آراء ثقافية

السينما "النظيفة" ومشاهد "الإغراء" جدل يتجدد.. لماذا الآن؟

الأزمة الجديدة فجرتها الممثلة إلهام شاهين
"السينما النظيفة"، أزمة قديمة تتجدد على ألسنة فناني مصر وسوريا، وذلك بعد عدة أشهر من تفجر أزمة الغناء النظيف بين نقابة "المهن الموسيقية" ومطربي المهرجانات في مصر.

تلك الأزمة فجرها حديث للممثلة المصرية المثيرة للجدل دائما بجرأتها وخوضها في قضايا خلافية، الستينية إلهام شاهين، التي قالت الثلاثاء الماضي، إنه لا يوجد ما يسمى بالسينما النظيفة، بل واتهمت من يطلق هذا الوصف على السينما بـ"الجهل".

وعبر حلقة من برنامج "كلمة أخيرة" للمذيعة لميس الحديدي بفضائية "ON" استنكرت رفض أي ممثلة أداء المشاهد الساخنة (القبلات والأحضان)، كما انتقدت الممثلات المعتزلات، وخاصة حلا شيحة بعد اعتزالها للمرة الثانية إثر زواجها من المنتج معز مسعود.

وطالبت شاهين من ترفض من الممثلات تلك الأدوار الابتعاد عن الوسط الفني وباحترام تاريخ ممثلات شهيرات مثل شادية وهند رستم وسعاد حسني، ملمحة إلى تاريخ الإغراء في السينما المصرية بالقرن الـ20.

وأضافت: "مفيش حاجة اسمها سينما نظيفة.. ده جهل.. واللي بيقول كده يروح يدرس ويفهم، واللي مش عايز ده ميشتغلش".

وعن الفنانات المعتزلات والمرتديات للحجاب وخاصة حلا شيحة، قالت شاهين، التي طالما انتقدت هذه الظاهرة: "اللي عايز يعتزل يختفي وميشتغلش ومتعملش علّامة".

وشارك إلهام شاهين الحضور بالبرنامج وتبنى نفس الرأي الكاتب مدحت العدل، الذي اتهم المجتمع المصري بأنه "أصبح أكثر سطحية"، وقال: "لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية".

وزعم العدل، أنه جرى "غسيل مخ" للعقل المصري خلال 40 عاما، ولم يعد هناك قبول للاختلاف في الرأي، وأن المجتمع تعرض لعملية تسطيح لكل المعاني المهمة.

حديث إلهام شاهين أثار كثيرا من الجدل وعرضها لانتقادات متابعين وفنانين، معلنين رفضهم لسينما الإغراء وتأييدهم لصناعة السينما النظيفة.


"تصريحات منة عرفة"

حديث إلهام شاهين، يأتي بعد إعلان الممثلة الشابة منة عرفة الاثنين الماضي، عن رفضها المشاهد الساخنة، وتأكيدها أن لها خطوطا حُمرا وحدودا في الفن، قائلة عبر برنامج "الفارس" للمذيع نزار الفارس: "أنا لا بتحضن ولا بتباس ولا بتشال ولا بعمل الحاجات دي".
 
تصريح منة عرفة، كما أنه استفز إلهام شاهين، فقد دفع ممثلين آخرين لانتقادها، وبينهم خالد سرحان، الذي سخر من رفض الممثلة الشابة لأدوار الإغراء أو لمس ممثل آخر لها، عبر "فيسبوك".
 

 

تلك الحالة دفعت أحد علماء الأوقاف الشيخ خالد الجمل، لانتقاد من يدعون إلى سينما الإغراء، موجها تساؤله لخالد سرحان: "يا فنان.. هل رسالة الفن عندك لا تصل سوى بالتقبيل؟".


"جدل سابق"

وكان الفنان يوسف الشريف، قد أثار الجدل حول السينما النظيفة، مؤكدا في تموز/ يونيو 2020، رفضه القبلات والمشاهد الساخنة، حرصا على المشاهد.


