قضايا وآراء

بداية النهاية

1300x600
في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 كانت شرارة انطلاق الثورة اللبنانية ضد الطبقة الحاكمة التي أفسدت وأفقرت لبنان طيلة ثلاثين عاما، وعندها تظاهر ملايين اللبنانيين ونزلوا إلى الشوارع للمطالبة باستقالة رأس الهرم وحاشيته، ولكن تدخل الأحزاب الحاكمة وأمراء الطوائف وعلى رأسهم حزب الله؛ وقمعهم وتهذيبهم لجماهيرهم أضعف الثورة.

فبعد أن كان ملايين اللبنانيين يطالبون بالإصلاحات واستقالة رئيس الجمهورية والطبقة الحاكمة، استقر العدد على بضعة آلاف يطالبون بالحرية والسيادة، بضعة آلاف حملوا دمهم على كفّهم وأعلنوا رفضهم لهذه الطبقة، بضعة آلاف من المعارضين المستقلين يجمعهم حب الوطن والحرية، بضعة آلاف ثاروا نيابة عن أربعة ملايين لبناني لا يملكون الشجاعة لقول كلمة "كلا" لزعيمهم الذي أفقرهم ودمرهم وهجّرهم. هؤلاء الأربعة ملايين كانت قلوبهم مع الثائرين وسيوفهم عليهم بسبب ولائهم لولي نعمتهم.

خلال هذه الفترة تم قمع المعارضين وسحلهم، إن كان من خلال أزلام السلطة أو حزب الله، حيث تم تلفيق القضايا السياسية ومحاكمتهم أمام المحكمة العسكرية؛ التي حسب القانون الدولي هي المحكمة المختصة بمحاكمة الشخص ذي الصفة العسكرية، وليس من اختصاصها أو صلاحيتها محاكمة المدنيين، ولكن في جمهورية علي بابا كل شيء مباح لبقاء الفاسدين على رأس الفساد، حتى وإن تم تسييس القضاء.

ورغم هذا القمع والقتل اختار عدد من المعارضين المنفى الاختياري لعدم رغبتهم ببيع ضمائرهم وقضيتهم مقابل حفنة من المال. ففي بعض الأحيان يكون حضن المنفى آمن عليك من حضن الوطن.. الوطن الذي كافأ المعارض بتلفيق تهم قدح وذم وسب الأمير النائم ميشال عون، وبأحكام وصلت لثلاث سنوات سجنا من أجل تعبيره عن رأيه الحر ضد فساد رئيس الجمهورية ومليشيا السلاح التي قتلت المعارضين الذين لم يرضخوا لرسائل التهديد، فأصبح التهديد واقعا.

ولكن كما قلنا سابقا؛ لكل زمن دولة ورجال، وكلمة الحق لا تموت، وطائر الفينيقي سينهض من تحت الرماد، وهذا ما حدث منذ بضعة أيام عندما قام معارضو الداخل ومعارضو الخارج بإحياء ثورة 17 تشرين (أكتوبر)، ونزلوا إلى الطرقات للمطالبة باستقالة الطبقة السياسية وبتحسين الوضع المعيشي الذي أثقل عبء المواطن، وخاصة بعد أن فقدت الليرة اللبنانية قيمتها.

تجسدت ثورة 17 تشرين في التحركات الشعبية التي حصلت، وكل هذا ورئيس الجمهورية غافل عما يجري ويسأل: هل هذه التحركات تستهدفني؟ وأطل علينا بتصريح إعلامي يطلب فيه من المواطن ألا يجربه، فهو لم يرضخ في عام 1990 ولن يرضخ اليوم.

ولمن خانته الذاكرة، فإن ميشال عون هرب تحت جنح الظلام وترك جنوده وعائلته، ولكنه اليوم يحاول أن يحرّف التاريخ ويجعل من نفسه أسطورة، ولكن أسطورة من ورق لمن يعرف تاريخه. وإذا كان يتكلم اليوم من موقع قوة بسبب تحالفه مع مليشيا حزب الله الإرهابي ويستقوي بهذا السلاح الفارسي غير الشرعي ويقمع مواطنيه، فهو بهذه الطريقة يعجّل في نهايته، فالخائن لوطنه وشعبه لا يستحق الاحترام ونهايته المؤكدة هي إلى مزبلة التاريخ.

ولكن الغريب في التحركات الأخيرة هو وقوف الجيش على الحياد لفترة محددة وعدم قمعه للمظاهرات بالقوة كالعادة، وبفعل هذا الموقف اصطفّ اللبنانيون حول جيشهم لظنّهم بأنه المنقذ و"الحلاّل" لهذه المعضلة، وخاصة بعد أن أطل علينا قائد الجيش بخطاب أقل ما يقال عنه أنه خطاب تحضير لانقلاب عسكري. ولكن في وطني كلٌ يغني على ليلاه، فهذا الخطاب كان من أجل زيادة رواتب العسكريين بسبب الوضع الاقتصادي، وعندها فهم السياسيون هذا الخطاب واشتروا سكوت الجيش والقوى الأمنية من أجل البقاء على رأس فسادهم، وفي اليوم التالي خلع الجيش ثوب الحمل الوديع وقمع المتظاهرين واعتقل العشرات منهم وأحالهم الى المحكمة العسكرية. هذا السكوت دفع ثمنه المواطن، فالوضع لم يعد يحتمل، فالفساد استشرى، وزاد القمع من قبل المليشيات على مرأى القوى الأمنية التي استغلت الثورة للمطالبة بزيادة مالية.

الساكت عن الحق شيطان أخرس وما أكثر الشياطين في بلدي، وعجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه، ولكن في وطني نموت جوعا وقتلا ولكن المهم أن يحيا الزعيم.

قولوا لي ما نوع المورفين الذي استخدموه لتسكتوا عما يحدث أمامكم؟ ألم يطرق القتل والتهجير والموت بابكم؟ ألا يعنيكم أن لبنان أصبح في عزلة دولية؟ ألا يستفزكم أن لبنان أصبح مقاطعة إيرانية وحزب الله هو أمير هذه المقاطعة؟ ألم يحن الوقت للانقلاب على ميشال عون وتشكيل حكومة حيادية يكون دورها إخراج لبنان من أزمته؟ ولكن عندما تجد وطنا أبطاله في القبور ورجاله في السجون ومعارضوه في المنفى ولصوصه في القصور، عندها قل على الدنيا السلام.