مقالات مختارة

عمّان بين رئيسي وزراء في إسرائيل

1300x600

يهاجم رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي سلفه نتنياهو داخل الكنيست، ويقول إن الخلاف مع الأردن لم يكن له داع، وانه بسبب نتنياهو ضاعت الباقورة الأردنية، معتبرا ذلك قلة حنكة.

هذا التراشق الإسرائيلي بين الحكومة الإسرائيلية الحالية، ونتنياهو وحلفائه داخل الكنيست يعبر عن أزمة الإسرائيليين ذاتهم، ومن الطبيعي أن يتم الزج بكل الملفات في هذا الصراع، بما في ذلك ملف العلاقات الأردنية الإسرائيلية وكل التفاصيل التي تخص هذا الملف.

من حيث المبدأ فإن نتنياهو لديه كراهية شخصية ضد الأردن، وتجلت في تواقيت مختلفة منذ تسعينات القرن الماضي، وفي محطات مختلفة، وهو أيضا، وبسبب تعقيدات القضية الفلسطينية وملف القدس، وغير ذلك، وتحالفه مع الرئيس الأميركي السابق، غير المأسوف عليه، كان يزيد من حدة العداء خلال وجوده رئيسا للوزراء، دون أن يعني ذلك قطعا للعلاقات الفنية واللوجستية والأمنية بين الأردن وإسرائيل، فقد بقيت هذه في مسرب منفصل مواز للعلاقات السياسية مع الإسرائيليين، خلال الفترة الماضية، وهو مسرب معزول ومحمي على ما يبدو.

نتنياهو تعرض إلى الأردن في ملفات كثيرة، من بينها إفشال مشاريع كبرى بين الأردن وإسرائيل، ثم محاولته منع الأردن من الحصول على مياه إضافية، وتخريب زيارة الأمير حسين إلى المسجد الأقصى، وملف الشيخ جراح، فيما الأردن من جانبه، لم يكن طرفا صامتا، بل منع عبور طائرة نتنياهو عبر الأجواء الأردنية، مثلما رفع من لهجته ضد نتنياهو بشأن ملف المسجد الأقصى، على المستوى العربي والدولي، بما أعطى دليلا على علاقة سيئة، ويكفي مشهد سماح الأردن لعشرات الآلاف من مواطنيه بالوصول إلى الحدود مع فلسطين.

لكن هذه العلاقة محملة بالتناقضات، إذ إن إسرائيل ذاتها أعادت إلى الأردن ثمانية أشخاص تسللوا خلال المظاهرات التي وصلت إلى الحدود مع فلسطين، وبرغم أن الجانبين الرسميين لم يعلنا إلا عن اثنين تأخرت عودتهما عدة أسابيع، إلا أن عدد المتسللين الإجمالي كان ثمانية أشخاص، عاد منهم ستة فورا، وتأخر الاثنان، حتى رأيناهما في وقت لاحق، وهذا يقول انه برغم الحديث عن علاقة سيئة، إلا أن هناك تنسيقا متواصلا على بعض المستويات.

ما يراد قوله هنا، أن نتنياهو في المجمل كان مهددا للأردن، خصوصا، على خلفية ملف صفقة القرن والضغط الشديد الذي مورس على الأردن، برعاية واشنطن في ظل الرئيس السابق.

كل ما سبق لا يعني أبدا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، افضل للأردن، خصوصا أن هناك من يعتقد في عمان، إنها افضل بكثير، وعلى ما يبدو أن هؤلاء يقارنون فقط بين كلفتين، وأيهما اقل سوءا، وليس في سياق أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستجلب السمن والعسل إلى هذه البلاد، فهذه حكومة احتلال في نهاية المطاف، لديها مشروعها، وليس ادل على ذلك من إشهار رئيس الحكومة الحالي ندمه السياسي على ضياع الباقورة الأردنية، في زمن سلفه، وكأنه يريد أن يحتفظ بها إلى ما لانهاية، برغم وجود اتفاقات توجب التسليم، سواء كانت العلاقة جيدة، ام سلبية، واسترداد الأردن للباقورة لم يكن عقابا لنتنياهو، بل استحقاقا قانونيا.

لا احد يعرف إلى أين سيصل الصراع السياسي في إسرائيل، لكن تقلبات الحكومة الإسرائيلية تهدد الأردن في كل الأحوال، حتى لو حاولت الحكومة الحالية، تخفيف قلق الأردن، عبر بيعه المزيد من المياه، وعبر زيادة الاتصالات السياسية، وتخفيف التوتر، خصوصا أن مصالح الأردن يتم مسها يوميا هذه الأيام، في الحرم القدسي، والمسجد الأقصى والشيخ جراح.

ما تلمسه من تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبعض الرسميين في عمان، أن كليهما يقول إن نتنياهو هو السبب في تخريب العلاقة بين الجانبين، لكن مهلا، علينا أن نتذكر هنا أن المشروع الإسرائيلي بحد ذاته موجه ضد الفلسطينيين والأردنيين، ولا يمكن أن يكون لصالحهما أبدا، حتى لو عبرت فترات ابرق فيه الكل برسائل الغزل العلنية والسرية عبر الجسور، ووسائل الاتصال المشفرة وغير المشفرة أيضا، أيها السادة في كل مكان.

(الغد الأردنية)