حينها، وجهت الممثلة إلهام شاهين، للشريف الكثير من الانتقادات، واتهمه الكاتب مدحت العدل، بمغازلة ما دعاه بـ"تيار التطرف"، والإساءة لزملائه.


الهجوم على يوسف الشريف حينها دفع أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر آمنة نصير لانتقاد مدحت العدل، في نيسان/ أبريل 2021، قائلة: "من يهاجم الشريف بسبب هذه القضية لا يعرف معنى الأخلاق أو معنى العمل الدرامي الجاد الذي يساعد على بناء المجتمع وليس تفككه أو هدمه".

وكان الممثل عادل إمام، قد فجر نفس الجدل عام 2010، حينما أعلن رفضه عمل ابنته بالفن ورفض تقبيلها في الأعمال السينمائية، وهو ما أعلنه أيضا الممثل ماجد المصري، في أيار/ مايو 2019.

وأكد المطرب تامر حسني رفضه عمل ابنتيه في مجال الفن، موضحا في كانون الثاني/ يناير 2014، أن مجال الفن فيه شر كبير.

 

"قُبلات سورية"

جدل المشاهد الساخنة والسينما النظيفة، لم يظهر فقط في هوليوود الشرق، ولكنه ظل طويلا مثار جدل في الشارع العربي بشكل عام والسوري واللبناني بشكل خاص.

ومطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فجر مشهد ساخن للفيلم السوري "الإفطار الأخير" بين السوريين كندة حنا وعبد المنعم عمايري، حالة من الغضب العربي.

وفي آب/ أغسطس 2020، أثار المسلسل السوري "شارع شيكاغو" جدلا بسبب قبلة بين السوريين سلاف فواخرجي ومهيار خضور.

وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أعلنت الإمارات رفعها الرقابة على الأفلام المعروضة بدور السينما، مع إدراج (+21 عاما) ضمن التصنيف العمري للأفلام لتنبيه المشاهدين الراغبين بمشاهدة أفلام بنسختها الأصلية.

وتشهد السعودية انفتاحا غير مسبوق في صناعة السينما وافتتاح دورها، بجانب تدشينها مهرجان البحر الأحمر السينمائي الأول 6 كانون الأول/ ديسمبر 2021، الذي شهد أول ظهور للفساتين المكشوفة والعارية والفاضحة على السجادة الحمراء بالأراضي السعودية.

ومع ظهور منصات العرض عبر الإنترنت مثل "نتفلكس" و"شاهد" وغيرهما، عادت بشكل لافت مشاهد الإغراء التي تساهم بشكل كبير في الترويج لتلك الأعمال.

"بنت النظام"

وفي تعليقه على قضية السينما النظيفة وسينما الإغراء، قال الفنان هشام عبدالله، أحد أنصار الدور الاجتماعي والأخلاقي للفن: "ودت العاهرة لو أن كل النساء عاهرات"، معلنا رفضه الدور السلبي الذي تصنعه المشاهد الجريئة في المجتمع، وترويج الأنظمة لمثل هذا النوع من الفن.

وفي حديثه لـ"عربي21"، طالب عبدالله، إلهام شاهين، بالشعور "بشيء من الخجل لكبر سنها"، مؤكدا أن "ملكة إغراء السينما النظيفة هند رستم، كانت لها حياة خاصة هادئة وتزوجت من طبيب وعاشت زوجة وأمّا وسيدة منزل، ولما كبرت هي وفنانات جيلها احترموا أنفسهم وسنهم".

وفي تعليقه على التساؤل: هل العرب بحاجة إلى سينما نظيفة أم إغراء، أكد أن "الفن يوجه المجتمع ويحافظ على قيمه وأخلاقه، والفنان فرد من المجتمع عليه تلك الأدوار؛ ولكن الفن الآن ليس فنا، لأنه لا يعبر عن المجتمع وسماته وقيمه الاجتماعية والأخلاقية والدينية".

