قضايا وآراء

أسباب التطبيع العربي مع النظام السوري

1300x600

شهد العامان الأخيران تسارعا في عمليات التطبيع العربي مع النظام السوري، وانتقالها من السرية إلى العلنية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الأسباب الحقيقية والمنافع التي ستحققها هذه الدول من عملية الانفتاح على نظام ما يزال إلى الآن خارج دائرة الاعتراف الدولي، ومال يزال فاقدا للقدرة على الفعل في الساحة الإقليمية.

تختلف أسباب الانفتاح على النظام السوري اختلافا كبيرا بين الدول العربية المطبعة، بحيث لا توجد قواسم مشتركة في هذه الأسباب: بالنسبة للبنان، فإن العلاقة المتداخلة بين البلدين جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، حتمت على لبنان إبقاء العلاقات بين الجانبين، حتى في ذروة المعارك العسكرية بين عامي 2013 ـ 2018، وإن تراجعت هذه العلاقة على المستوى الرسمي.

تشكل العلاقة الاسترايجية بين "حزب الله" والنظام السوري من جهة، وتردي الأوضاع الاقتصادية في لبنان من جهة أخرى، عاملين رئيسين في عودة التواصل بين "الدولتين" على الصعيد الرسمي.

يتشابه الموقف العراقي مع الموقف اللبناني، حيث تطغى إيران على صناعة القرار في بغداد، وتبدو المصالح الاستراتيجية مترابطة، خصوصا في ما يتعلق بتقوية حضور الميليشيات التابعة لإيران على الحدود بين الدولتين، كل لأسبابه من جهة، ورغبة العاصمتين في إضعاف الحضور الاسترايجي الكردي من جهة ثانية، ولذلك، ظلت العلاقة بين الجانبية قائمة على مستويات عدة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.

بالنسبة للأردن، فإن العاملين الأمني والاقتصادي، هما السببان الرئيسيان وراء انفتاح الأردن على النظام السوري، مع التأكيد أن الأردن بخلاف لبنان لا تربطه علاقات استراتيجية مع النظام السوري تاريخيا، ولا تفضل عمان بقاء هذا النظام، لكن الواقعية السياسية فرضت على الأردن إعادة النظر في المسألة، ولم يكن تصريح الملك عبدلله لمحطة CNN الأميركية بأن الأسد باق، إلا تجسيدا لهذه الواقعية التي تحكم الدول في نهاية المطاف.

بعد التفاهمات التي حصلت بين عمان ودمشق حول الترتيبات الأمنية في الجنوب السوري، بدأ الأردن التوجه نحو الانفتاح الاقتصادي للتخفيف من وطأة التراجع الاقتصادي، ويعتبر مجال الطاقة فرصة مهمة للأردن للحصول على عوائد مالية، إضافة إلى التجارة البينية مع سوريا عبر الحدود البرية.

بالنسبة لمصر، فقد بدأ الانفتاح غير الرسمي نحو النظام السوري بعيد سيطرة عبدالفتاح السياسي على الحكم عام 2013، وكان هناك اعتباران أساسيان يحكمان استراتيجيته: محاربة الإخوان المسلمين في مصر وعموم المنطقة، وإنهاء حالة الربيع العربي بالعودة إلى التحالفات مع الأنظمة الاستبدادية التقليدية.

ضغطت مصر بشدة خلال السنوات السابقة لعودة النظام إلى الجامعة العربية بهدف تشكيل أكبر قدر ممكن من الإجماع العربي ضد قطر ودول أخرى، لكن مع تحسن العلاقات المصرية ـ القطرية والمصرية ـ التركية مؤخرا، تراجعت همة القاهرة في هذا المسعى، وإن ما زالت تؤيد عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

 

تختلف أسباب الانفتاح على النظام السوري اختلافا كبيرا بين الدول العربية المطبعة، بحيث لا توجد قواسم مشتركة في هذه الأسباب: بالنسبة للبنان، فإن العلاقة المتداخلة بين البلدين جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، حتمت على لبنان إبقاء العلاقات بين الجانبين، حتى في ذروة المعارك العسكرية بين عامي 2013 ـ 2018، وإن تراجعت هذه العلاقة على المستوى الرسمي.

