كتاب عربي 21

حكومة جديدة في أقرب وقت وإلا حكومة وصاية دولية

1300x600
لا يحتاج الأمر معلومات حصرية.. المعطيات الجيوسياسية وموازين القوى المعروفة في الداخل والخارج، أيضا معطيات الميزانية ومؤشر المديونية معلنة ومنشورة، وإذا أضفنا إليها بعض المعطيات المتداولة في كواليس السياسة في تونس خاصة القريبة من السفارات، يمكن إعلان مستوى الطوارئ في درجة قلق أهم الأطراف الدولية والإقليمية في خصوص الوضع السياسي.

والقلق بصدد الترجمة إلى مبادرات في اتجاهات مختلفة في التفاصيل، لكن تتفق في العموم في أن الوضع أصبح يستوجب "استقرارا حكوميا عاجلا". وهنا مضمون الاستقرار لا يعني بقاء حكومة المشيشي المؤقتة التي يتم تسيير نصفها بوزراء بالنيابة، بل يعني "مشهد حكوميا" جديدا تماما.. يعني ذهاب المشيشي، إن لم يذهب بترتيبات الفاعلين المحليين الأساسيين فسيذهب بالضغوط الدولية. والفارق هنا كبير وشاسع، ويكمن في طبيعة البديل.
ذهاب المشيشي، إن لم يذهب بترتيبات الفاعلين المحليين الأساسيين فسيذهب بالضغوط الدولية. والفارق هنا كبير وشاسع، ويكمن في طبيعة البديل

تونس تصبح أكثر فأكثر تحت المجهر الدولي لاعتبارات مختلفة.. أوروبيا يتم النظر إلى تونس كمكون أساسي في شبكة صد الهجرة غير النظامية. ففي الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا وفرنسيا (شريكين كبيريين لتونس) موضوع الهجرة غير النظامية مسألة محددة لتوازنات سياسية داخلية، وليس مجرد معطى اقتصادي واجتماعي يتلخص في بضعة مؤشرات رقمية. يمكن فهم ذلك من حالة التوتر الإيطالية التي أوقفتها مؤقتا أزمة تشكيل حكومة جديدة، وستعود غريبا الضغوط الإيطالية القوية خاصة مع عودة "موسم الحرقة". أي حالة شلل حكومي تعني انفلات الوضع على مستوى الحدود البحرية، خاصة أن المكون الآخر في "الشبكة"، أي ليبيا، لا يزال في حالة إعادة ترتيب البيت الداخلي، ولا يزال شريكا هشا من الزاوية الأوروبية. القلق الأوروبي تجسد في طلب لقاءات مختلفة أجراها سفير الاتحاد الأوروبي، وتُوجت بلقاء واسع مع الرئيس قيس سعيد

أمريكيا، الاهتمام سيتزايد بسرعة، ولقاءات السفير الأمريكي ستتزايد على الأرجح، بعد لقاء رئيس مجلس نواب الشعب. الولايات المتحدة "ضامن" و"راع" للتجربة الديمقراطية التونسية، خاصة مع عودة الإدارة الديمقراطية ووزير خارجية "يعرف جيدا" الداخل التونسي ويعلن بشكل متكرر دعم "الربيع الديمقراطي".

يضاف إلى ذلك المعطى الأمني، فالقائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا ونائبه يقومان بزيارة على رأس وفد عسكري رفيع المستوى إلى تونس منذ يوم الأربعاء، وهي أول زيارة لقيادة عسكرية أمريكية إلى تونس من تولي إدارة بايدن مهامها.

وفي إيجاز صحفي عبر الهاتف قبيل الزيارة، قال القائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا الجنرال  كريستوفر ج. كافولي إنه سيعقد "اجتماعات رئيسية مع شركائنا المقربين في تونس"، من بينها لقاء مع قائد أركان جيش البر أمير اللواء محمد الغول. وأضاف الجنرال كافولي: "تونس تعتبر شريكا مهما للغاية للولايات المتحدة، ويركز عليه الجيش الأمريكي وقيادة أفريكوم. وسنقضي بعض الوقت في زيارة لواء المساعدة الأمنية التابع لنا، والذي تعمل معه مجموعة متنوعة من المستويات المختلفة لقيادة الجيش التونسي". قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا وأفريقيا تحدثت أيضا عن "مناورات الأسد الأفريقي" التي ستجرى في المغرب والسنغال وتونس هذا العام، بمشاركة 10 آلاف جندي أمريكي و20 ألف جندي من جنود "الدول الحليفة".

جزائريا، سيصبح هناك تركيز غير مسبوق على الوضع في تونس، خاصة إزاء توقع القيادة الجزائرية بتصاعد التوتر مع المغرب، وحاجتها لجار تونسي مستقر "بدون صداع"، وهو الأمر الذي تعرضت إليه في مقال الأسبوع الفارط. 
الأرقام لا تكذب، خاصة الانخفاض الأخير للتصنيف السيادي لتونس من قبل مؤسسة "موديز"ـ والذي وصل إلى الدرجة الأخيرة قبل إعلان تونس طرفا غير مؤهل للإقراض

داخليا، الأرقام لا تكذب، خاصة الانخفاض الأخير للتصنيف السيادي لتونس من قبل مؤسسة "موديز"ـ والذي وصل إلى الدرجة الأخيرة قبل إعلان تونس طرفا غير مؤهل للإقراض. وتعددت تحذيرات الخبراء الاقتصاديين، وقد أكد وزير المالية الأسبق حكيم بن حمودة أنه طالب بإعلان حالة الطوارئ الاقتصادية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، موضحا أن الوضع الاقتصادي في تونس خطير وسيكون أخطر هذا العام.

وأوضح بن حمودة في تصريح لـ"الجوهرة إف إم" أن إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية يصبح ضروريا عندما يصبح هناك خطر على الاقتصاد الوطني وعلى السيادة الوطنية في اتخاذ القرارات الاقتصادية. وأضاف أن مؤسسات الدولة في خطر نتيجة الظروف التي تمر بها البلاد، موضحا أن إعلان حالة الطوارئ يتطلب قرارات جريئة وصعبة، من ضمنها تعليق كل المصاريف الجديدة للدولة لسنتي 2020 و2021.

حكومة المشيشي أصبحت حكومة تصريف أعمال، وإعادة الحياة إليها أقرب إلى إعادة الحياة إلى عهد الديناصورات. الآن موضوع خروجها من المشهد أمر حتمي، والسؤال من سيدفع إلى ذلك ومن سيرتب إليه؟ إن لم يتحرك الفاعلون المحليون فإن الضغوط الاجنبية ستلتقي قريبا جدا في ذات الاتجاه، وسيكون ذلك ضربة مزدوجة للديمقراطية التونسية بوصفها تجسيما للإرادة الشعبية وليس للغرف المغلقة، فإما الاتفاق على حكومة بحد أدنى من الأجندة الوطنية، أو حكومة وصاية دولية تطبق برنامج المؤسسات المالية الدولية بحذافيره.. "الدلال السياسي" التونسي وصل إلى منتهاه. 

twitter.com/t_kahlaoui