قضايا وآراء

عندما أنقذ المغرب اليهود مرتين

1300x600
المغرب هو البلد العربي الوحيد تقريبا الذي تجد فيه يهودا في كثير من المدن يتعايشون جنبا إلى جنب مع المسلمين من دون حوادث طائفية، وهو البلد الذي أنقذ اليهود مرتين تاريخيا؛ المرة الأولى حين استقبلهم مع التهجير القسري من الأندلس مع بقية الموريسكيين المسلمين، والثانية حين رفض الملك محمد الخامس قوانين التمييز ضد اليهود المغاربة التي حاولت فرضها حكومة فيشي الفرنسية الموالية للنازيين في الحرب العالمية الثانية.

السؤال المعلق دائما من دون إجابة: لماذا هاجر كثير من اليهود المغرب نحو إسرائيل خلال العقود الماضية، وتركوا بلدا لم يظهر أي تمييز ضدهم وعاملهم كمواطنين من الدرجة الأولى؟ النموذج المغربي هو نموذج عربي إسلامي بالأساس لهؤلاء الذين "يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في أنفسهم حرجا مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، وهو نموذج حجة ضد الإسرائيليين وليس معهم.

هذه معان من الضروري التأكيد عليها في خضم الغضب الشعبي العارم ضد إعادة فتح مكتب الاتصال بين المغرب وإسرائيل، وهو الذي أغلق في أعقاب الانتفاضة الثانية، وذلك للتأكيد على أن مشكلة العرب والمسلمين مع إسرائيل ليست لكونهم يهودا، ولكن رفضا للاحتلال والعنصرية والاضطهاد.

الحالة المغربية في العلاقات مع إسرائيل تختلف عن الهرولات الخليجية التي حدثت مؤخرا. يقول وزير الخارجية المغربي إن ما حدث ليس تطبيعا، وإنما إعادة فتح مكتب اتصالات مغلق. وهي محاولة لتخفيف من آثار القرار لكنها كاشفة عن ممانعة رسمية واضحة في الحزب الإسلامي الذي يحكم البلاد، ومراعاة لغضب شعبي مغربي وعربي كبير ضد هذه الخطوة. وهي أمور من المهم التأكيد عليها لتوضيح أن مقياس الديمقراطية في أي بلد عربي يتناسب عكسيا مع العلاقة مع إسرائيل.

المقايضة أو الابتزاز كان واضحا في النموذج المغربي للتعامل مع إسرائيل التي دخلت عبر بوابة مشكلة الصحراء في المغرب، وهي مشكلة معقدة للغاية تركتها إسبانيا قبل أن ترحل عسكريا عن البلاد. وبالمناسبة، لا تزال إسبانيا تحتل عسكريا مدينتين في شمال المغرب متاخمتين للمدن والقرى المغربية الأخرى، وهما سبتة ومليلية. لنتخيل مثلا أن مدينتي الإسكندرية وبورسعيد المصريتين أو طرابلس وبنغازي الليبيتين لا تزالان محتلتين عسكريا من قبل بريطانيا أو إيطاليا، ويحتاج الدخول إليها إلى تأشيرة خاصة، هذا هو الوضع في شمال المغرب.

مشكلة الصحراء في المغرب أن تحريرها من الاحتلال الإسباني تأخر إلى منتصف السبعينيات، حين انتهز المغرب ضعف الوضع الإسباني في أواخر عهد فرانكو وخرج مئات الآلاف من المغاربة يحملون المصاحف والأعلام المغربي وزحفوا نحو المناطق المحتلة ليفرضوا أمرا واقعا ليحرروها، وهو ما حدث بالفعل. وبقيت مسألة جبهة البوليساريو معقدة تستعصي على الحل. بمعنى آخر، هناك ابتزاز استراتيجي مستمر للمغرب شمالا عبر المناطق المحتلة، وجنوبا عبر مخاطر الانفصال وتهديد الحدود الجنوبية، بالإضافة لمشكلة التغلغل الفرنسي في الثقافة والتعليم والعلاقات التجارية، وهي مشكلة أخرى معقدة تحتاج لمقال تفصيلي.

لا شك في أن العلاقات مع إسرائيل لن تحل مشاكل المغرب رغم الوعود الأمريكية، وله في الأردن ومصر وموريتانيا عظة وعبرة، بل العكس سيكون هناك نوع جديد من الابتزاز، وربما تهديد للتعايش المشترك بين المسلمين واليهود في البلد الذي مرت عليه قرون ولم يؤثر فيه احتلال أجنبي أو مستويات فقر وبطالة.

وليس سرا أن هناك تهديدا لنموذج الإصلاح السياسي الذي قدمه المغرب؛ مفلتا به من أتون المصير السيئ لمعظم دول الثورات العربية رغم أية ملاحظات سياسية. فلدينا بلد عربي أغلق المعتقلات السياسية، ويستطيع فيه المعارضون تشكيل حكومات تلو أخرى، ويأبي كثيرون أن يتركوه في حاله.

twitter.com/hanybeshr