 



تختلف مقاربة الجزائر عن مصر وتقترب منها في نفس الوقت، فلا يتعلق الأمر بالنسبة للجزائر بصراع المحاور، وإنما في تشابه بنية النظامين السوري والجزائري الاستبدادية وعلاقتهما التاريخية، حيث يعتقد صناع القرار في الجزائر ـ المحكومون بذاكرة العشرية السوداء ـ أن الثورة التي جرت في سوريا هي سبب دمار البلاد، وأن الشعوب العربية غير مهيأة للديمقراطية والحرية.

ولذلك، حافظت الجزائر على علاقات دبلوماسية مع النظام السوري منذ انطلاق الثورة، وعارضت أي خطة لتسليح المعارضة السورية، وهي اليوم تعمل بقوة لحضور النظام السوري القمة العربية المقررة في آذار (مارس) المقبل بالجزائر.

شاركت السعودية خلال السنوات الخمس الماضية المقاربة المصرية والجزائرية، بعدما كانت تقف موقفا معاديا جدا من النظام السوري، متقاربة من هذه الناحية مع قطر، غير أن تطورات الأحداث في المنطقة، دفعت الرياض إلى التراجع في الملف السوري والاقتراب تدريجيا من موقف أصدقائها دون أن تظهر ذلك بشكل رسمي، بسبب ما يمكن تسميه "الخجل السياسي" بعد سنوات العداء الحادة.

في أواخر آذار (مارس) الماضي، ترأّس وزير السياحة السوري رامي مارتيني وفدا سوريا إلى الرياض لحضور اجتماع لجنة الشرق الأوسط في منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، وهي أول زيارة سورية إلى المملكة العربية السعودية يقوم بها وزير تابع للنظام منذ عام 2011، وفي بداية أيار الماضي، التقى رئيس الاستخبارات السعودية اللواء خالد الحميدان مع نظيره في دمشق، ومع الأسد أيضا، وجرى لقاء ثان بينهما في القاهرة منتصف تشرين الثاني (نوفمبر ) الماضي.

بالنسبة للإمارات، فالأمر يختلف إلى حد كبير عن مواقف الدول الأخرى، وإن تشاركت معهم في أن العداء للإخوان المسلمين كان سببا في الاقتراب من النظام السوري ومعارضة الثورة.

منذ عام 2013 اتخذت الإمارات موقفا مغايرا عن الإجماع الخليجي، فبدأت سرا بتقديم الدعم للنظام، وشاركت عام 2014 في الحملة الجوية لقوات التحالف الدولي في محاربة "داعش" في سورية والعراق، لتكون أول دولة عربية تشارك في هذه العملية، ثم تطور الأمر عام 2015 إلى حد الترحيب بالتدخل العسكري الروسي، ثم الإعلان عن تأييد الرؤية السياسية الروسية للحل في سوريا.

وفي عام 2018، كانت أول دولة عربية تفتح سفارة في دمشق، قبل أن تتوج الأمور بزيارة ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إلى دمشق ولقاءه الأسد في نوفمبر الماضي.

لا يمكن فهم الموقف الإماراتي بالعداء للإخوان المسلمين فقط، فالإخوان لا يشكلون تهديدا في سوريا، ولا يمكن فهم الموقف الإماراتي في إطار الواقعية السياسية كما هو حال الأردن الجار.

ثمة ثلاثة أبعاد مهمة في الموقف الإماراتي: 

الأول، الرغبة في إنهاء الربيع العربي بشكل تام، ليس كرها في الديمقراطية وتبعاتها فحسب، بل الأهم لأن نجاح الربيع العربي سيؤدي إلى هيمنة التيارات الإسلامية في الحكم على الأقل خلال السنوات الأولى من الانتقال الديمقراطي، وبالتالي ستنشأ دولا ديمقراطية جديدة متحالفة فيما بينها، لتشكل محور معاديا للمحور السعودي ـ الإماراتي ـ المصري.

الثاني، الرغبة في أن تكون الإمارات الوسيط العربي الوحيد المشارك في حل الأزمة السورية، بما يمنحها دورا إقليميا بارزا، يضاف إلى الأدوار الأخرى التي تقوم بها في الساحة اليمنية والليبية والسودانية والإثيوبية.

الثالث، طبيعة العلاقات الإماراتية ـ الإسرائيلية، والتي جعلت من أبوظبي تسارع خطواتها تجاه دمشق، حيث تسعى الإمارات إلى تقريب العلاقة بين إسرائيل والنظام السوري، بما ينعكس على طبيعة الحل في سورية، وبما ينعكس أيضا على أي اتفاق سلام بين الجانبين.

*كاتب وإعلامي سوري