صحافة دولية

WP: مصير مجهول لآلاف الهاربين من "تنظيم الدولة" في العراق

تهم التأثر بالتنظيم أو موالاته تحرم الآلاف من العودة إلى منازلهم- المرصد الأورومتوسطي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا من "الدجيل" العراقية، للصحفيين لويزا لوفلوك ومصطفى سليم، سلطا فيه الضوء على المأساة المستمرة لآلاف النازحين في البلاد.

 

ورغم أن مئات القرويين لقوا حتفهم هنا وهم يقاتلون المسلحين، بحسب التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلا أن الكثيرين نزحوا في أعمال العنف التي أعقبت الحرب، أو فروا خوفا من وصفهم بأنهم متعاطفون مع التنظيم.


وبينما تتحدث الحكومة العراقية الآن عن إغلاق مخيمات النزوح حيث يأوي عشرات الآلاف من هؤلاء النازحين منذ ذلك الحين، وإعادتهم إلى قراهم، فإن احتمالية تعرضهم لهجمات ما تزال قائمة.


وقال كاظم الخزرجي، وهو شيخ شيعي محلي، بينما كان بصره مستقرا على منزل انهار مثل شمعة نصف ذائبة: "لقد ذهب تنظيم الدولة، وما زلنا نعيش تحت حطامهم.. إذا رأيت شخصا هنا كان مع داعش في ذلك الوقت، فسوف أقتلهم، إنهم قتلوا عائلتي".


ويمثل هذا العداء أحد أكبر العقبات أمام خطة الحكومة، التي أعلنت في الخريف، للمضي قدما في إغلاق المخيمات كجزء من برنامج "العودة الآمنة والطوعية".

 

وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد جعل إغلاق المعسكرات أحد وعوده البارزة.


وبعد سنوات على طرد تنظيم الدولة من أراضيهم في العراق، لا يزال عشرات آلاف المدنيين ومعظمهم من السنة، نازحين، ولا تزال الكثير من المجتمعات التي ينحدرون منها منقسمة، وغالبا ما تكون الندوب النفسية للحرب حاضرة مثل تلك التي لا تزال محفورة في واجهات الدجيل.

 

ولا توجد إجابة جاهزة عن كيفية إعادة بناء مجتمع متآلف، بحسب الصحيفة.

 

وتحذر المنظمات الإنسانية من أنه في حالة إغلاق المخيمات، فإن عشرات الآلاف من الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال، سيواجهون خطر التشرد أو الأعمال الانتقامية العنيفة من قبل مليشيات شيعية وحتى من قبائلهم وأقاربهم بسبب الانتماء المتصور لتنظيم الدولة، أو ببساطة، لأنهم يشتركون معه في معتقدهم السني.


وبحسب الصحيفة، فقد تم نبذ تلك العائلات وحرمانها من حقوقها الأساسية، ويخاطر جيلها الشاب الآن بالنمو كطبقة دنيا عرضة للتجنيد في موجة جديدة من التطرف.


وقال أحد العاملين في المجال الإنساني، وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من فقدان القدرة على العمل في المخيمات: "لو شعرت هذه العائلات بأنها قادرة على العودة إلى ديارها.. لكانت ربما فعلت ذلك.. إن طردهم على أمل عودتهم إلى ديارهم سيكون كارثيا حيث لا توجد خطة ولا ضمانات".


وفي شمال العراق، بثت أنباء عن خطط رئيس الوزراء، موجات من الخوف في مخيمات النزوح، وفق الصحيفة.

 

وداخل خيام متداعية على أرض قاحلة، احتشدت العائلات حول أجهزة التلفزيون حيث عرضت لقطات لأشخاص مثلهم يتم نقلهم إلى مستقبل مجهول، وقلة ممن تمت مقابلتهم يعتقدون بأنه ما زالت لديهم منازل يذهبون إليها.


وقالت عائلات من محافظة صلاح الدين، حيث تقع الدجيل، إنها تلقت تهديدات من جيران سابقين، وقال كثيرون إن أقارب لهم حاولوا بالفعل العودة إلى ديارهم، لكن تم اعتقالهم على الطريق لأن السلطات المحلية فشلت في تأمين التصاريح الأمنية المناسبة اللازمة لعبور نقاط التفتيش على طول الطريق.

