ملفات وتقارير

هل تغير جولة مصرية في 6 دول أفريقية من واقع أزمة السد؟

وتعيش مصر على وقع أزمة مياه النيل المتفاقمة مع فشل المفاوضات مع إثيوبيا التي تبني سدا عملاقا على النيل الأزرق- جيتي

جولة أفريقية يقوم بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى 6 دول أفريقية بدأها الأحد، من العاصمة الكينية نيروبي، تليها جزر القمر، وجنوب أفريقيا، والكونغو، والسنغال، وتونس، ولذلك لبحث الأوضاع الحالية التي وصلت إليها أزمة مياه النيل مع إثيوبيا.

مراقبون ثمنوا الخطوة المصرية واعتبروها محاولة لكسب صف الظهير الأفريقي الذي ينحاز بشكل ما إلى الجانب الإثيوبي؛ لكن على الجانب الآخر، رآها البعض تأخرت كثيرا، ولا جدوى منها الآن، وأن الدول الأفريقية لن تستطيع تغيير واقع السد الإثيوبي.

وتعيش مصر على وقع أزمة مياه النيل المتفاقمة مؤخرا مع فشل المفاوضات الجارية طوال 7 سنوات مع إثيوبيا التي تبني سدا عملاقا على النيل الأزرق -أهم موارد نهر النيل من المياه- يهدد مستقبل وحياة نحو 140 مليون مصريا وسودانيا.

"عقدة تاريخية"

وفي رؤيته لفائدة جولة وزير الخارجية المصري في 6 دول أفريقية بأزمة المياه، قال الخبير المصري في الشؤون الأفريقية مصطفى الجمال، إن "الجولة المصرية في أفريقيا متأخرة بالطبع، وكان مفترض أن تتم قبل الآن وخلال فترة رئاسة عبدالفتاح السيسي للاتحاد الأفريقي".

مدير مركز البحوث العربية والأفريقية، أوضح بحديثه لـ"عربي21"، أن "مواقف الدول الأفريقية تتشكل أساسا وفق العقد التاريخية المتواجدة في أفريقيا بحسب ما أرساه الاستعمار، بأن الأفارقة جنوب الصحراء هم الأفارقة، أما شمال الصحراء فهم الأقرب إلى الشرق الأوسط".

ولفت أيضا إلى أن "الأفارقة عاشوا تاريخا طويلا من الاستعباد يظنون بأن للعرب دورا فيه"، مضيفا أنه "وللأسف، فحتى الدول التي حاربت مصر لأجل استقلالها مثل جنوب أفريقيا من النظام العنصري؛ فهي تتخذ موقفا من قضية المياه ضد مصر، في إطار التنافس السياسي بالقارة".

 

اقرأ أيضا: بدون السودان.. مصر نحو أولى خطوات تدويل قضية مياه النيل

وواصل الأكاديمي المصري: "أما دول حوض النيل في معظمها فهي ضعيفة، ولم تستطع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والحياتية أمام التنمر الإثيوبي؛ مثل كينا التي منعت عنها إثيوبيا المياه هي ودول أخرى ولا تستطيع فعل شيء معها".

وختم حديثه بالإشارة إلى أن بعض دول حوض النيل "لها مصالح قد تكون معادية لمصر عبر مشروعات تنويها على حوض النيل ولكنها تتحسب لمصر".

"استعداد للتدويل"

الخبير في الشؤون الأفريقية خيري عمر، قال في حديثه لـ"عربي21": "في بعض الأزمات المماثلة تحاول الدول تكوين حاضنة لمواقفها؛ وفي هذا الإطار يمكن فهم الزيارة المصرية الآن لبعض الدول الأفريقية، خاصة أن كينيا لها نفس المشكلة مع إثيوبيا".

وفي استعراضه لخريطة الدول الأخرى المستهدفة بالزيارة أكد أن "مصر تحاول توصيل رأيها لبعض الدول التي لم تكن على اتصال بها؛ خصوصا أن منطقة كالمغرب العربي لم يعد متوافقا معها سوى تونس، بعد تدخل القاهرة بوساطة في أزمة الصحراء، وميل مصر لموقف المغرب وبالتالي فترت علاقتها بالجزائر".

أستاذ العلوم السياسية بمعهد الشرق الأوسط، بجامعة سكاريا، يعتقد أن "هذه الزيارات تحاول تكوين خطوة للأمام حتى إذا تم تدويل النزاع أفريقيا أو دوليا"، لافتا إلى أن "العيب السابق في التواصل المصري مع أفريقيا أنه انحصر في الدولة رئيس الاتحاد الأفريقي والدول المتنازعة".

وألمح إلى أنه "كان يمكن أن تطرح مصر المشكلة على الجمعيات الأفريقية الكبرى وأمام مجلس الأمن والسلم الأفريقي، وهو ما لم يحدث؛ وإذا حدث وتم توسيعه وعرضت الأزمة على مجلس السلم والأمن، والجمعية العامة للاتحاد الأفريقي؛ فأعتقد أن هذه التحركات مفيدة".

الأكاديمي المصري، أكد أيضا أنه "رغم تأخر تلك الجولة فلن نكرر مبررات التأخير وعثرات السياسة الخارجية؛ ولكنها قد تفيد"، مشددا على أنه "يجب تحديد النقطة التي لا يمكن لمصر التنازل عنها، والتي إن لم تحدد خلال سنة فإن الموقف المصري سيكون مفككا بالمرحلة التالية".

