ملفات وتقارير

توسّع "داعش" بأفريقيا.. تحالفات معقّدة ودول تخسر بالمليارات

قال التنظيم إنه شنّ نحو 40 هجوما في العشرين يوما الماضية بسبع دول أفريقية- مجلة النبأ التابعة للتنظيم

يتوسع تنظيم الدولة بشكل متسارع في أفريقيا، لا سيما في وسط وغرب القارة السمراء، مستفيدا من تحالفات عقدها مع جماعات مسلحة انضمت تحت لوائه.

 

قال التنظيم إنه شنّ نحو 40 هجوما في العشرين يوما الماضية بسبع دول أفريقية، أسفر عن قتل ما يزيد عن 170 عنصرا بينهم 3 فرنسيين.

 

والدول التي أعلن التنظيم شن هجمات فيها مؤخرا هي "نيجيريا، الكاميرون، النيجر، مالي، الصومال، بوركينا فاسو، والكونغو".

 

تحالفات جديدة

يقول خبير أمريكي إن نفوذ تنظيم الدولة في أفريقيا، تعزز بفضل تحالفات جديدة عقدها خلال الشهور الماضية، تختلف بطبيعتها عن سياسات التنظيم في العراق، وسوريا.

 

الخبير الأمريكي جيسون وارنر، الأستاذ المساعد في الأكاديمية العسكرية "ويست بوينت"، ومدير أبحاث أفريقيا بمركز مكافحة الإرهاب (CTC)، لفت إلى أن الهجوم الدامي الذي تبناه التنظيم في مدينة بالما بالموزمبيق نهاية آذار/ مارس الماضي، جعل العديد من المراقبين يتساءلون عن طبيعة العلاقة بين قيادة التنظيم في العراق، وفروعه المنتشرة بأفريقيا.

 

ولفت في مقال نشرته "واشنطن بوست"، أن ستة أقاليم رئيسية في قارة أفريقيا تشهد تواجدا وسيطرة تامة أو جزئية لتنظيم الدولة.

 

ينتشر التنظيم بشكل رئيسي في ليبيا وصحراء الجزائر، وفي سيناء، وفي شمالي شرق نيجيريا، وفي موزمبيق، والكونغو، والصومال.


يقول وارنر إن موزمبيق، والكونغو وحوض بحيرة تشاد، كانت شاهدة على استفادة تنظيم الدولة من المسلحين المتواجدين هناك، وضمهم تحت لوائه لأسباب مختلفة، مثل خلافات هؤلاء الأشخاص مع تنظيم القاعدة، أو شح الموارد المالية التي تصلهم، ما دفعهم لمبايعة "داعش".

بحسب وارنر فإن نفوذ "داعش" الآن في أفريقيا يعود الفضل فيه إلى عقد التنظيم تحالفات على أسس غير أيديولوجية بالمقام الأول، أي أن التهميش الاقتصادي والسياسي، والمنافسة العرقية تكون هي الرابط الأقوى بين التنظيم وهذه المجموعات.

ويشكّك وارنر في كون قيادة التنظيم المركزية، تفرض سلطتها الكاملة على فروع "داعش" في أفريقيا.

 

وأكد أنه لا أحد بإمكانه فهم العلاقات المعقدة التي تربط التنظيم في العراق، بفروعه المنتشرة بقارة أفريقيا، ممن لم تكن تنتهج هذا النهج.


إلا أن ما قد يعزز الصلة الكاملة بين التنظيم وفروعه، هو سرعة استجابة هذه الجماعات لسياسات وتكتيكات "داعش" فور مبايعتها له، ويظهر ذلك من شكل العمليات القتالية، والهجمات، والخطاب الذي يدعو إلى تحكيم الشريعة، وإقامة دولة الخلافة.

 

أبرز الأمثلة

لعل من أبرز الأمثلة على التحالفات المعقدة التي نجح في إبرامها تنظيم الدولة، هو كسب "تحالف القوى الديمقراطية" في أوغندا إلى صفوفه.