 

اقرأ أيضا: تقرير يكشف محاولات تنظيم الدولة صناعة طائرات بدون طيار


وتساءلت نازحة تبلغ من العمر 50 عاما: "نحن منبوذون الآن. أين سنذهب؟ أين يمكن أن نذهب؟".. وكانت تجلس أمام خيمتها في مخيم "الخازر" للنازحين.


وقالت: "عليك أن تفهم: لم تُهدم منازلنا بالجرافات من قبل غرباء عشوائيين. كان الرجل في الجرافة هو ابن أخي. حتى عائلاتنا تريدنا أن نموت".


وداخل المخيمات المتبقية، لا يزال هناك أطفال في كل مكان، ومع انخفاض درجات الحرارة هذا الشهر، كان الكثيرون يلعبون حفاة القدمين على أرض صخرية. طفل يبلغ من العمر عامين يجمع البلاستيك مع أسرته على أمل بيعه، فيما كان آخر يرقد وحده في بركة قذرة.


وقالت نازحة تبلغ من العمر 55 عاما، وهي امرأة ضعيفة من قرية في صلاح الدين على بعد 10 أميال فقط من المخيم: "بكينا عندما بدأ الآخرون بالمغادرة"، مضيفة أن سلطات المخيم أشارت إلى أن أسرتها المكونة من 11 فردا، ومعظمهم دون الخامسة من العمر، قد تضطر إلى المغادرة في غضون أسابيع.


وتساءلت: "إذا لم تقبلنا المنطقة وأغلق المخيم، فأين سنذهب؟"..

 

وقالت إنه ليس لدى أي من الأطفال شهادات ميلاد، فيما سُجن رجال العائلة جميعا بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة أو قتلوا. وبعد أن استعادت قوات الأمن العراقية السيطرة على المنطقة التي كانوا يعيشون فيها، علمت زوجة أحد أبنائها أنه بدون وثائق معتمدة من الحكومة لا يمكن الاعتراف بزواجهما في نظر القانون.

 

وتابعت: "حاولت عائلة في القرية هنا إجبارها على الزواج.. لم تستطع تحمل ذلك وأحرقت نفسها".


وأصر القرويون حول الدجيل في المقابلات على أنه يتوجب على الحكومة العراقية توفير إعادة التأهيل النفسي للعائلات العائدة التي تعاطفت مع تنظيم الدولة أو تعرضت للأذى منه أو لا تزال تعاني من آثار نفسية من القتال. لكن لم يتم الإعلان عن شيء من هذا، فالحكومة العراقية غارقة في أزمة اقتصادية، وتواجه الوكالات الإنسانية عجزا في التمويل.


وقال عباس الخزرجي، وهو قروي سني في الدجيل، وهو يقف خارج أنقاض منزله، إنه يعيش الآن مع 30 من أقاربه داخل كوخ بناه من الطوب في مكان قريب. وقال إن شقيقه وبناته قتلوا خلال القتال للدفاع عن المنطقة ضد تنظيم الدولة.


فقد الرجل ابنيه، قاسم وحيدر، منذ عام 2015، عندما اجتاحت مليشيات شيعية المنطقة لمحاربة مقاتلي تنظيم الدولة واعتقلت عددا لا يحصى من السكان السنة خلال حملة اعتقالات جماعية.


وعندما سئل من هم الجناة، نظر عباس إلى الشيخ خزرجي ثم نظر إلى الأسفل مرة أخرى. وقال: "لا نعرف".


وسرعان ما قال الشيخ: "مجموعات غير معروفة". وغالبا ما تُستخدم العبارة للإشارة إلى مليشيات شيعية انحاز بعضها إلى جانب القوات العشائرية التي حاربت تنظيم الدولة ولا تزال متمركزة في مكان قريب.


ولدى سؤاله عن ما إذا كان يعتقد أن أبناءه ما زالوا على قيد الحياة، فقد بدأ الرجل المسن بالبكاء..


وقال: "الله وحده يعلم.. تنظيم الدولة دمرنا. أقسم أنني سأقتل أي شخص يعود بيدي".