلة، لكن المؤكد أن حركة النهضة تحديدا لم تعد حركة من حركات المستقبل، ويصعب أن تستعيد دورها ومجدها، كما لم تعد قادرة على استقطاب جيل جديد من الشباب تعتمد عليه لتغيير تونس المتعبة.
إذا كان المبرر الأساسي لقيام حزب جديد سيكون فقط الخلاف التنظيمي حول احتكار القيادة من قبل راشد الغنوشي، فإن هذا الحزب لن يذهب بعيدا، وسيكون مآله الدوران من جديد في نفس الحلقة المفرغة

ما يلفت الانتباه، أن تصريحات بعض الشخصيات القيادية في الحزب المنتظر تثير الكثير من اللبس والغموض، وقد تفتح المجال أمام إعادة السير في نفس الطريق الذي سبق أن سلكته حركة النهضة من قبل. فالقول بأن الحزب القادم سيكون حزبا محافظا يعطي أهمية رئيسية للدفاع عن هوية الشعب التونسي، أمر من شأنه أن يطرح عدة أسئلة غير مطمئنة بالنسبة لمستقبل هذه المبادرة. فتونس اليوم غير مهددة في هويتها، وأزمتها الراهنة أزمة بدائل على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب إنقاذ ديمقراطيتها المهددة. وإذ عزم المؤسسون الجدد على التورط مرة أخرى في صراع مغلوط حول الإسلام والعلمانية، فذلك يعني الانغماس أكثر في المربع القديم، بدل السعي نحو مغادرته وبناء أرضية جديدة تكون قادرة على استقطاب فاعلين جدد ينحتون مشروعا بديلا ينهي حالات الاستقطاب الثنائي، ويخرج البلد من الورطة التي وقعت فيها بعد الثورة.

لهذا كان من المتوقع أن يثور جدل بين المؤسسين حول ماهية "الإسلام السياسي"، وهي صفة يرفضها بعضهم، لكنهم قد يقعون في نفس الإشكال إذا لم يغيروا زاوية التحليل، ويفكروا في طرح مختلف للمجتمع والدولة والسياسة، ويتجهوا نحو رؤية وطنية أعمق وأوسع مجالا.

إذا كان المبرر الأساسي لقيام حزب جديد سيكون فقط الخلاف التنظيمي حول احتكار القيادة من قبل راشد الغنوشي، فإن هذا الحزب لن يذهب بعيدا، وسيكون مآله الدوران من جديد في نفس الحلقة المفرغة.