قضايا وآراء

هل ننقذ بلادنا أم ننتظر القادم؟

1300x600

على مهل!! 

لمن يتذكّر ولمن يريد أن يعرف كانت الفترة التي سبقت إنقلاب 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987 سخنة جدا من الناحية السياسية والنضالية، إذ شهدت السلطة الحاكمة وضعا مهترئا وحالة من اللاإستقرار، كما شهدت الساحة الاجتماعية والنضالية حركية مشهودة ومتواصلة من الاحتجابات والمظاهرات صحبتها حملات من الاعتقالات والتجنيد الإجباري للطلبة، كما اهترأت صورة السلطة بفعل تصرفات بورقيبة فهو في كل أسبوع تقريبا يقوم بتعيين وزراء ثم يغيرهم خلال يومين أو ثلاثة.      

كان كل شيء يوحي بأن أمرا ما يُدبّر أو قل أمرًا ما يجب أن يحدث وأن الوضع لا يمكن أن يستمرّ ويتواصل كثيرا على هذه الحال. 

في الأثناء كان بن علي وزير الداخلية ثم الوزير الأول (ومن وراءه) ينتظرون تعفّن الأوضاع أكثر وتهيئها حتى يصير التخلص من بورقيبة مطلبا معقولا بل مطلوبا ومرغوبا فيه شعبيا وخارجيا.

ثم كان الذي كان وأمضى التونسيون ثلاثا وعشرون عاما وهم يرزحون تحت حكم فردي دكتاتوري غاشم ارتدى "البرودكان" حذاء و"الزي الأزرق" لباسا.

في برلمان 2019 كانت الأجواء سخنة جدا أيضا، حيث تولت رئيسة الحزب الدستوري وآخرون مهمة تعفين وترذيل المجلس النيابي وإفساد صورته لدى الشعب التونسي حتى غدت صورته رديفا للفشل والعجز والتندّر. 

في الأثناء كان من بإمكانه حماية المجلس أمنيًا وإيقافها عند حدّها ومنعها مما كانت تقوم به من منع للجلسات وصياح وتشويش على النقاشات والمداخلات يتفرّج وكأنه ينتظر لحظة سقوط البرلمان من أعين التونسيين وهذا الذي كان. 

كان كل شيء يوحي بأن أمرا ما يُرتّب بل قل إن أمرًا ما كان يجب أن يحدث، وأن الوضع لا يمكن أن يتواصل كثيرا على هذه الحال، فكانت إجراءات 25 تموز (يوليو) الماضي، وتعلمون كل ما جرى بعدها من تجميد وغلق للبرلمان وتسريح للحكومة.. ثم جاءت إجراءات 22 أيلول (سبتمبر) الجاري لِتَبِينَ الصورة كاملة على حقيقتها دون رتوش، إنقلابا موصوفا تجميدا للبرلمان إيقافا للدستور وتجميعا لكل السلطات بشكل فج مفضوح عند فرد واحد أحد. 

السيّد قيس سعيّد شخصية قادمة من المجهول والظلام والفراغ.. فلا تاريخ له ولا شيء ممكن أن يذكّر الناس به على طول حياته ولا شيء يميّزه عن غيره (غير طريقة كلامه الروبوتية المميّزة).. فهو بلا تجربة سياسية ولا تاريخ نضالي ولا كتب ولا دراسات منشورة ولا عمل مدني أو نقابي أو إجتماعي، لا شيء. 

كما لا أحد قال ولا رأينا ـ على الأقل لحد الآن ـ بأن له قدرة خارقة أو حتى عادية لاقتراح أو ابتكار حلول نوعية أو حتى عادية لإخراج تونس من أزماتها (بكل أنواعها) بل بالعكس تماما فإن كل ما قام به زاد الأوضاع تعفّنا وتراجع بالبلد القهقرى. 

 

السيّد قيس سعيّد شخصية قادمة من المجهول والظلام والفراغ.. فلا تاريخ له ولا شيء ممكن أن يذكّر الناس به على طول حياته ولا شيء يميّزه عن غيره (غير طريقة كلامه الروبوتية المميّزة).. فهو بلا تجربة سياسية ولا تاريخ نضالي ولا كتب ولا دراسات منشورة ولا عمل مدني أو نقابي أو إجتماعي، لا شيء.