 

تأسست هذه المجموعة منتصف التسعينات على أيدي ضباط سابقين بالجيش، موالين للزعيم السابق عيدي أمين، وكانت جل عملياتها داخل أوغندا، إذ أن أهدافها في ذلك الوقت لم تكن تتجاوز حدود البلاد إطلاقا.

 

في العام 2001 انتقلت هذه المجموعة إلى الكونغو، وواصلت عملياتها في أوغندا والكونغو إلى حين وصول زعيمها الحالي موسى سيكا بالوكو في العام 2015، بعد القبض على الزعيم السابق الذي يدعى جميل موكولو.

 

بعد توسع تنظيم الدولة في أفريقيا، أعلن موسى بالوكو مبايعة التنظيم في 2016، إلا أن الأخير لم يعلن عن قبوله البيعة سوى بعد نحو 3 سنوات، أي في العام 2019.

 

في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، عبّر بالوكو عن استيائه من تكرار الإعلام اسم "تحالف قوى الديمقراطية" في كل هجمة يقوم بها التنظيم، وقال في كلمة إن ذلك الاسم لم يعد موجودا، وأن الاسم الحالي هو "ولاية وسط أفريقيا" التابعة لداعش، وتضم بالإضافة إلى الكونغو، وأوغندا، موزمبيق.

 

إلا أن وسائل إعلام ترى في انضمام التحالف إلى "داعش" أمرا طبيعيا، بحكم أن بالوكو عُرف بتشدده، واستسهاله عمليات القتل، والتفجير.

 

بحسب الخبير في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، فإن أصول الجناح الموزمبيقي لولاية وسط أفريقيا لا تعود أيضا إلى أي أيديولوجية جهادية.

 

ويتابع أن جذور الجماعة تعود إلى التمرد المستمر الذي اندلع في شمال موزمبيق في تشرين الأول/ أكتوبر 2017 كحركة انشقاقية سلفية، والتي أدت إلى انطلاق حملة تمرد مستمرة ضد الحكومة بعد عدة سنوات من تصعيد المواجهات، والمطالبة بتطبيق حكم إسلامي.

 

ويضيف أن المسلمين في شمال موزامبيق، تزيد نسبة الفقر لديهم. ويصل عددهم إلى أربعة ملايين نسمة أي ما يوازي 18 في المئة من إجمالي عدد السكان. وبسبب تردي الأحوال الاقتصادية والتهميش خلال الأعوام الماضية، ظهر تنظيم "أهل السنة والجماعة" ونشط كحركة دينية محلية سلفية سلمية عام 2000، لكنه سرعان ما تأثر بالفكر الجهادي منتصف عام 2010، ثم تحول إلى حركة تمرد عنيفة في عام 2017، ليتم تدويل المعركة والعنف في نهاية المطاف ويتركز التنظيم في بلدة موسيمبوا دا برايا الواقعة في كابو ديلغادو.

 

اقرأ أيضا: ولاية تنظيم "الدولة" المنسية وسط أفريقيا


نهاية شيكاو بـ"سامبيسا"

 تحدث تنظيم الدولة لأول مرة بشكل مفصل عن قصة خلافه مع قائده السابق في ولاية "غرب أفريقيا" أبو بكر شيكاو، متزعم جماعة "بوكو حرام".

 

قال التنظيم في أحدث إصدارات مجلته الأسبوعية "النبأ"، الخميس، إن البيعة التي تقدم بها شيكاو لزعيم التنظيم آنذاك أبو بكر البغدادي في آذار/ مارس 2015، جاءت بغير قناعة منه، وبضغوطات من عناصر جماعته.

 

ولفت التنظيم أن شيكاو لم يلتزم بمنهاج "داعش"، وأن نقطة الخلاف بينهما كانت موقفه من ساكني مناطق سيطرة التنظيم، إذ أن شيكاو يرى استباحة دمائهم وأموالهم بشكل مطلق، وهو ما يعتبره التنظيم "غلوا"، ودفعه إلى عزله، لينشق الأخير بمجموعة كبيرة من عناصره السابقين ويعودوا لتشكيل "بوكو حرام" مجددا.

