قضايا وآراء

الإلحاد في العراق.. مَنْ يقف وراءه؟

1300x600
‌يقصد ‌بالإلحاد إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، وتكذيب الرسل، والتشكيك بالبعث، والجنّة، والنار، والميل عن سبيل الإيمان والرشد.

ويدندن دعاة الإلحاد حول بعض المفاهيم غير الناضجة، ومنها القول بصدفة خلق الكون والإنسان، ويشكّكون بالثوابت الدينيّة الراسخة في مجتمعاتنا، ويدّعون التناقض بين الدين والعقل، ويتجاهلون أنّ الأديان السماويّة تدعو للتدبّر والتفكّر وقراءة النفس والكون، ولا تُحارب العقل والمنطق!

ومن هذه المنطلقات وجد العراقيّون أنفسهم أمام مشكلة متنامية، وتتمثل بتنامي بعض الأفكار الإلحاديّة. والشعب العراقيّ من الشعوب المتديّنة، بغض النظر عن الجانب المذهبيّ.

هذه الآفة لم نجد من يقف بوجهها ويحاول معالجتها بحزم على المستوى الرسميّ، بالرغم من أنّ المادّة 42 من قانون العقوبات العراقيّ تنصّ على حبس كلّ مَنْ يمسّ الذات الإلهيّة.
التراخي الرسميّ يوازيه توانٍ شعبيّ بسبب إدخال الموضوع ضمن حرّيّة التعبير، وربّما يتمّ تغليفه بمفاهيم الديمقراطيّة المشوّهة التي صدّرت للعراق!

التراخي الرسميّ يوازيه توانٍ شعبيّ بسبب إدخال الموضوع ضمن حرّيّة التعبير، وربّما يتمّ تغليفه بمفاهيم الديمقراطيّة المشوّهة التي صدّرت للعراق!

بداية الكارثة كانت بعد رفع العديد من الشخصيّات والأحزاب السياسيّة لشعارات دينيّة، ونظّمت أيديولوجياتها وفقاً لمنهاج الإسلام الحنيف، لكنّ تطبيقهم الفاشل وتجربتهم المريرة بعد العام 2003 أدخلتهم في قائمة العاملين ضدّ الدين والوطن معاً، بل ومن بينهم مَنْ تآمر على العراق صراحة بمؤتمري لندن وصلاح الدين قبل الاحتلال!

ويوم الثلاثاء الماضي كشف السياسيّ (الشيعيّ) عزت الشابندر أنّ "كلّ ما حصل بالعراق مسؤوليّته تقع على الإسلام السياسيّ الشيعيّ"، وأنّ "عوام الشيعة سحقوا وأصبحوا رماداً للإسلام السياسيّ الشيعيّ"!

ويمكننا تحديد بعض أسباب تنامي إشكاليّة الإلحاد في العراق:

- فشل الأحزاب "المُتأسْلمة" (أو ما يسمى "الإسلام السياسيّ") في ترتيب الدولة، رغم سيطرتها على القرارات السياسيّة والأمنيّة ومقدّرات البلاد الكبيرة.

- دخول بعض المحسوبين على التيّارات الإسلاميّة إلى العمل السياسيّ وفشلهم الفظيع في الميدان، واتّهامهم بعمليّات فساد ماليّ وإداريّ، وربّما أخلاقيّ، ممّا تسبّب بزعزعة صور الكثير منهم في نظر غالبيّة طوائف المجتمع!

- تشجيع بعض الشخصيّات السياسيّة والمحسوبة على الأحزاب الإسلاميّة للخطاب الطائفيّ، ومحاولتها تقسيم المواطنين على أسس مذهبيّة لضمان مستقبلها السياسيّ ولو على حساب مستقبل البلاد ومصيرها!
تشجيع بعض الشخصيّات السياسيّة والمحسوبة على الأحزاب الإسلاميّة للخطاب الطائفيّ، ومحاولتها تقسيم المواطنين على أسس مذهبيّة لضمان مستقبلها السياسيّ ولو على حساب مستقبل البلاد ومصيرها!