وتساءل: "هل يقوم الفن الآن بهذه الأدوار؟ أم إنه منشغل بالأغراض السياسية لأنظمة تُطبِع مع من يريد هدم المجتمعات العربية والإسلامية، وتسعى لهدم مجتمع وإفساد أخلاق شعب إذا انهدمت أخلاقه وقيمه وثوابته هُدمت الدولة".

وعن ارتباط صناعة السينما النظيفة وسينما الإغراء بشركات الإنتاج والتوزيع ومنصات العرض الإلكترونية، أكد الفنان المصري المعارض وجود ارتباط ما، ولكنه لفت إلى "دور دول وحكومات تمول الفن لإلهاء الشعوب بأعمال، التفاهة أقل وصف لها".

ويعتقد أن الهدف من هذا واضح وهو "القضاء على الثوابت التي تحمي المجتمع، ليحافظوا على عروشهم حتى لو كان باستخدام الفن لمحاربة الدين وتشويهه، وهذا تفعله أموال الإمارات والسعودية بالسيطرة على الفن المصري والسوري وثقافة البلدين".

وقال هشام عبدالله، إن "الفن كما تعلمته من الفنان الكبير وأبي الروحي فريد شوقي ومبدعي جيله، رسالته نبيلة تعبر عن المجتمع وتحافظ على قيمه وثوابته وتشارك في تربية البيت أساس المجتمع، فالفن مرآة للمجتمع، إذا كان المجتمع محترما يكون فنه محترما، والعكس صحيح".

في نهاية حديثه أكد أن "إلهام شاهين بحديثها هذا لا تعبر عن المجتمع المصري، وليست ابنة لكل بيت مصري، بل هي بنت النظام السياسي وجارية للمال وليست فنانة"، لافتا إلى أن "فنانين كثيرين يعملون لإرضاء الممول، وينفذون سياسته ويهاجمون حتى القيم لكي يعملوا".

"أبيض وأسود"

وعلى الجانب الآخر ترى الناقدة الفنية الأردنية إيمان نبيل، أن "السينما ليس بها نظيف وغير نظيف، والفيلم عبارة عن قصة يجسدها ممثلون يعبرون عن فكرة ورؤية المؤلف والمخرج".

وتساءلت في حديثها لـ"عربي21": "هل قبلات وأحضان أفلام الأبيض والأسود سينما قذرة؟ بالطبع لا، لأن مشاهد الإغراء والقبلات لا تصنف هكذا لأنها في سياق الدراما إلا لو كانت مقحمة على الأحداث وبدون معنى يخدم القصة".

وحول أسباب إثارة الجدل الآن عن السينما النظيفة وسينما الإغراء رغم أنها قضية قديمة، تعتقد أن السبب هو إعلان "ممثلات وممثلين رفض القبلة والرقصة ولبس المايوه، رغم أن كل تلك المشاهد قديمة قدم السينما العربية".

وعما يثيره أنصار السينما النظيفة بضرورة أن يحترم الفن الذي يعبر عن المجتمع قيمه وتقاليده، تساءلت نبيل: "وهل نحن مجتمعات منزهة؟ هل نحن آلات لا تشعر؟ هل الأفلام القديمة قليلة الأدب؟ لو كانت المشاهد فجة ومقحمة هذا شي آخر".

وحول مدى ارتباط الأعمال النظيفة وغير النظيفة بشركات الإنتاج والتوزيع ومنصات العرض الإلكترونية أو بما يطلبه الجمهور ويقبل عليه، أكدت الناقدة الفنية، أن "المجال في عصرنا مفتوح وكل الأنواع مطلوبة لأن منصات العرض كثيرة، لكن ما يبقى في الذاكرة هو العمل الذي أساسه الإبداع".

وفي ردها على التساؤل: "هل هناك كتالوج محدد للإبداع مفروض على الفنانين تنفيذه وإلا يتركون الفن كما تطلب إلهام شاهين؟"، قالت إن "الإبداع يكون في تقديم عمل مختلف يشغل رأس المشاهد ويجعله يفكر، عمل يخرج بأداء متمكن من ممثل يحرك عقل المشاهد".