ملفات وتقارير

تصاعد الرفض لـ"انقلاب سعيّد" بتونس.. هل يتراجع أم يستمر؟

يعود هذا الرفض إلى غياب رؤية سياسية واضحة وسقف زمني لإجراءات سعيّد "الاستثنائية"- الأناضول

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على الدستور والبرلمان والحكومة، بات يواجه ضغوطا كبيرة ورفضا واسعا حتى من أقرب من كان يدعمه، وتحديدا "حركة الشعب" و"التيار الديمقراطي" و"اتحاد الشغل".


ويعود هذا الرفض إلى غياب رؤية سياسية واضحة وسقف زمني لإجراءات سعيّد "الاستثنائية"، التي باتت تهدد تونس، وسط تعالي التحذيرات من انفجار اجتماعي وشيك، وحتى حرب أهلية تعصف بالبلاد.


ومع كل يوم تتعالى الأصوات الرافضة للرئيس والمطالبة بإيقاف حالة الاستثناء التي تسببت في شلل مؤسسات الدولة، وتعميق في الأزمة الاقتصادية، وامتناع الجهات الخارجية المانحة عن دعم النظام وإخراج البلاد من أزمتها.


في المقابل، يواصل سعيّد مساره دون الالتفات لمن حوله، حتى أنه وفي كل مرة يهاجم خصومه ويتوعدهم بالمحاسبة والتطهير، معتمدا في ذلك على الدعم الشعبي الذي يقول عنه سعيد "الشعب يريد".


ضغط مستمر


تعد حركة الشعب الحزب الأبرز الذي ساند الرئيس قيس سعيد، غير أنها وفي الفترة الأخيرة أظهرت وبصفة علنية انتقادها للرئيس، وعبرت عن مخاوفها من انفلات الأمور ودخول البلاد في عجز بسبب عدم إيضاح سعيد للرؤية وتفرده بالقرار ورفضه التحاور.


بدوره، قال عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات في تصريح خاص لــ"عربي21": "في البداية هناك دائرة أولى رافضة لإجراءات رئيس الجمهورية، وهي محيطة بحركة النهضة ومن ساندوا سنوات ما بعد الثورة (..)".


وتابع: "الدائرة الثانية ساندت إجراءات الرئيس وهي اليوم تطالب بتسقيف مسار الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، من خلال فتح قنوات الحوار والذهاب إلى الإصلاحات الكبرى، لأجل حماية المسار من الارتدادات التي يمكن أن تنسفه".


وعن استجابة الرئيس للضغوطات المتواترة وتراجعه عن الإجراءات الاستثنائية أو تسقيفها، قال عويدات إننا "نطالب بالتسقيف وسنضغط حتى نذهب بمسار الخامس والعشرين إلى تحقيق أهدافه وهي شعارات الثورة".


ويعد أيضا الاتحاد العام التونسي للشغل كبرى المنظمات النقابية من أبرز الداعمين للرئيس، ولكنه أعلن هو الآخر رفضه لتواصل انعدام الرؤية، معتبرا أن الرئيس لا يملك مشروعا وبالتالي فهو لن يساند "الظلام"، وبدأ الاتحاد في عقد اجتماعات مع الأحزاب والشخصيات السياسية لأجل إيجاد مخرج للأزمة السياسية.

 

 

تصلب


وعن إمكانية تراجع الرئيس سعيد بعد تنامي الرفض الحزبي له ولإجراءاته، يقول النائب عن ائتلاف الكرامة (معارض بارز للرئيس) يسري الدالي إن "رئيس الجمهورية تمارس عليه الضغوطات داخليا وخارجيا، ولكنه لم ولن يتراجع أو يقوم حتى بمراجعة، الرئيس له تصلب كبير في المواقف وهو ماض في مشروعه وربما يتراجع في حال جهز نفسه جيدا للانتخابات وقام بإسقاط قوائم "حركة النهضة" و"قلب تونس" وغيرها".


وأكد النائب الدالي أن "قيس سعيد لا يبالي بأي ضغوط مهما كان مصدرها، ولكن عندما يجد البلاد في إفلاس وعجز حينها سيعود له العقل"، وفق تقديره.


