صحافة دولية

NYT: اعتماد اسرائيل على أمريكا يتراجع وكذلك نفوذ الأخيرة عليها

الاعتماد التقليدي للاحتلال، من أجل بقائه، على الولايات المتحدة قد ينتهي قبل أن يثمر بالوصول إلى حل للقضية الفلسطينية- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يسلط الضوء على ما قال إنه تراجع للدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي لـ"إسرائيل"، وكذلك تأثير واشنطن على دولة الاحتلال، بحسب زعمها.


واعتبرت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، أن الاعتماد التقليدي للاحتلال، من أجل بقائه، على الولايات المتحدة؛ قد ينتهي.

 

وفي حين أن إسرائيل لا تزال تستفيد بشكل كبير من المساعدة الأمريكية، يقول خبراء أمنيون ومحللون سياسيون إن دولة الاحتلال طورت بهدوء، وربما حققت، استقلالية فعالة عن أمريكا.

وقال فيبين نارانج، أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي درس الاستراتيجية الإسرائيلية: "إننا نشهد المزيد من الاستقلال الإسرائيلي".

ولم يعد الاحتلال بحاجة إلى ضمانات أمنية أمريكية لحمايته من الدول المجاورة، التي "صنع السلام معها". كما أنه لا يرى نفسه في حاجة إلى وساطة أمريكية في الصراع مع الفلسطينيين، "الذي يجد الإسرائيليون إلى حد كبير أنه يمكن تحمله ويدعمون الإبقاء عليه كما هو".

ومن حيث التسلح، "تنتج إسرائيل الآن العديد من أسلحتها الأساسية محليا. لقد أصبحت أكثر اكتفاء ذاتيا من الناحية الدبلوماسية أيضا، حيث اكتسبت حلفاء مستقلين عن واشنطن. حتى من الناحية الثقافية، فإن الإسرائيليين أقل حساسية تجاه الموافقة الأمريكية - ويمارسون ضغوطا أقل على قادتهم للحفاظ على علاقة سمعة جيدة في واشنطن".

وبينما تظل المساعدة الأمريكية للاحتلال مرتفعة من حيث القيمة المطلقة، فإن "الازدهار الاقتصادي لإسرائيل على مدى عقود جعلها أقل اعتمادا. في عام 1981، كانت المساعدات الأمريكية تعادل ما يقرب من 10 بالمئة من الاقتصاد الإسرائيلي، وتراجعت حتى 1 بالمئة في عام 2020، بقيمة 4 مليارات دولار".

وبحسب الصحيفة، فقد أكدت واشنطن تراجع أهميتها في الصراع الأسبوع الماضي، ودعت إلى وقف إطلاق النار فقط بعد أن اقترب اتفاق بوساطة مصرية من الاكتمال، والذي "قال القادة الإسرائيليون إنهم وافقوا عليه لأنهم أكملوا أهدافهم العسكرية في صراع استمر 10 أيام، مع غزة".

ويأتي التغيير في العلاقة "في الوقت الذي يتحدى فيه فصيل من الديمقراطيين والناشطين اليساريين، غاضبا من معاملة إسرائيل للفلسطينيين وقصف غزة، إجماع واشنطن طويل الأمد بشأن إسرائيل".


ومع ذلك، فإن أعدادا كبيرة من الأمريكيين، وإن كانت تتقلص، تعبر عن دعمها للاحتلال، ويقاوم السياسيون الديمقراطيون دعم ناخبيهم المتزايد للفلسطينيين.


ولا يزال لدى أمريكا نفوذ، كما هو الحال مع كل دولة تقدم فيها الأسلحة والدعم الدبلوماسي. وفي الواقع، "أظهر احتضان الرئيس السابق دونالد ترامب للحكومة الإسرائيلية أن إسرائيل لا تزال تستفيد من العلاقة. لكن النفوذ الأمريكي قد يتراجع إلى ما بعد النقطة التي تكون فيها إسرائيل قادرة ومستعدة لأن تفعل ما تشاء، سواء بإجماع من الحزبين أم لا"، بحسب الصحيفة. 


