ملفات وتقارير

توزيع السلطات في الدستور التونسي.. هل يعيق الحياة السياسية؟

الغنوشي كان قد صرح الاثنين أن دور الرئيس رمزي ودعا لنظام برلماني كامل- الرئاسة التونسية

طرحت تصريحات رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي التي أطلقها الأحد حول "رمزية" دور الرئيس التونسي، ودعوته إلى نظام برلماني كامل في البلاد، أسئلة حول مدى تأثير الدستور التونسي بشكله الحالي الذي يقوم على "نظام مختلط" على تعثر المسار السياسي في البلاد، خاصة في ظل تصاعد أزمة التغيير الوزاري الذي أقره البرلمان، ولم يعتمده الرئيس قيس سعيد حتى الآن.


الغنوشي دعا خلال ندوة الأحد، إلى ضرورة إقامة "نظام برلماني كامل"، لتجاوز أي إشكالات قد تحدث جراء "المزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني" المعمول به في البلاد حاليا.


وقال الغنوشي، في تصريحات خلال ندوة افتراضية السبت، إن "رئيس الدولة (قيس سعيد) يمتنع عن قبول أداء القسم للوزراء الجدد، وبالتالي هو رافض للتعديل الوزاري، ويعتبر أن له الحق بقبول أو رفض بعض الوزراء"، داعيا إلى ضرورة إقامة نظام برلماني كامل.

 

وتعيد هذه التصريحات إلى السطح نقاشا قديما جديدا حول صيغة توزيع السلطات في الدستور ودورها في إثارة الأزمات، في ظل أزمة عميقة ازدادت حدتها بعد تعليقات الرئيس سعيد على التغيير الوزاري الأخير الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي على حكومته (11 وزيرا) ونال مصادقة البرلمان، ولكنه ما يزال ينتظر موافقة الرئيس.

 

وبينما أثارت تصريحات الغنوشي انتقادات شديدة من قبل معارضيه،كونها جاءت في سياق أزمة سياسية تمر بها البلاد وخلافات بين رؤساء مؤسسات الحكم المختلفة، رأى آخرون أن رئيس الجمهورية قيس سعيد هو من خلق الأزمة السياسية الحالية،حيث أن "الدستور واضح ويضبط الصلاحيات".


رئيس الكتلة الديمقراطية (معارضة) بالبرلمان التونسي محمد عمار وصف في حديث لـ"عربي21" تصريح راشد الغنوشي "بالخارج عن السياق التاريخي وليس في وقته نهائيا"، قائلا: "نحن نعيش في أزمة، حركة النهضة هي العمود الفقري لمن كتب دستور 2014 وبالتالي هي تعرف جيدا أن صلاحيات الرئيس ليست رمزية".

 

اقرأ أيضا: الغنوشي: أدعو لنظام برلماني كامل.. ودور الرئيس "رمزي"

 

تصريحات تفتح النقاش

 

من جهته، رأى الباحث في القانون الدستوري الأستاذ رابح الخرايفي أن تصريحات الغنوشي ستفجر معركة عنوانها "نظام رئاسي أم برلماني"، معتبرا ما يجري حوارا بالعمق في أزمة النظام السياسي التونسي.

وأضاف الخرايفي في تدوينة على صفحته في موقع "فيسبوك" أن "الصراع الفكري الذي سيتعمق بين النخب السياسية والحزبية بداية من اليوم عقب تصريح الغنوشي سيكون حول النظام السياسي الأنسب لتونس"، مشيرا إلى أن تصريح الغنوشي في الحقيقة هو رد على عدم قبول رئيس الجمهورية أداء يمين أعضاء الحكومة الجدد .

 

أما أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، فقد قدم في تدوينة على صفحته الرسمية ملاحظات دستورية كانت في شكل رد على قول الغنوشي بأن دور الرئيس "رمزي".

 

 

الرئيس خلق الأزمة؟

 

الكاتب والمحلل السياسي نور الدين علوي اعتبر في حديث لـ"عربي 21" أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد هو من خلق الأزمة السياسية الحالية، فالدستور واضح وهو يضبط الصلاحيات وكدليل على ذلك أن الراحل الباجي قائد السبسي ورغم اختلافه مع الغنوشي التزم بهذا الدستور".

