قضايا وآراء

السيسي والإخوان.. حقائق وأحلام

1300x600
مرة أخرى يعاد تدوير ما تم طرحه سابقا حول كلام السيسي عن الإخوان تلميحا لا تصريحا؛ في احتفالية إعلان "وثيقة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" حين تكلم عن قبوله لهم شرط قبولهم له. وقد تزامن هذا الطرح مع طرح آخر تكلم فيه البعض عن الإخوان ما بعد السيسي، ولا أدري ما هي شواهد ومؤشرات ما يسمى بعد السيسي.

وهل السيسي له بعد؟ أم هي سلسلة متصلة الحلقات نظمها الفاعل الإقليمي والدولي لقطع الطريق على القوى الوطنية الإسلامية والمدنية غير التابعة للغرب؛ لمنع إحياء ربيع الثورات حماية للعروش العربية والمصالح الغربية.

أياً كانت الرسائل المتبادلة بين السيسي والإخوان، فالوقائع وحجم الانتهاكات التي ما زالت سارية المفعول حتى اللحظة تؤكد عدم إمكانية القبول والتواصل مهما كان مضمون الرسائل، لأسباب عدة منها:

أولاً: السيسي نموذج تجريبي على غرار تجريب أسلحة الدمار الشامل المحرمة والمجرمة دوليا، والتي تجريها الأنظمة والأجهزة الغربية في الصراعات العسكرية في مناطق العرب والمسلمين دون غيرهما؛ لأنها مناطق مستباحة تحكمها أدوات وأذرع الغرب، ورثة الاستعمار، وهي في الغالب أنظمة حكم عسكرية أو بخلفيات عسكرية أو بدعم عسكري.

ثانياً: حسم الغرب والشرق موقفه من حركات وجماعات الإسلام السياسي السني دون غيره، خاصة جماعة الإخوان، وخرجت التقارير تحسم الجدل القديم في التعاطي مع الإسلام السياسي الذي ينهج النضال السلمي ضد أنظمة الاستبداد والفساد. وكانت النتيجة هي التحول من نظرة أنه جدار عازل بين الحركات المتشددة المسلحة وأنظمة الحكم؛ إلى اعتباره حزاما حاملا وناقلا للعنف والإرهاب، وأن الجميع في سلة واحدة.. عقيدة أسسها الغرب والشرق بالتعاون مع الأجهزة الأمنية العربية الموجودة في مصر والخليج، والتي غيرت موقفها من الإخوان منذ تسعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع الغزو العراقي للكويت ثم بالتزامن مع ثورات الربيع العربي.

ثالثاً: النموذج التجريبي للسيسي حقق نتائج مبهرة للمشروع الصهيوني الغربي؛ في إزاحة كل مكونات المشهد الوطني، إسلاميا ومدنيا، وفرض بالمال والبندقية وأزاح صندوق الانتخاب، وفرض صندوق الذخيرة بتكلفة بسيطة للغاية على الأنظمة والأجهزة، وإن كانت التكلفة باهظة وفادحة على الدول والشعوب في الحاضر والمستقبل.

رابعاً: النموذج التجريبي للسيسي لم يكلف الخليج إلا عدة مليارات، وهو أهون وأرخص الموجود لديها، ولم يكلف الغرب سوى الصمت والإقرار وأحيانا القلق والاستنكار، لكن النتائج مبهرة للغرب والشرق في إسكات وإخماد وموات كل الأصوات الحرة إلا ما ندر.

خامساً: النموذج التجريبي للسيسي حقق لصهاينة اليهود ما لم يتحقق بالحروب والنزاعات، وحقق لأنظمة الخليج التمكن والثبات، وأتاح الفرصة للمؤسسات العسكرية من أجل السيطرة الميدانية على الشعوب والدول ومؤسساتها السيادية في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام بصفة خاصة.

سادساً: النموذج التجريبي للسيسي قائم وسيبقى خاصة في غياب القوى الحية للمجتمع والدولة، من أشخاص وكيانات ومؤسسات، ولا رهان على الغرب والشرق، بل لا رهان على بقايا المعارضة المشغولة بصراعاتها البينية والداخلية.

سابعاً: النموذج التجريبي للسيسي ومن على شاكلته لن يوقفه ولن يهدمه إلا تيار وطني جديد غير الذي نعيش، تيار يملك أدوات إعادة التوازن لمعادلات الصراع داخليا وإقليميا ودولياً، تيار وطني بخلفية وطنية فقط، وتبقى الأيديولوجيا الفكرية والدينية حقوقا حصرية لأصحابها.

على الطرف الآخر

- الكيانات الأيديولوجية كانت مرحلة أدت وظيفة وحققت نجاحات، لكنها لا تملك مقومات البقاء والاستمرار والتطور نظراً لطبيعتها المغلقة ونمط إدارتها غير العلمي.

- الإخوان بعد السيسي هم الإخوان قبل السيسي، هم الإخوان خلال السيسي. مكون هام من مكونات المشهد يتمدد وفقا للفضاءت المتاحة التي كانت، والتي يحرص المشروع الصهيوأمريكي على ألا تتاح مرة أخرى.

- الرهان على تكرار التاريخ نفسه، أن الجماعة ستعود أقوى مما كانت عليه كما حدث بعد عبد الناصر، رهان لا شواهد له إلا جملة من الأماني والأحلام.

- وتبقى الكرة بعد ذلك في ملعب الجماعة، بعد هذا التاريخ والرصيد، والتجارب والنجاحات والإخفافات. هل تعلم الإخوان من تجاربهم؟ هل هم على استعداد لمراجعة مواقفهم ومشروعهم وأهدافهم لتناسب المناخات العامة والإمكانات الخاصة؛ بعيدا عن الشعارات الفضفاضة والأهداف غير الواقعية؟

- محنة الإخوان الأخيرة كانت وما زالت في أنفسهم قبل أن تكون في خصومهم، وقد كُتبت في ذلك مئات المقالات والأبحاث والدراسات، من الأصدقاء والخصوم سواءً بسواء، فإن أرادوا وهذا شأنهم فليراجعوها، وإن كان الغالب هو استدعاء نمط الدفاع والتبرير والتهوين والتهويل بغطاء ديني فهذا شأنهم أيضا.