قضايا وآراء

العثماني والنظرة المشرقية للمغرب

1300x600
الهبّة الشعبية ضد التطبيع مع إسرائيل لم تجد لها مكانا في الشوارع العربية، كما هي العادة، فانتقلت للفضاء الإلكتروني سلخا وتقريظا للحكومة المغربية ورئيسها الدكتور سعد الدين العثماني، بسبب ظهوره لتوقيع اتفاقية فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي المغربي. وهي وإن كانت غِيرة محمودة على القضية الفلسطينية، فإن كثيرا من المغالطات حدثت أثناء تقييم المسألة سياسيا وفكريا من قبل كثيرين، لهذا فهناك عدة أمور ينبغي توضيحها لنستطيع الحكم المنصف على هذه الخطوة.

بداية فإن الإصرار على توصيف ما جرى على أنه تطبيع يقدم هدية مجانية لتل أبيت ويزيد من المرارة لدى الفلسطينيين والعرب والمسلمين. والأمر لا يتعلق هنا بالمصطلحات وإنما بالحدود السياسية التي ألزم بها المغرب نفسه حين اتخذ هذه الخطوة. فإذا كان وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة قد نفى أن تكون إعادة فتح المكتب وإقامة علاقات دبلوماسية هي تطبيع، فليكن النقد موجها للخطوة نفسها في حدود ما قام به، خاصة أن رئيس الوزراء الدكتور سعد الدين العثماني سارع للتأكيد على المواقف المغربية فور نشر تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أن يظهر في المشهد المؤسف موقعا على الاتفاقية، في مخالفة بروتوكولية معروفة وواضح جدا أنه قد أرغم عليها.

الأمر الثاني هو أن حزب العدالة التنمية المغربية ليس له صلة من قريب أو بعيد بالإخوان. والمفاجأة التي ربما لا يعرفها كثيرون من المشارقة، أن الدولة في المغرب لم تعط رخصة حزب للأعضاء السابقين في حركة التوحيد والإصلاح المغربية أواخر التسعينيات. والحزب الحالي حزب قديم موجود منذ أواخر الستينيات انضم إليه هؤلاء، وهو حزب قومي محافظ أسسه الدكتور عبد الكريم الخطيب، أحد رموز المقاومة المغربية ورئيس أول برلمان في المغرب.

وكلمة المرجعية الإسلامية الواردة في تعريف الحزب ليست مبررا لهذا الربط مع الإخوان، وذلك لأن الأحزاب الرئيسية التي نشأت في هذه الفترة كانت مرجعيتها إسلامية، مثل حزب الاستقلال. هذا بالإضافة للفصل الكامل بين حركة التوحيد والإصلاح وبين الحزب، وهي بالمناسبة حركة ليست ذات صلة بالإخوان، وانتقدت الخطوة المغربية في التعامل مع إسرائيل في بيان شديد اللهجة. هذه نقطة مهمة لأنه رغم مشاكل الإخوان السياسية في دول المشرق، إلا أنهم يحسب لهم تمسكهم برفض أية علاقات مع إسرائيل كان يمكن أن تفتح لهم أبواب الحكم أو على الأقل تنقذهم من المشانق.

الأمر الثالث هو أنه ينبغي عدم إغفال السياق العام للسياسة المغربية في آخر ربع قرن، والتي كانت هي النقطة المضيئة في ظلام السياسات العربية الراهنة. فالسلوك السياسي يقيّم عادة بما منعه من مخاطر وشرور أكثر مما رفعه من شعارات أو أطلقه من وعود. فقد استطاع المجتمع المدني المغربي بالتعاون مع القوى السياسية تدشين هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004 لتعويض السجناء السياسيين وإغلاق ملف التعذيب والقهر السياسي في البلاد. وليس سرا أنه كانت هناك محاولات حثيثة، ترغيبا وترهيبا، لإعادة هذه العهد والانقلاب عليه عام 2013، وقد أفلت المغرب من هذا الفخ قبل أن يُعد له فخ ثان متمثل في المشاركة في حصار قطر والسير في ركب التحالف المعادي للحريات في العالم العربي، وقد أفلت من هذا الملف بأعجوبة ودفع ثمن ذلك سياسيا واقتصاديا.

بقي الفخ الثالث متمثلا في المشاركة في صفقة القرن، ويعرف القاصي والداني أن عروض وإغراءات التطبيع كانت حاضرة من اليوم الأول للمغرب وأنه صمد أمامها طويلا، وفورا وبعد تأكد هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حدث ما رأيناه. وبالمقارنة مع الهرولات العربية الأخيرة للتطبيع، واضح أن المغرب استطاع أن ينتزع بعض المكاسب مثل قضية الصحراء في مقابل هذه الخطوة.

الأمر الرابع هو أن النظام الملكي في المغرب له شرعية نضالية بسبب شراكته مع مقاومة الاستعمار، وتعززت مع نفي الملك محمد الخامس لمدغشقر عام 1953، وهو النفي الذي أشعل ثورة انتهت بعودته. والحركة الوطنية بصفة عامة تعتبره شريكا لها في الكفاح، هذا بخلاف الشرعية الدينية ذات التبعات الاجتماعية والطقوس التاريخية الممتدة بامتداد حكم الأسرة العلوية لأكثر من أربعة قرون. ووثائق التأسيس لحزب العدالة والتنمية المغربي تقر بهذا وتعمل تحت سقفه الذي يعطي للملك كثيرا من الصلاحيات، منها التصرفات الدبلوماسية مثل القرار الأخير.

كل هذه العوامل لا تبرر للعثماني أن يشارك في هذا المشهد، لكنها تؤكد أنه من الظلم رميه بالخيانة والتضحية بالمبادئ من أجل الكرسي والمنصب. فإذا كان لا بد من مقارنات مع دول المشرق، فإن العثماني مثل مصطفى باشا النحاس حين كان رئيس وزراء مصر في الأربعينيات وهو بين مطرقة القصر وسندان ضغوط الاحتلال. وضغوط فرنسا وإسبانيا حاليا على المغرب ليست بأقل من ضغوط بريطانيا على مصر في تلك الفترة.

وأتصور أن الموقف الذي وجد فيه الحزب نفسه هو إحدى سلبيات البقاء في السلطة لنحو عشر سنوات، ويا ليت هؤلاء السياسيين قد انضموا لأحزاب أخرى لها تاريخ مشرف مثل حزب الاستقلال؛ تتناوب الحكم ببرامج تنافسية وليس التركز في حزب واحد. ولعله جرس إنذار ليعيدوا تقييم موقفهم من شكل مشاركتهم السياسية.

twitter.com/hanybeshr