وتساءل نور الدين علوي "لماذا لم يتم انتقاد الدستور في حكم حكومة إلياس الفخفاخ ؟ الآن عندما خرجت الحكومة من يد المعارضة والرئيس أصبح الدستور فيه إشكال".

وعن الدعوات لتغيير الدستور رد العلوي "لا يوجد دستور حقيقي يتغير قبل عشرين عاما على الأقل، ستظهر عدة نقائص بممارسة الدستور، لو كانت توجد محكمة دستورية وبرزت أمامها عدة قضايا لمدة سنوات وقتها سنكتشف عيوب الدستور".

واستشهد علوي بالدستور الأول (زمن بورقيبة وبن علي) " لم يتغير طيلة 55 عاما إلا في ما يتعلق بمدد الرئاسة وبقية كل النصوص بقية صالحة وأغلبها امتد لدستور الجديد".

واستنكر محدثنا بشدة الدعوات المطالبة بتغيير الدستور " الباب السابع لم يطبق بعد (الحكم المحلي ) وقتها ستبرز صعوبات حقيقة .

 

ويخالف النائب المستقل المنجي الرحوي رأي العلوي، حيث انتقد في مداخلة لـ"عربي21" تصريحات الغنوشي ورأى أنها "إعلان مواجهة وإحكام قبضة من الغنوشي على الساحة السياسية"، معتبرا الغنوشي "بن علي آخر ودكتاتورا آخر" على حد وصفه.


بدوره أبدى رئيس كتلة حزب "تحيا تونس" (مع الحكومة)، مصطفى بن أحمد في تصريح لـ"عربي21" استغرابه من تصريح الغنوشي قائلا: "يبدو أن رئيس البرلمان لا يعرف أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الأمن القومي، والضامن لوحدة الدولة".

وعلق ابن أحمد على رئيس البرلمان قائلا: "في الحقيقة الدور الرمزي هو لرئيس البرلمان مهمته رئاسة الجلسات وليس الإفتاء في الدستور لأنه اختصاص رئيس الجمهورية وله الصلاحية التقديرية الكاملة في فرض احترام الدستور".

 

الدستور وتوزيع السلطات

 

الكاتب والمحلل السياسي، جلال الورغي قال، إن الدستور التونسي قام على فلسفة توزيع السلطة بين مراكز الحكم الثلاثة وهي الرئاسة ورئاسة الحكومة والبرلمان.


وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن توزيع مراكز القوة في الدستور، "لم يكن فعل المشرع في ذلك ضربا من العبث، وإنما هو مسعى لتوخي توازن قوة بين مراكز الحكم لمنع أي جهة من التغول في ظل ديمقراطية مازالت فتية وعودها طري تحتاج الكثير من الضمانات، وأحد هذه الضمانات هذه الفلسفة في النظام السياسي المختلط".


ورأى أن هذا التوزيع ساعد على فرض مراكز الحكم رقابة على بعضها البعض وإحداث التوازن تجاه بعضها البعض، ما سمح بتعزيز وترسيخ المسار الديمقراطي، وعدم وجود أي تغول أو احتكار للسلطة من جهة ما في الحكم.


لكن الورغي لفت إلى سوء هندسة هذا النظام المختلط بما يجعله متناسقا ومنسجما في منطقه الداخلي، فلا يمكن مثلا أن يكون رئيس الجمهورية منتخبا من الشعب مباشرة وليس من البرلمان وفي نفس الوقت صلاحياته محدودة مقارنة برئيس الحكومة.


وأضاف: "كما لا يمكن فهم كيف يمنح رئيس حكومة صلاحيات واسعة هي الأكبر في النظام السياسي، بينما يمكن أن يأتي من خارج المشهد السياسي، ومن خارج البرلمان، مثل السيد هشام المشيشي حاليا".