- ارتكاب جرائم بشعة باسم الدين، وزجّ الدين في عمليّات إرهابيّة مقزّزة أدّت لـ"كراهيّة" الدين، والتنفير منه، وكأنّنا أمام مؤامرة مدروسة.

والحقّ أنّ الدين الإسلاميّ بريء من كلّ القوى الشرّيرة التي تحاول نشر الخراب والقتل والموت والدمار في الأرض، لأنّه دين البناء والحياة والسلام والعطاء!

- نجاح بعض المنظّمات الإلحاديّة، والهجمات الفكريّة والإعلاميّة، الداخلية والخارجيّة، في استغلالها للفشل في إدارة البلاد، حيث وظّفت الأزمات، ومع ضعف الرقابة، لتنفث سمومها بين المواطنين وربط ذلك بالدين!

- دور مواقع التواصل الاجتماعيّ في انتشار النقاشات السقيمة حول قضايا الإلحاد بين غير المثقّفين دينيّاً، وهي من القضايا الخطيرة التي يفترض أن يتصدّى لها العلماء، وليس عوام الناس.

- سعي بعض الأحزاب السياسيّة والشخصيّات الدينيّة والإعلاميّة لتجديد التطرّق لقضايّا خلافيّة مضى عليها أكثر من 1400 سنة، وبالذات تلك المتعلّقة بالخلافة وغيرها، والتي يتمّ تناولها بأساليب طائفيّة وغير علميّة ومنفّرة، وكذلك نقلهم روايات باطلة أثارت الشباب، وهزّت عقولهم الطريّة لأنّها ليست من الدين أصلاً!

- تراجع دور المنابر والمؤسّسات الدينيّة في أداء وظيفتها بسبب الظروف غير الطبيعيّة!

- توهّم بعض الشباب أنّ التمرّد على التقاليد والحديث عن الإلحاد نوع من "الثقافة والتطوّر الفكريّ"!

هذه الأسباب وغيرها شجّعت بعض الشباب على بيان رأيهم غير الناضج، ودفعت بعض وسائل الإعلام للقول بأن نسبة الإلحاد هي أكثر من 32 بالمئة من سكّان العراق، كما زعم الباحث الأمريكيّ "جوان كول" قبل خمس سنوات، فيما ذكرت جريدة وول ستريت جورنال الأمريكيّة قبل أربع سنوات أنّ نسبة الإلحاد هي 38 في المئة!
قد تكون هذه المبالغات مقصودة من بعض القوى الأجنبيّة، أو الإسلاميّة الحاكمة لكسب التعاطف الشعبيّ المعارض للإلحاد وتغذية الشحن الطائفيّ للبقاء في المناصب الرسميّة!

والحقيقة أنّ هذه الإحصائيّات مبالغ فيها، لأنّنا ما زلنا نتحدّث عن شعب مسلم، ومتمسّك بآداب الإسلام وأخلاقه وسلوكياته، دون النظر للجانب السياسيّ غير السليم. وقد تكون هذه المبالغات مقصودة من بعض القوى الأجنبيّة، أو الإسلاميّة الحاكمة لكسب التعاطف الشعبيّ المعارض للإلحاد وتغذية الشحن الطائفيّ للبقاء في المناصب الرسميّة!

ينبغي العمل الجماعيّ الدينيّ والسياسيّ والإعلاميّ والمجتمعيّ والقضائيّ لتحكيم المنطق والرفق بالشباب قبل اتّهامهم؛ لأنّ من واجبنا جميعاً توجيههم واحتضانهم، ومحاولة بيان نقاط الخلل التي دفعتهم لهذه الآراء الشاذّة، وعدم نبذهم ومحاربتهم لأنّهم ثروة الوطن الحقيقيّة!

twitter.com/dr_jasemj67