اقتصاد عربي

ماذا وراء استمرار خفض رسوم المرور بقناة السويس؟

اقتصاديون: خفض رسوم المرور "ليس حلا عمليا، ولا تنافسيا"- جيتي
واصلت هيئة قناة السويس المصرية خفض رسوم المرور مرة تلو الأخرى، وسط تساؤلات عن أسباب هذا الخفض المستمر في أهم خط ملاحي في العالم، وأحد أهم مصدر للعملة الصعبة بعد السياحة التي تراجعت خلال هذا العام؛ بسبب وقف الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا.

كان آخرها خفض رسوم مرور ناقلات النفط التي تزيد حمولتها على 250 ألف طن بنسبة 48 بالمئة، والذي بدأ سريانه منذ مطلع الشهر الجاري وحتى 31 أيار/ مايو 2021، كما قررت استمرار العمل بالتخفيض الممنوح لناقلات الغاز البترولي المسال.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي؛ أعلنت هيئة قناة السويس خفض رسوم عبور السفن السياحية في القناة بما قد يصل إلى 50 في المئة بشرط توقف السفينة ما لا يقل عن 48 ساعة في ميناءين على الأقل من الموانئ المصرية.

وكان تحالف 2M المكون من خط ميرسك الحاويات وخط MSC، أكبر خطين ملاحيين بالعالم، أعلن في أيار/ مايو الماضي، عن تحويل مسار سفن تابعة له، لرأس الرجاء الصالح كخط بديل لقناة السويس للمرور بين آسيا وأوروبا.

أرجعت الهيئة الهدف من استمرار خفض رسوم السفن العابرة من قناة السويس إلى تقديم "كافة التسهيلات والتيسيرات التي تهدف إلى تشجيع السفن للتوقف في الموانئ المصرية والمرور من القناة وجذب أكبر قد ممكن منها بأنواعها كافة.

إلا أن خبراء وسياسيين مصريين أشاروا في تصريحات لـ"عربي21" إلى وجود أسباب أخرى تهدد مكانة قناة السويس كشريان ملاحي من جهة والأمن القومي المصري من جهة أخرى.

وهو ما حذرت منه أيضا مجلة فورين بوليسي الأمريكية المتخصصة، التي أشارت إلى أن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17%، مع تشغيل أنبوب "إيلات-عسقلان" بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.

وقالت في أيلول/ سبتمبر الماضي إن إسرائيل على وشك أن تلعب دورا أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسة البترول بالمنطقة، بعد أن عزز اتفاق الإمارات معها خط أنابيب تم بناؤه سرا بين إسرائيل وإيران في عهد الشاه.

في 13 آب/ أغسطس الماضي؛ توصلت الإمارات وإسرائيل، إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتاريخي، وانتقده الفلسطينيون بشدة، ولكنه سار بشكل أسرع من المتوقع مع فتح جميع أبواب التعاون في المجالات كافة دفعة واحدة.

لم تنتظر الإمارات كثيرا، ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وقعت شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية "إي أيه بي سي" (EAPC)، اتفاقا مبدئيا للمساعدة في نقل النفط من الإمارات إلى أوروبا عبر خط أنابيب يربط مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر، وميناء عسقلان على ساحل البحر المتوسط.

هذه التحركات المستمرة، دفعت رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، إلى أخذ الأمور بعين الريبة والحذر بل واعتبره تهديدا للأمن القومي المصري.

جاء ذلك خلال مداخلة على قناة فضائية خاصة، في أيلول/ سبتمبر الماضي، محذرا من تلك الأنشطة التي تجري بشكل متسارع، وقال: "إن إنشاء خط أنابيب النفط "إيلات-عسقلان" الإسرائيلي إلى الخليج يهدد الأمن القومي المصري وقناة السويس".



أهداف خطيرة للتطبيع

 

وهو ما أكد عليه البرلماني المصري السابق، محمد فرج، قائلا: "بالتأكيد إنشاء هذا الخط سيؤثر تأثيرا بالغا على قناة السويس والتطبيع ليس هدفه سياسيا فقط بل الأكثر خطورة هو هدفه الاقتصادي في استغلال دول التطبيع اقتصاديا لصالح إسرائيل".

وأضاف عضو لجنة الطرق والمواصلات، لـ"عربي21": "بالإضافة إلى أن العراق يبحث الآن إنشاء مرفأ بحري في ميناء الفاو على الخليج العربي لإنشاء خط بترول عبر الأراضي العراقية إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا".

لكنه اعتبر أن أحد أهم الأسباب في الوقت الراهن هي "شراكة ميرسك وشركة MSC واختيارهما طريق رأس الرجاء الصالح بديلا لانخفاض تكاليف التشغيل بعد انخفاض أسعار البترول، ما يستلزم على هيئة قناة السويس اتخاذ هذا التخفيض لكن خط الإمارات-إسرائيل لم يطبق على الأرض بعد".

ليس حلا

اعتبر الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن التحرك المصري بمواصلة خفض رسوم المرور "ليس حلا عمليا، ولا تنافسيا"، وألقى باللوم "على الحكومات المصرية في عدم استغلال قناة السويس كمنطقة لوجستية يمكن أن تدر عشرات مليارات الدولارات إلى ممر ملاحي فقط".

وأكد في تصريحات لـ"عربي21": "كان من الممكن تحويل قناة السويس إلى منطقة صناعية لوجستية، وهو ما أكد عليه نظام السيسي عند افتتاح التفريعة الجديدة في 2015 بكلفة 8 مليارات دولار، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، وأصبح الإيراد الوحيد للقناة هو المرور من خلالها".

وتوقع أستاذ الاقتصاد أن "يكون هذا التخفيض ليس الأول ولن يكون الأخير"، مشيرا إلى أن العالم عانى من تداعيات كورونا وخاصة تجارة النفط وبسبب الإغلاق تراجع الطلب عليه ما أدى إلى تفضيل بعض الشركات إلى المرور عبر رأس الرجاء الصالح ما اضطر هيئة قناة السويس لخفض الرسوم".

وفي ما يتعلق بالخط الإماراتي – الإسرائيلي، قال ذكر الله إن "الخط لم يدخل حيز التنفيذ بعد، لذلك فهو خارج إطار تخفيض الرسوم حاليا، ولكن حال تشغيله فإن الأمر سيكون كارثيا لأن الإيرادات ستنخفض بشكل كبير وستتحول الأهمية الاستراتيجية من مصر إلى الكيان الصهيوني".