ملفات وتقارير

ما دلالات عقد اتفاقيات أردنية فلسطينية بـ"تسهيل" إسرائيلي؟

توجَّس مراقبون من توقيت هذه الاتفاقيات، وعلاقتها بـ"الاتفاقات التطبيعية" التي عقدها الأردن مؤخرا- رئاسة الوزراء الأردنية

أثار توقيع تسع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الأردن والسلطة الفلسطينية، الخميس الماضي، أغلبها ذو طابع اقتصادي، تساؤلات حول الأهداف الكامنة وراء إبرامها، خصوصاً أنها جاءت بعد نحو شهر من توقيع عمّان وتل أبيب اتفاقية لزيادة الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية المحتلة.

وتوجَّس مراقبون من توقيت هذه الاتفاقيات، وعلاقتها بـ"الاتفاقات التطبيعية" التي عقدتها الأردن في الأشهر القليلة الماضية مع الاحتلال، والتي كان آخرها ما سُمي "إعلان النوايا" الذي وقعته الحكومة الأردنية والاحتلال في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، بتمويل إماراتي ورعاية أمريكية، ويقضي بتزويد تل أبيب عمّان بالمياه، مقابل أن تزوِّدها الأخيرة بالكهرباء.

انتصار للدبلوماسية الأردنية
ورأى وزير الصناعة والتجارة الأردني الأسبق، جواد العناني، أن تمكُّن الأردن من رفع مستوى التبادل التجاري بينه وبين الفلسطينيين "يمثل انتصاراً للدبلوماسية الأردنية"، لافتا إلى أن عمّان كانت تضغط على تل أبيب منذ توقيع اتفاقية وادي عربة في العام 1994، لتسمح بتصدير البضائع للضفة الغربية، "وها هو مطلبها قد تحقق".

وقال إن موقف الأردن منذ عام 1967 كان مختلفاً عن مواقف بقية الدول العربية، حيث كان متمسكاً على الدوام بأهمية فتح المجال لتصدير البضائع الفلسطينية للسوق العربية، متوقعاً أن يتم ذلك بالفعل من خلال إيجاد منطقة حرة لوجستية في الأردن بالقرب من الحدود مع فلسطين.

ونفى العناني أن يكون للاتفاقيات التسعة بين فلسطين والأردن علاقة باتفاقات التطبيع بين الأخيرة و"إسرائيل"، مدللاً على ذلك بأن "قيمة الصادرات الأردنية إلى السوق الفلسطينية أصبحت نحو 500 مليون دولار سنوياً، بما يشمل 425 سلعة أردنية، وهو مبلغ جيد، لكنه ليس كبيراً، فإمكانية التبادل بين الطرفين قد تصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار في السنة".

وأكد أن ما جرى "أعاد الأمور إلى نصابها، وعدّل بروتوكول باريس الموقع في 1994، الذي وضعت إسرائيل بموجبه قيوداً كثيرة على دخول السلع للضفة الغربية المحتلة"، مبيناً أنه "بعد توقيع الاتفاقية بين الأردن وإسرائيل؛ فقد أصبح بإمكان الفلسطينيين استيراد أصناف جديدة، وكميات أكبر من البضائع الأردنية".

ورداً على القول بأن هذه الاتفاقيات تأتي في سياق الضغوط الأمريكية لفرض ما يسمى "الحل الاقتصادي" للقضية الفلسطينية، والذي يتضمن في أجندته إيجاد حالة من الرخاء للفلسطينيين؛ قال الوزير الأردني الأسبق إن "الوضع الاقتصادي في الضفة ليس سيئاً إلى تلك الدرجة، بل هو أحسن كثيراً من دول عربية، فعن أي ضغوط نتحدث؟".

 

اقرأ أيضا: هل يحسن "إعلان النوايا" العلاقات الأردنية الإماراتية؟


بداية لمشروع "الحل الاقتصادي"
وفي المقابل، يرى الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت، أن "هذه الاتفاقيات إعلام ببداية مشروع الحل الاقتصادي للقضية الفلسطينية، الذي تبناه سابقاً الديمقراطيون في الولايات المتحدة الأمريكية، ويرون أن الوقت لتطبيقه أصبح مواتياً".

وقال الكتوت لـ"عربي21" إن "ما يجري حالياً هو في حقيقته هجوم اقتصادي أمريكي إسرائيلي، تشترك في تنفيذه مصر والأردن ودول عربية أخرى، هدفه أن ينعم الفلسطينيون في الضفة وغزة بالرخاء الاقتصادي؛ كي ينشغلوا بالحل الاقتصادي على حساب الحل السياسي".

ورأى أن الإسرائيليين لم يسهلوا هذه المهمة من أجل أن تنافس المنتجات الأردنية منتجاتهم، لكنهم يقدمون على هذه الخطوة من أجل إشغال الشباب بقضايا مالية واقتصادية واجتماعية، حتى لا يذهبوا باتجاه المقاومة؛ لأنهم يعلمون أن الظروف الصعبة والبائسة تدفعهم إلى الذهاب لهذا الخيار.

واستدرك: "لا أقول إن شعبنا سيستسلم لهذه المشاريع، لكنني أقول إن هناك أوساطاً منه ستستجيب للحل الاقتصادي وإغراءاته، وأوساطاً أخرى ستواصل النضال؛ لأنهم يدركون أن القضية المركزية هي حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتقرير مصيره".

وبيّن الكتوت أن كلاً من الأردن والسلطة الفلسطينية سيستفيد اقتصادياً من هذا التوسع التجاري بينهما، مضيفاً أنه "وإنْ كان ظاهره اقتصادياً؛ إلا أنه يمثل صورة من صور الدعم السياسي لسلطة رام الله".

