قضايا وآراء

اكذب واعترف.. ثم استمر في الكذب

1300x600

بنظرات حزينة وملامح الأسى يخرجون على الناس معترفين بكذبهم وإبداء أسفهم.. هم لا يفعلون ذلك من باب الشرف والفضيلة، بل ليمعنوا في التضليل والتمويه، كونهم بذلك سيبدون شجعانا وسيحترمهم شعبهم.. إنهم رؤساء أمريكا الذين وصفهم موقع "أمريكان ثينكر" بالكاذبين.

للكذب في السياسة الأمريكية تاريخ عتيق.. وأغلب الرؤساء الأمريكيين كانوا كذابين: ترامب غير المأسوف على رحيله أدلى بـما يزيد على ألفي تصريح كاذب منذ دخوله البيت الأبيض كما ذكرت الواشنطن بوست، ويقولون إنه أكثر الرؤساء ممارسة للكذب بعلانية سافرة، وحتى الآن وكما نرى في مسألة تسليم السلطة للرئيس المنتخب (بايدن).

 

للكذب في السياسة الأمريكية تاريخ عتيق.. وأغلب الرؤساء الأمريكيين كانوا كذابين: ترامب غير المأسوف على رحيله أدلى بـما يزيد عن ألفي تصريح كاذب منذ دخوله البيت الأبيض

أوباما حصل على لقب أكبر كذاب في عامي 2013 و2014 على التوالي، وفق استفتاءات لأكثر من مجلة وصحيفة وموقع.. بيل كلينتون كذب ستين كذبة في فضيحة مونيكا وحدها عام 1988، وقال إنه أخطأ في حق كل من ضللهم بكذبه وأولهم زوجته.

بوش الابن اعترف في مذكراته التي صدرت بعنوان "قرارات مصيرية" بالخطأ الفادح الذي ارتكبته القوات الأمريكية بغزوها للعراق، وكشف "كذب" التقارير الاستخباراتية بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وهي التقارير التي اتخذها ذريعة لاحتلال العراق وتفتيته وتقسيمه وقتل وتشويه الآلاف من العراقيين، وبرر ذلك بأنه قام بهذه الحرب لحماية الأمن القومي الأمريكي ومحاربة الإرهاب.

ريغان عام 1986م كذب أيضا وقال إنه لم يقايض الرهائن (أيام السفارة الأمريكية في طهران) بأسلحة أو أي شيء آخر مع إيران، ليعترف بعد ذلك بشهور بأن إدارته قامت بالفعل بإبرام صفقة مع الثوار الإيرانيين وقتها. كينيدي في 1961م كذب حتى الثمالة في أزمة الصواريخ الكوبية وخليج الخنازير، وطبعا لا ينسى أحد الكذبة الشهيرة التي أودت بنيكسون في ووترغيت، التي كذب فيها على شعبه والتي رصدتها أيضا الواشنطن بوست.

جون ستوسل، الإعلامي الأمريكي ومعد البرنامج الشهير "20/20" على قناة إيه بي سي، ذكر في كتابه "خرافات وأكاذيب وغباء محض" كيف تقدمت الحيل والألاعيب في توسيع دوائر الكذب، ويذكر أن التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات والتواصل والدعاية والإعلان والبروباغندا ساهم بدرجة كبيرة في انتشار الكذب، سواء بتكراره والإلحاح في هذا التكرار أو بالمساهمة في صنع خيال وصور ذهنية من اللا شيء بالإيهام والتخييل والادعاء.

 

التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات والتواصل والدعاية والإعلان والبروباجندا ساهم بدرجة كبيرة في انتشار الكذب، سواء بتكراره والإلحاح في هذا التكرار أو بالمساهمة في صنع خيال وصور ذهنية من اللا شيء بالإيهام والتخييل والإدعاء

الكاتب الأردني نيبال خماش كتب عام 2004 م كتابا هاما عن الكذب في السياسة عند الأمريكيين عنوانه "إمبراطورية الأكاذيب"، نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ عمان.. والكتاب له عنوان فرعي: "مصطلحات الخداع الأمريكي بعد 11 أيلول/ سبتمبر". هذا الكتاب يشكل مرجعية مهمة للغاية لمجمل الخطاب الإعلامي/ السياسي الأمريكي، بل ويكشف مجموعة من المواقف الأمريكية الأخيرة التي تظهر فساد هذا الخطاب وأكاذيبه..

* * *

على المستوى الفردي، يعد الكذب من أسوأ خطايا البشر، وهو بالفعل نافذة الشر على حياة البشر. ألف خطيئة وخطيئة تقفز من هذه النافذة الملعونة، والتي هي العامل المشترك في كل الخطايا. كل خطيئة لها طبيعتها الخاصة بها، لكن الجامع بينها جميعا هو الكذب، لن تكون هناك خطيئة دون أن يكون الكذب أحد أهم عناصرها ومراحلها، والناس يعتبرون الكذاب مخلوقا فاقد المروءة والكرامة، ولا يلقون له بالا ولا اعتبارا.

والإسلام يكاد يعتبر هذه الخطيئة أم الخطايا وينفُر وينفّر منها بصرامة وحزم شديدين. ومشهور ذلك الحديث الشريف: ".. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا". وصدق من شبّه الكذب بكرة الثلج التي تتدحرج ويزداد حجمها كلما ازدادت تدحرجا.

* * *

 

على مستوى دوائر الرأي العام وتكوين الأفكار وتشكيل الأذهان ستجد نفسك أمام كارثة ضارية، ستنتفى معها انسانية البشر وسيتحولون إلى حشد من الأرقام والإحصائيات والتعداد

لكن على مستوى دوائر الرأي العام وتكوين الأفكار وتشكيل الأذهان ستجد نفسك أمام كارثة ضارية، ستنتفى معها إنسانية البشر وسيتحولون إلى حشد من الأرقام والإحصائيات والتعداد، أشباح بشرية بلا اسم ولا رسم، فالتطور التكنولوجي وما رافقه من تطور فائق السرعة في التواصل ونشر وتداول (الأكاذيب) أثر كثيرا في توجيه أفكار الناس وتصوراتهم وآرائهم، والكارثة هنا أنه يضرب العمل العام والصالح العام والمجال العام في مقتل ومقولة "اغتصاب الحشود" المشهورة لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (1930- 2002م) بالغة الدلالة، وهو يقصد بها التلاعب بالجماهير والحشود عن طريق "الكذب" لتمرير رسائل معينة، وأجندة معينة لصناعة الرأي العام المطلوب. وهذه المقولة تعبر بوضوح "خشن" عن استغلال براءة الجماهير لتحقيق واقع يقوم على التزييف والتضليل والكذب.

 

سيظل الكذب مرتبطا بالسياسة والسياسة مرتبطة بالكذب (المليء بكل صور الاستنساخ والتعدد والتشكل)، طالما كان الإنسان نفسه كذابا مستكبرا مستعليا، وهو يعلم أنه في أعمق أعماقه كذاب، مثل هذا المخلوق الرجيم الذى يجادل خالقه سبحانه وتعالى علوا كبيرا في أفضلية الطاقة على المادة "النار على الطين"، رغم أن المسألة لا علاقة لها البتة بهذا الموضوع، المسألة كلها كانت كذبا في كذب، واستكبارا في استكبار.

twitter.com/helhamamy