 

وقدّر الورغي أن بعض الفصول في الدستوري التونسي وبعض الآليات تحتاج لمراجعة وتدقيق جدي، لافتا إلى أن التعطيل الأساسي للعملية السياسية إن حصل أحيانا فهو لسببين أساسيين. السبب الأول "حداثة التجربة السياسية بعد الثورة التي لم تترسخ فيها قيم الديمقراطية بالكامل، وما زلنا بصدد التعلم وإشاعة ثقافة الحكم والمعارضة".


في قال ثانيا، إن النظام الانتخابي الذي يقوم على تشتيت الأصوات والتمثيلية داخل مجلس نواب الشعب، بما يمنع من بروز قوى سياسة بأغلبية معقولة تسمح لها بالحكم وقيادة البلاد دون عوائق.


ورأى أن الحاجة ملحة لمراجعة القانون الانتخابي ووضع عتبة انتخابية تمنع "بلقنة" البرلمان، وتمنع حصول من يحصل على أقل من ٣ بالمائة أو ٥ بالمائة من دخول البرلمان.

 

لا معركة بين سعيد والغنوشي

 

من جهته، قال قال وزير الخارجية الأسبق، وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة إنه لا توجد معركة بين سعيد والغنوشي ولا يوجد تنازع صلاحيات أصلا، بل هناك حوار حر ومفتوح في دولة ديمقراطية حرة.


وشدد في تصريح على حسابه بـ"الفيسبوك" أن "هناك دستور ينظم العلاقة بين مؤسسات وأركان الدولة، وهو فوق الأشخاص والأسماء، والواجب يقتضي احترامه من الجميع، كما أن العلاقات الشخصية يجب أن تبنى على الاحترام المتبادل".


ولفت إلى أن دستور الجمهورية الثانية واضح  وجلي، وهو أن رئيس الجمهورية له صلاحيات  في مجالي  السياسة الخارجية والدفاعية للدولة، والبرلمان لا يزيد دوره عن مراقبة المؤسسات.


وتابع: "لكن ليس سرا كون الغنوشي كان ومازال يدافع عن نظام برلماني مكتمل  يختلف عن نظامنا الراهن الذي يمكن وصفه بالمختلط، ولكن ما هو مطروح الآن هو ايقاف الجدل حول النظام السياسي والدستور وتركيز الجهود حول معالجة مشكلات التونسيين والتونسيات". 

 

أما الكاتب محمد هنيد، فقد اعتبر أن برلمان تونس هو أكبر إنجاز في البلاد، واعتبره أنه صوت الشعب والشارع، ولهذا يجري التآمر عليه.

 

 

 


الكاتب كمال الشارني غرد معلقا بالقول، "كل الذين تداولوا على رئاسة الجمهورية، كانوا يعرفون مسبقا حدود صلاحيات الرئيس، لكنهم اشتكوا كلهم من ضيقها مقارنة بوعودهم وطموحاتهم وحتى نزوات البعض منهم".
وأضاف: "كلهم حدثتهم أنفسهم الأمارة بالسلطة بالأكل من مائدة الحكومة والبرلمان، (..)كلهم يعرفون أن هناك طريقة واحدة لكنها مستحيلة حاليا لتوسيع صلاحيات الرئيس، وهي تنقيح الدستور، لكن لا أحد منهم ضغط من أجل إنجاز المحكمة الدستورية".

 

 

الصلاحيات
 
وضبط الدستور التونسي (2014)، مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية التونسية وحددها في سبعة عشر فصلا من الفصل 72 إلى 88.

يمثل رئيس الجمهورية الدولة التونسية ويختص برسم السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، وفقا للفصل 77 من الدستور.

ويتولى حل مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور، ولا يجوز حل المجلس خلال الأشهر الستة التي تلي نيل أول حكومة ثقة المجلس بعد الانتخابات التشريعية أو خلال الأشهر الستة الأخيرة من المدة الرئاسية أو المدة النيابية. يتولى رئاسة مجلس الأمن القومي، ويدعى إليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، القيادة العليا للقوات المسلحة، رئاسة المجالس الوزارية.