 



لا يبدو أن للرجل مشروعا لقيادة دولة وإنما لزعامة فئة غير متجانسة ولا واضحة ولا محدّدة بخطاب شعبوي لا يصمد عند أول امتحان فقد تبين بالتجربة أنه فاقد للمؤهلات التي يجب أن تتوفّر في رئيس دولة وهي الحفاظ على وحدتها والسهر على مصالحها وعلى حسن سير مؤسساتها. 

فهو:

ـ من قسّم التونسيين إلى قسمين نحن (جماعته ومن سانده) وهم (كل الآخرين) وذلك بخطاباته المبهمة واتهاماته التي يطلقها على عواهنه نحو الجميع دون تحديد، خطاباته المليئة عُنفا وبغضا وحقدا وغموضا. 

ـ من أدخل الجيش (المؤسسة صاحبة المكانة الأرفع والثقة الأكبر بين التونسيين) إلى الحياة المدنية وشيئا فشيئًا إلى الحياة السياسية. 

ـ من أعطى الفرصة والإمكانية لمن هبّ ودبّ من القوى الدولية والإقليمية وحتى لمن لا وزن لهم للتدخل في الشأن الوطني وتقديم "النصائح " في إنتظار الإملاءات والاشتراطات. 

ـ وأخيرا هو من وضع تونس دون نظيراتها من الدول بلا برلمان ولا حكومة ( وهذا لم يحدث أبدًا في تونس ) ولا دستور وذلك منذ  1861 ( أي منذ  160 عاما ). 

لقد وضع/وا  تونس في طريق المجهول ولا أحد يمكنه أن يتخيّل العواقب   

من هنا وكما حصل في 1987 و (2019 - 2021) فإن الأوضاع قد تهيأت لوضع ما وكأن التاريخ يعيد نفسه فكل شيء يوحي بأن أمرا ما يجب أن يحدث وأن الوضع لا يمكن أن يتواصل كثيرا على هذه الحال. 

فهل يكون قيس سعيّد قد هيأ كل الضروف الموضوعية من توتير للأجواء وترذيل للمؤسسات وتعطيلها وحقن للأجواء بما لا يتحمله سير أي دولة وأنه قد قام بالدور الذي رَسمه (أو رُسم له) وانتهت مرحلته وحان وقت ذهابه ليأتي من سيكون بديلا له؟

الخشية أن يكون أحدهم (فردا أو جهة) ينتظر على مهل تعفن الأوضاع أكثر ليخرج لنا مرتديا لباس المنقذ كما فعل بن علي وهو ينتظر تعفنها في آخر أيام بورقيبة وأنتظر سعيّد وعلى مهل اكتمال دور عبير وأمثالها في ترذيل المجلس وذهاب هيبته وتلطّخ صورته عند الشعب ثم خرج منقذا. 

وهل ننتظر الحاكم القادم - القادم على مهل ـ لنعيش زمنا آخر من الدكتاتورية والقهر وغياب الحريات؟ أم تعي القوى السياسية والمدنية والإجتماعية وكل الوطنيين أفرادا ومجموعات خطورة المرحلة ودقتها فيجتمعوا إلى بعضهم بعضا ويوحّدون كلمتهم ومقاومتهم المدنية قبل فوات الأوان وينتصروا للتضحيات الجسام التي بذلها الشعب التونسي طوال سنوات ويواصلوا رعاية ثورتهم وإصلاح أخطائها وتدارك إخفاقاتهم ولينقذوا تونس من أحد مصيرين أسودين قاتمين (أن يواصل سعيّد مغامرته وعُقده وتعطّشه المرضي للسلطة أو أن يأتي المغامر المجهول)؟

حتى لا نسلّم لسعيّد المضيّ في مشروعه الخاص بتركيز كل السلطات وبرنامجه المجالسي المبهم وحتى لا نصل إلى رؤية القادم على مهل علينا:

ـ خوض معركة الوعي مع أهلنا المخدوعين بالخطاب الشعبوي وبمشروعه الهلامي.

ـ التوعية وفضح الانقلاب بكل السبل الشرعية المتاحة ( الكتابة والتظاهر والاعتصام). 

ـ رص الصف الوطني وتأجيل المعارك الثانوية والايديولوجية والحسابات الضيقة. 

ـ الاستعداد والتحشيد للشارع فذلك ما يضع الجميع ( شخصيات ومؤسسات ) أمام مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية. 

لا نريد أن يستمرّ هذا العبث كما لا نريد أن نراك أيها القادم على مهل.