قضايا وآراء

سفينة المازوت الإيرانية هل تغرق السفينة اللبنانية؟!

1300x600
مؤسف الحال بكل تفاصيله المملة المقيتة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحتى إنسانيا، حيث سحقنا أنفسنا وجلدنا ذاتنا في لعبة التخزين والاحتكار وأزهقنا أرواحا بريئة لا ذنب لها إلا إهمال المهملين الذين لم يحاسبوا يوما في بلاد الأربعين حرامي المقنعين والمحظيين والمنسيين والمتغطين بأثواب السياسيين. فلو أننا حاسبنا المقصرين والمرتكبين في مشهد "بيروتشيما" (انفجار المرفأ) لما وصلنا إلى انفجار عكار مع المحتكرين الذين لا ينتمون لا إلى طائفة ولا إلى دين؛ في بلاد كثر فيها المهربون والدجالون وقلة الإنسانية عبر كثير من التجار والمحتكرين.

ذلك الحال استفحل مع قرار البنك المركزي المحق بوقف الدعم، وإن لم يأت تدريجيا وهو الأحق، ولكن مفاعيل القرار جاءت لتشعل فتيل المازوت الحارق الذي ربما يحرق الشرق الأوسط أو بالأدق شرق المتوسط برمته، بعد كلام أمين عام حزب الله في يوم العاشر من محرم (عاشوراء)، حيث أعلن السيد بكلام واضح المعالم والتداعيات.

وقال نصر الله: سفينتنا الأولى التي ستنطلق من إيران محملة بالمحروقات أَنجزت كل الترتيبات وحُمّلت بالأطنان المطلوبة.. وستبحر خلال ساعات إلى لبنان. وأوضح بقوله: أعطينا الأولوية في السفينة الأولى لمادة المازوت من أجل المستشفيات ومصانع الأدوية ومصانع المواد الغذائية وأفران الخبز ومولدات الكهرباء. وتابع نصر الله محذرا الإسرائيليين والأمريكيين من أن حزبه سيعتبر السفينة "أرضاً لبنانية"، ما ينذر بردّ منه في حال تعرضها لهجوم بعدما شهدت سفن مرتبطة بإيران وإسرائيل هجمات في الأشهر الماضية. وتاليا، هل سيصبح شرق المتوسط ساحة الحرب المقبلة بعد الرسائل النارية المتبادلة في بحر العرب وخليج عمان؟

ولكن السؤال الأكبر: لماذا لم يستمع الأمريكيون لحلفائهم وفي مقدمتهم الوزير وليد جنبلاط قبل الوصول إلى المحظور الذي عبر عنه الرئيس السابق للوزراء سعد الحريري، في رد ناري عبر تغريدات ذات دلالات حادة على سفينة المازوت الإيرانية؟

وقال الحريري: "هل ما سمعناه هذا الصباح عن وصول السفن الإيرانية هو بشرى سارة للبنانيين، أم إعلان خطير بزج لبنان في وُحول صراعات داخلية وخارجية؟

يعلم حزب الله أن أساس أزمة المحروقات في لبنان تنشأ عن التهريب المتعمد لخدمة النظام السوري، والأجدى في هذه الحالة وقف التهريب، بدل تمنين اللبنانيين بالحصول على المازوت الإيراني. ويعلم الحزب أيضاً أن سفن الدعم الإيرانية ستحمل معها إلى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية، على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى.. إن اعتبار السفن الإيرانية أراضي لبنانية يشكل قمة التفريط بسيادتنا الوطنية، ودعوة مرفوضة للتصرف مع لبنان كما لو أنه محافظة إيرانية. ونحن بما نمثل على المستوى الوطني والسياسي لن نكون تحت أي ظرفٍ غطاء لمشاريع إغراق لبنان في حروب عبثية تعادي العرب والعالم وفي ذلك رسالة حريرية للمملكة السعودية برغبة العودة إلى الحضن العربي بلا شروط".

وأضاف الحريري: "نعم إن إيران تعطل تأليف الحكومة، وإلا كيف تجيز الدولة الإيرانية لنفسها مخالفة القوانين الدولية فتقبل إرسال السفن إلى لبنان دون موافقة الحكومة اللبنانية؟ فهل نحن في دولة تسلم فيها حزب الله كل الحقائب الوزارية، من الصحة إلى الاقتصاد إلى الدفاع إلى المرافئ والأشغال العامة، له ساعة يشاء أن يطلب الدواء من إيران، وأن يستدعي السفن الإيرانية المحملة بالمازوت والبنزين، وأن يهدد بإدخالها بحراً وبراً وجهاراً نهاراً، رغماً عن السلطات العسكرية والأمنية؟!".

ومن هنا رسم الحريري جملة تساؤلات لبنانية وصراعات داخلية قادمة. ولكن ماذا عن الإسرائيلي؟

إسرائيليا، يبدو المشهد واضحا: معادلات جديدة في كل شرق المتوسط عنوانها الضرب بالضرب والمنع بالمنع. ولا ننسى أن الحقول النفطية المقابلة للبنان لا تبعد إلا ما لا يزيد عن خمسة وثلاثين كلم كحقل تمار وخمسة كلم فقط كحقل كاري، وتاليا معادلات الردع بالردع، ولكن ماذا عن الحكومة الإسرائيلية الراغبة في إثبات وجودها، خاصة عبر بوابة إيران وحلفائها في لعبة لا زال الأمريكي يضبط إيقاعها؟ ولكن إلى متى؟

وعليه المشهد اللبناني المعقد حكوميا بعدم ولادة حكومة ميقاتية جديدة ستضاف إليه أسئلة بالجملة عنوانها المازوت الإيراني وتوابعه:

فكيف سيتم الاستيراد؟ ولحساب من؟ كيف ستمر السفينة وطريقها ومسيرها؟ وهل ستسمح لها بعض الدول بالعبور؟ وأين الإسرائيلي من الموضوع وكل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل لن تسمح بعبور السفينة لكيلا تخلق معادلة جديدة مع الحزب، وتاليا وقائع مسلّم بها على الأرض في تعزير قبضة حزب الله ليس في لبنان بل في المنطقة؟ وهل سيصمت الحزب في زمن الضغوط المتوالية؟

أين سترسو؟ وماذا عن القوى الأمنية اللبنانية وكيف ستتعاطى مع المسألة برمتها؟ وكيف ستتأثر علاقات المؤسسات الأمنية مع الدعم الأمريكي لها؟

ماذا عن النظام المالي والمصرفي اللبناني المتهاوي أصلا؟ وهل يحتمل عقوبات أقلها وقف السويفت (نظام التحويل مع البنوك المراسلة)، وتاليا لا علاقة مع النظام المالي العالمي وإدخال لبنان في عزلة دولية تجارية تفاقم الأزمة القائمة؟

ما مدى علاقة كل ما يجري مع قرار مصرف لبنان بوقف الدعم؟

وعليه، بات الأكيد أن الأيام القادمة حبلى بالتطورات والمفاجآت غير السارة على الأرجح، في ظل ظروف الإقليم الحساسة والتي قد تكون مفتاحا للحرب القادمة.

ببساطة ووضوح، الاشتباك الأمريكي الإيراني إلى مزيد من التعقيد، وعليه هل تكون سفينة المازوت الإيرانية بابا لإراحة المواطن اللبناني أم مدخلا لغرق السفينة اللبنانية برمتها، كما قال ناظر الخارجية الفرنسي منذ شهور، وتكون مسارات تأليف الحكومة أول الضحايا؟