وأشار إلى أن مصر انشغلت بتحالفات قبرص واليونان وإسرائيل بشرق المتوسط، وكذلك السعودية والإمارات، طويلا، وتركت الظهير الأفريقي، معتبرا أنه "عيب وفجوة منذ عهد حسني مبارك، انشغال مصر بشبكة تحالفات مؤقتة كان يجب أن تنتهي مبكرا عام 2015 أو 2016، وتعود السياسة الخارجية لعلاقاتها الأصلية".

وتابع: "لكن طوال هذه الفترة التي ظلت ماثلة حتى أيار/ مايو 2019، فقد شهدت تباطؤا واستهلاكا لجهد كبير من اهتمام الخارجية، مع عدم وجود خط استراتيجي بملف المياه بدعم الحل العسكري أو بالحل السلمي".

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن كثيرا من "الأحداث غطت على كيفية تسهيل مجالات التحرك نحو الظهير الأفريقي"، ملمحا إلى "عدم التخطيط الاستراتيجي كأحد العوامل المؤثرة في النتائج الحالية لأزمة المياه؛ وأن محاولة استعادتها سريعا ضرورة ملحة".

وأكد أن لمصر "باعا كبيرا بمساعدة الدول الأفريقية للتحرر؛ لكن بعض الدول تنظر لمصر كونها من الشمال الأفريقي ويعتبرون أننا غير أفارقة في خلفية ثقافية استعمارية ميزت بين أفريقيا شمالا وجنوب الصحراء".

وقال إن "مصر لم تحاول الاستفادة من دورها السابق في دعم التحرر الأفريقي، وكانت اتفاقية السلام مع إسرائيل النقطة الأولى التي تكسرت عليها السياسة المصرية في أفريقيا، باعتبار مطالبة القاهرة لدول القارة بمقاطعة إسرائيل ثم فاجأت الجميع باتفاقية السلام".

 

اقرأ أيضا: مصر تحذر من بدء الملء الثاني لسد النهضة.. "وضع يزداد سوءا"

وأشار إلى النقطة الثانية حينما "حاول الرئيس أنور السادات، ترميم هذه الفجوة عبر المؤتمر العربي الأفريقي الأول عام 1980، إلا أنه لم ينعقد بعهد حسني مبارك، وظلت مصر في سياسة هامشية مع القارة، وأفسحت المجال لأوروبا وأمريكا والخليج وبالطبع إسرائيل، ما يقرب من 35 عاما".

وختم حديثه بالقول: "ولذا نحن أمام معضلات كبيرة؛ لا بد من التصدي لها بحسم؛ ومنذ منتصف 2019، بدأت هذه السياسة تتغير وحتى تؤتي ثمارها لا بد من بعض الوقت".

"حصار النفوذ الإثيوبي"

مدير منتدى "شرق المتوسط للدراسات"، محمد حامد، قال إنها "زيارة مهمة للغاية في ظل التعنت الإثيوبي المستمر، وخاصة بعد فشل مفاوضات كينشاسا الأخيرة، وهنا تريد مصر إطلاع الجانب الأفريقي على كافة الأمور الخاصة بالمفاوضات، وتحاول أن تعيد حساباتها الأفريقية وتحاصر النفوذ الإثيوبي".

الباحث السياسي، أكد لـ"عربي21"، أن سبب "اختيار مصر لزيارة تونس وكينيا، مثلا؛ كون تونس الدولة العربية العضو غير الدائم بمجلس الأمن ورئيس المجموعة العربية، وكون كينيا العضو الأفريقي غير الدائم بمجلس الأمن؛ وكل منهما قادر على تقديم مشروع قرار للمجلس لإدانة الدور الإثيوبي".

وبرر زيارة شكرى، إلى جنوب أفريقيا والسنغال، بأن "الدولتين عرفا بتماهيهما مع السياسيات الإثيوبية، وخاصة أن قرار إثيوبيا الأحادي بالملء الأول لحوض السد تم خلال رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الأفريقي عام 2020".

ولفت إلى أن مصر "وجدت حينها دورا متخاذلا من جنوب أفريقيا؛ بينما كانت تأمل أن تضغط على أديس أبابا لتوقيع اتفاق ووقف الملء الأول؛ ولهذا تأتي الزيارة لتوضيح الموقف المصري وإبراء الذمة من التعنت الإثيوبي".

وحول زيارة شكري لجزر القمر، أوضح حامد، أنها "دولة عربية دعمت حقوق مصر بالجامعة العربية، ودولة أفريقية مهمة؛ والزيارة بشكل عام حاسمة لإطلاع الدول على ما مرت به مصر من مصاعب".

ويعتقد أن الزيارة "تؤكد العودة المصرية الأبدية للحاضنة الأفريقية، في ظل التقارب المصري مع أوغندا وبوروندي وتعزيز التعاون العسكري معهما، ناهيك عن التقارب مع السودان وجنوب السودان، والاتصالات على أعلى مستوى مع جيبوتي".

وألمح الباحث السياسي، إلى "رغبة مصرية في تعزيز العلاقات الأفريقية، ومحاصرة النفوذ الإثيوبي؛ خاصة أن أديس أبابا لم يعد لها في الإقليم سوى أريتريا التي صالحتها بعد خلاف منذ العام 1992، وخاصمت الجميع، ولديها خلاف مع السودان وجنوب السودان وكينيا وأوغندا".