 

 وكشف التنظيم أنه قرر مطلع العام الجاري شن حرب تهدف إلى القضاء على شيكاو ومن معه من المتحصنين في غابات سامبيسا الشهيرة شمالي شرق نيجيريا، وهو ما تم بالفعل منتصف أيار/ مايو الماضي، حينما قُتل بعد محاصرته.

 

بث التنظيم مشاهد تظهر عودة المئات من عناصر "شيكاو" إلى "داعش"، وعلق بأنه "قضى على بدعة الخوارج في نيجيريا".

 

خسائر بالمليارات

 أظهرت دراسة جديدة أعدها معهد "أمريكان إنتربرايز" أن تنامي نفوذ تنظيم الدولة في أفريقيا، كبّد عدة دول خسائر بمليارات الدولارات.

 

في نيسان/ أبريل الماضي، كشفت شركة "توتال" الفرنسية، أن تنظيم "داعش" يهدد مشاريع الغاز التي تشرف عليها في موزمبيق، وهو ما يعني أن نحو 60 مليار دولار مهددة بالفقدان.

 

بحسب الدراسة فإن تكلفة تنامي التنظيمات الجهادية في موزمبيق، تضاعفت من 1.5 مليار في العام 2007، إلى أكثر من 15.5 مليارا في 2016.

 

ولفتت أن تونس على سبيل المثال، خسرت 35 بالمئة من عائدات السياحة، عقب الهجمات الإرهابية في 2015.

 

وتمتد الأضرار الاقتصادية إلى إنتاج الغذاء المحلي، إذ تشمل أنشطة جماعة "بوكو حرام" على سبيل المثال، سرقة الماشية، والتسلل إلى صناعة صيد الأسماك في شمال شرق نيجيريا.

 

السلطات بدورها ساهمت في تكبد خسائر اقتصادية فادحة، إذ قامت كخطوة ردع ضد "بوكو حرام" بتقييد صيد الأسماك، وإغلاق الأسواق، والحد من استخدام الأسمدة لمنع المسلحين من الوصول إلى مواد صنع القنابل، وهو ما جعل قطاع الزراعة يتراجع بنسبة تصل إلى 80 بالمئة.

 

في 2019، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا، قالت فيه إن 18 دولة أفريقية متضررة من الإرهاب عانت من انخفاض بنسبة 43 بالمئة في الاستثمار الأجنبي المباشر من عام 2007 إلى عام 2016.

 

ساهم تنظيم الدولة وجماعات جهادية أخرى في موجات نزوح كبيرة، تحتاج بحسب الأمم المتحدة إلى نحو 312 مليار دولار لحلها.

 

اقرأ أيضا: نفوذ متزايد لداعش والقاعدة بأفريقيا.. كيف تقيّمه واشنطن؟

 

التحالف: خطر حقيقي

عبرت دول التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" عن قلقها الحقيقي إزاء تطور قدرات التنظيم في أفريقيا، وتهديده لسواحلها، وسيطرته على أجزاء من بحيرة تشاد الاستراتيجية.

 

وخلال اجتماع لدول التحالف في روما قبل أيام، قال وزير الخارجية الإيطالي لويغي دي مايو، إن هناك خشية حقيقية من نشاط "داعش" المتزايد في الساحل الأفريقي، وتخوف من عودة التنظيم إلى سابق عهده.

 

وتابع أن مجابهة التنظيم في سوريا والعراق لا تكفي، مضيفا: "علينا النظر إلى مواقع أخرى تتواجد فيها تلك المنظمة الإرهابية بالوكالة".


وتابع: "سعدت بموافقة وتقارب الآراء مع الولايات المتحدة بخصوص الوضع في أفريقيا، وخاصة في الدول المتضررة في الساحل في النيجر ومالي. نحن نعلم أن هذه الدول تحتاج للمساعدة، فالعديد من القرى تتعرض لهجمات من العصابات الإجرامية بما يفوق خيالنا، ولدينا اتفاقيات مع هذه الدول على المستوى الأمني".