من جانبه، أفاد الباحث والأكاديمي وعضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" زهير إسماعيل في حديث خاص لـ"عربي21" بأن الثابت الوحيد في المشهد السياسي هو "عدم قابلية قيس سعيد للتراجع، وهذا يعود إلى ثلاثة أسباب، شخصيته وحجم المغامرة التي أقدم عليها حينما علّق الدستور وجمد البرلمان وحل الحكومة (..)، والردود الدولية وشركاء تونس التقليديون ورفضهم للإجراءات الاستثنائية، وشل مؤسسات الدولة، وهذا موقف حتى من ساند الانقلاب ثمّ تردّد، وهو اليوم يبحث عن صيغة لما بعد الانقلاب من خلال حلفائه من منظمات وأحزاب".

 

اقرأ أيضا: سعيّد يدفع قضاء تونس نحو مواجهة الأحزاب.. ورفض ضمني


وعن أسباب تمسك سعيد بموقفه ومواصلة إجراءاته رغم المعارضة الواسعة، يرى الباحث زهير إسماعيل أن "جزءا مهما من الشارع المساند لقيس سعيّد ينتمي إلى الهامش، وهو جمهور يرتاح إلى الخطاب الشعبوي ويجد فيه تعويضا عن الخطاب الاجتماعي والسياسي الذي استمع إليه طيلة سنوات الانتقال"، على حد قوله.


ويواصل الباحث مفسرا: "هذا الشارع ينتظر 17 ديسمبر وما يمكن أن يتخذ من قرارات تحيي 25 يوليو الذي بدأ يذبل في عيون مناصريه، وحتى في تقدير من ساندوا سعيّد ليخلصهم من خصمهم السياسي خارج صناديق الاقتراع من أحزاب ومنظمات، كانت شريكا في عشرية الانتقال بسلبياتها وإيجابياتها، وتجتهد في التنصل منها وكأنها كانت تراقب المشهد السياسي من بلد مجاور".


وتحدث إسماعيل عن وجود "انقسام على قاعدة الموقف من الانقلاب إلى مناصرين ومناهضين، وداخل المناصرين توجد ثلاثة مكونات تمثل تنسيقيات قيس سعيّد أضعفها بسبب عزلة الانقلاب المحليّة والدولية وهذا عائد مرة أخرى إلى قيس سعيّد وعجزه عن مواجهة تداعيات الانقلاب وما يواجه تونس من مخاطر تهدد الدولة والسلم الأهلي".


نقاط قوة سعيد


وعن الأوراق الرابحة التي بيد الرئيس والتي يستمد منها قوته واستمراره بإجراءاته رغم تصاعد الرفض له، يقول عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أسامة عويدات: "في الحقيقة لا أعلم الأسباب التي تجعله متمترسا في شكل قوة، ولكن يمكنني أن أقول إن لحظة 25 يوليو كانت لأجل مواضيع معينة، نتذكر جيدا أنه قبل يوم من الإجراءات الناس كانت تموت على الطريق بوباء كورونا، ولكن اليوم هناك تقدم على المستوى الصحي واليوم الناس في حالة رضا على الرئيس".


وتابع قائلا: "نتذكر جيدا ارتفاع الأسعار وما قامت به حكومة المشيشي لجمع عائدات للدولة، إذا فإن المضمون الاجتماعي هو النقطة المفصلية التي يمكن أن تجعل الشعب يواصل مع الرئيس أو أن يغضب عليه من ذلك تفعيل قانون التشغيل، عمال الحضائر، الأساتذة النواب، غلاء المعيشة".

 

اقرأ أيضا: سعيّد: التشريعات الصادرة عن البرلمان "لا شرعية ولا مشروعة"


بينما يعتبر النائب عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي أن النقاط الرابحة التي تجعل من الرئيس محل قوة هي "للأسف أن هناك جزءا من الشعب ما زال يصدق الشعبوية، أيضا الغباء السياسي والخوف لبعض السياسيين وهي ورقة رابحة، وهناك جزء من الشعب بسيط ويصدق ما يقوله الرئيس"، على حد وصفه.


وعن استفاقة الشعب المساند للرئيس، يجيب الدالي: "عندما تتأخر الرواتب في الأشهر القادمة وخاصة في الوظيفة العمومية سيستفيق الشعب، وعندما يتراجع سعر الدينار وترتفع البطالة وقتها الشعب المساند سيخرج ويقول لا وحتما سيعود إلى رشده".