وتوضح: "عندما يفكر الأمريكيون في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه لا يزال الكثيرون يتصورون الفترة المعروفة باسم الانتفاضة الثانية، عندما تحطمت الدبابات الإسرائيلية في البلدات الفلسطينية وانفجرت القنابل الفلسطينية في المقاهي والحافلات الإسرائيلية. لكن ذلك كان قبل 15 عاما. منذ ذلك الحين، أعادت إسرائيل هندسة الصراع بطرق يجدها الناخبون والقادة الإسرائيليون قابلة إلى حد كبير للتحمل".


وتابعت الصحيفة: "العنف ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة نادر وعلى أقل مستوى، وهو أندر في إسرائيل نفسها. وعلى الرغم من اندلاع القتال عدة مرات بين إسرائيل والجماعات المتمركزة في غزة، إلا أن القوات الإسرائيلية نجحت في دفع العبء بأغلبية ساحقة على عاتق سكان غزة. وضحايا الصراع، الذين كانوا ذات يوم بنسبة ثلاثة إلى واحد من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين، أصبحوا الآن أقرب إلى 20 إلى واحد".

في الوقت نفسه، "ترك الاستياء الإسرائيلي من عملية السلام شعورا لدى الكثيرين بأن القتال الدوري هو الخيار الأقل سوءا. فعلى الرغم من أن الاحتلال قوة ساحقة وحاضرة للفلسطينيين، إلا أنه في معظم الأيام وبالنسبة لمعظم اليهود الإسرائيليين، هو أمر يمكن تجاهله".

وقالت يائيل مزراحي-أرنو، الزميلة الباحثة في منتدى التفكير الإقليمي، وهو مؤسسة فكرية إسرائيلية: "لقد أصبح الإسرائيليون مرتاحين بشكل متزايد لهذا النهج.. هذه تكلفة هم على استعداد لقبولها".

وبحسب الصحيفة، فإنه "وضع قائم يمكن لإسرائيل الحفاظ عليه بمساعدة خارجية قليلة. في السنوات الماضية، كانت أهم أدواتها العسكرية هي الطائرات الحربية الأمريكية الصنع وغيرها من المعدات المتطورة، والتي تطلبت موافقة الكونغرس والبيت الأبيض".

 

اقرأ أيضا: بلينكن يصل تل أبيب ومباحثات لتعزيز وقف إطلاق النار بغزة

والآن، يعتمد الاحتلال "على تكنولوجيا الدفاع الصاروخي التي يتم تصنيعها وصيانتها إلى حد كبير في الداخل - وهو إنجاز يلمح إلى إصرار إسرائيل على تحقيق الاكتفاء الذاتي".


وقال نارانج، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "لو كنت أخبرتني قبل خمس سنوات أن الإسرائيليين سيكون لديهم نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات ضد الصواريخ قصيرة المدى والصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وستكون فعالة بنسبة 90%، كنت سأقول لك 'أحب كثيرا ما تدخنه‘".


وعلى الرغم من أن التمويل الأمريكي الضخم في عهد الرئيس باراك أوباما ساعد في دعم النظام، إلا أنه يعمل الآن بسعر معقول نسبيا يبلغ 50 ألف دولار لكل معترض.


وبدأت "إسرائيل" العمل نحو الاستقلال العسكري في التسعينيات، "مع فتور العلاقات مع جورج بوش الأب وما رأته إسرائيل من فشل أمريكا في منع الصواريخ العراقية من ضرب إسرائيل، فقد اقتنع قادتها بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على الدعم الأمريكي إلى الأبد". 


وتعمق هذا الاعتقاد في ظل الرؤساء اللاحقين، وفق الصحيفة؛ "الذين يتعارض ضغطهم من أجل تحقيق السلام مع الفلسطينيين بشكل متزايد مع ما تفضله إسرائيل من حفاظ على السيطرة على الضفة الغربية وحصار غزة بإحكام".