خارطة الطريق "الإبراهيمية"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي منذر الحوارات، إن الاتفاقيات الأخيرة بين "إسرائيل" والأردن من جهة، والأخيرة والفلسطينيين من جهة أخرى، "ليست بريئة" من تهمة التطبيع مع الاحتلال، "لكنها تأتي في سياق مشروع أكبر؛ يحاول الترويج للحلول الاقتصادية في المنطقة".

وأضاف لـ"عربي21" أن إسرائيل تعتقد أنها الطرف الأقوى في المعادلة، بما تملك من إمكانات تقنية وعسكرية واقتصادية، "وبالتالي هي تعرض على الأردن والسلطة الفلسطينية وبقية الدول العربية الاستفادة من هذه الإمكانات مقابل السلام، وليس مقابل الأرض كما هو مقرر في المبادرة العربية".

وتابع الحوارات: "يبدو أن الخيار العربي بدأ يتغير مع الاتفاقات الإبراهيمية التي بدأت تتبنى فكرة أخرى، وهي أن التطبيع يتم في إطار الاقتصاد، وليس في إطار السياسة والحقوق".

وبيّن أن الأردن رفض في البداية إقامة علاقات عادية مع "إسرائيل"، بينما لا تلتزم هي بتحقيق المطالب العربية والفلسطينية، ووقف موقفاً متشدداً وثابتاً تجاه "صفقة القرن" التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، "ودفع ثمناً مقابل ذلك، ولكن يبدو أن الموقف الأردني قد تغير".

ودلل الحوارات على تغير الموقف الرسمي للأردن بسماح "إسرائيل" له بزيادة حجم التبادل بينه وبين الضفة الغربية، ثم توقيعه اتفاقية "الماء مقابل الكهرباء" مع دولة الاحتلال والإمارات، لافتاً إلى أن هاتين الأخيرتين طرفان فيما يسمى "السلام الإبراهيمي"، الذي يهدف إلى "تحقيق التنمية والرفاه مقابل السلام".

ورأى أن انسياق الأردن في التعاون الاقتصادي مع دولة الاحتلال، يلغي الانطباع السائد بأنه غاضب من سعي "إسرائيل" لتهويد الأراضي المقدسة، وضم أراضي الضفة الغربية، مضيفا: "لو كان الأردن غاضباً بالفعل؛ لترجم غضبه بعدم إقامة صفقات اقتصادية وعلاقات سياسية وأمنية مع المحتل".

 

اقرأ أيضا: هل دخل الأردن والاحتلال الإسرائيلي مرحلة "السلام الدافئ"؟

وأوضح الحوارات أن الاتفاقات التسعة التي وقعت بين الأردن والسلطة الفلسطينية ستمنحهما فائدة محدودة، بينما ستكون إسرائيل الكاسب الأكبر منها، لأنها ستحسّن صورتها أمام العالم بأنها لا تحاصر الفلسطينيين، وتسمح لهم بالتبادل التجاري، وسيصبح الطرفان الأردني والفلسطيني أسيرين لرغباتها، وستفتح المجال لاختراق السوق العربية إسرائيلياً في المستقبل.

وأضاف أن ثمة تقارير إسرائيلية تؤكد أن من مصلحة الكيان الإسرائيلي العمل على تحسين الوضع الاقتصادي في الأردن كي يبقى مستقراً أمنياً، وكذلك الحال بالنسبة للسلطة الفلسطينية؛ "فإسرائيل تريد أن تحافظ عليها من الانهيار، في ظل تصاعد السخط الشعبي في الضفة تجاهها".

ولفت إلى إن "أي تعاون تجاري بين الأردن والفلسطينيين هو في مصلحة الشعبين والبلدين، لكن بشرط أن نضمن أن المنتجات المصدرة إلى الأردن فلسطينية بالكامل، وليست إعادة تدوير لما هو إسرائيلي، وعلى ألا يكون هذا التبادل مشروطاً باتفاقات سياسية مع دولة الاحتلال، أو بضغوط منها".

وحول وجود ضغوط أمريكية على الأردن والفلسطينيين لتبني "الحل الاقتصادي"؛ قال الحوارات إن "دور واشنطن أساسي بكل تأكيد، فهي تؤيد خارطة الطريق الإبراهيمية، وتدعمها بقوة، وبالتالي تدفع كلاً من عمّان والسلطة الفلسطينية إلى الانخراط فيها، والتعامل مع إسرائيل بمزيد من الانفتاح".

وأوضح أن للإمارات دوراً فاعلاً أيضاً في تعميق حالة الوئام العربي الإسرائيلي، "فهي تدعو لإقامة شراكات اقتصادية إقليمية كبيرة مع إسرائيل، بل إنها تربط علاقاتها بالدول بمدى موافقتها أو انخراطها في هذا المشروع".

وشملت الاتفاقيات التسعة بين الأردن والسلطة الفلسطينية مذكرة تعاون في مجال المناطق الحرة، واتفاقية لتفعيل البرنامج التنفيذي لبروتوكول التعاون بين وزارة الاستثمار الأردنية، وهيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية، والبرنامج التنفيذي للاعتراف المتبادل بالمواصفات بشهادات المطابقة وعلامات الجودة، ومجالات أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري السلعي بين السلطة الفلسطينية والأردن عام 2020، بلغ حوالي 200 مليون دولار سنويا، منها 150 مليون دولار واردات فلسطينية من المملكة، و50 مليونا صادرات، وفق وزارة الصناعة والتجارة الأردنية.