وقال نارانج: "أدت الحسابات السياسية إلى البحث عن قدرات مستقلة لم تعد عرضة للنفوذ والضغط الأمريكي"، مضيفا أن إسرائيل سعت أيضا إلى جمع معلومات استخباراتية مستقلة. "يبدو بالتأكيد أنهم تمكنوا من الوصول إلى هذه النقطة".


وهناك تهديد وجودي آخر لم تعد إسرائيل تعتمد فيه بشدة على الحماية الأمريكية: العزلة الدولية.

ووفق "نيويورك تايمز"، فقد "سعت إسرائيل ذات مرة إلى القبول من الديمقراطيات الغربية، التي طالبت بأن تفي بالمعايير الديمقراطية، لكنها أضفت الشرعية على دولة كان لديها القليل من الأصدقاء بخلاف ذلك".

واليوم، "تواجه إسرائيل مناخا دوليا أكثر دفئا. القوى المعادية للإمبريالية التي تحدت إسرائيل في يوم من الأيام تغيرت. في حين أن المواقف الدولية تجاهها متباينة وتميل إلى السلبية بشكل صارخ في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، فقد أقامت إسرائيل علاقات مع أجزاء من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية".

وحتى الدول العربية المجاورة، مثل الأردن ومصر، التي كانت ذات يوما من بين أكبر أعدائها، تسعى الآن إلى "السلام"، في حين خففت دول أخرى من حدة الأعمال العدائية، وصولا إلى اتفاقات التطبيع التي شهدها العام الماضي.


وقالت داليا شيندلين، المحللة السياسية وخبيرة استطلاعات الرأي الإسرائيلية إنه حتى في الوقت الذي يحذر فيه الدبلوماسيون الأوروبيون من العواقب التي لا تأتي أبدا ويناقش الديمقراطيون مستقبل التحالف، فإن "الإسرائيليين ينظرون إلى مكانتهم الدولية على أنها ممتازة".

وفي الدبلوماسية أيضا، سع الاحتلال الإسرائيلي إلى الاستقلال عن الأمريكيين.

وفي منتصف عام 2010، شن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، حملة شبه مباشرة ضد إعادة انتخاب الرئيس أوباما بسبب سياساته في الشرق الأوسط، ما أدى إلى تدهور العلاقات.

منذ ذلك الحين، أنشأ نتنياهو شبكة من "الديمقراطيات غير الليبرالية التي، بعيدا عن إدانة معاملة إسرائيل للفلسطينيين، فإنها تعتبرها مثيرة للإعجاب: البرازيل والمجر والهند وغيرها".

تسميها شيندلين "سياسة الأصدقاء الآخرين". ونتيجة لذلك، فإنه "لم يعد الإسرائيليون يرون أن القبول الأمريكي أمر حاسم للبقاء".

في الوقت نفسه، أدى تنامي "القومية" إلى إرادة أكبر لتجاهل النقد الدولي.

ولأن القادة الإسرائيليين لم يعودوا يشعرون بالضغط الداخلي للانخراط في عملية السلام، التي تمر عبر واشنطن، فهم لا يحتاجون إلى إقناع الأمريكيين بأنهم يسعون إلى السلام بحسن نية.

وإذا كان هناك أي شيء، فإن القادة يواجهون ضغوطا متناقصة لإرضاء الأمريكيين ومطالب متزايدة لتحديهم بسياسات مثل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وحتى ضمها تماما.

وتقول الصحيفة: "بالكاد تكون إسرائيل أول دولة صغيرة تسعى إلى الاستقلال من قوة عظمى راعية لها. لكن هذه الحالة غير عادية من ناحية أن الأمريكيين هم من بنى الاستقلال العسكري والدبلوماسي لإسرائيل".

والآن، وبعد ما يقرب من 50 عاما من عدم استخدام هذا النفوذ لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه قد يختفي قريبا إلى الأبد، إذا لم يكن كذلك بالفعل، وفق الصحيفة.