كتاب عربي 21

عن احتمالية دور تركي خشن في اليمن

1300x600
على مدى تسعة أعوام من الأزمة والحرب في اليمن، لطالما استحضرت غرفة العمليات الإقليمية للثورة المضادة للربيع العربي الدور التركي في اليمن بأشكال وتصورات عديدة؛ أبرزها أن ثمة دعم تقدمه تركيا للقوى السياسية المؤيدة لثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، وتلفيق تهم لها بتهريب أسلحة إلى الساحة اليمنية حتى قبل أن تتفجر الحرب واسعة النطاق في البلاد.

لم تكن السعودية بالاندفاع الإماراتي نحو شيطنة الدور التركي المتخيل في اليمن طيلة تولي الأمير محمد بن نايف ولاية العهد، فلطالما تفهمت تركيا العملية العسكرية التي قادتها السعودية باعتبارها تدخلا يرمي إلى إنهاء الانقلاب، وهو فعل يتسق تماما مع قيم تركيا الجديدة التي عانت من الانقلابات واكتوت بنارها لعقود من الزمن.

لعبت النخبة السياسية والفكرية المحسوبة على حزب العدالة والتنمية دورا مهما في حفز الحكومة التركية على مساندة المهمة العسكرية للسعودية التي عرفت باسم "عاصفة الحزم"، وعملية "إعادة الأمل"، رغم أن ذلك بدا متناقضا مع التصور الراسخ لدى المواطن التركي الذي كان ينظر إلى الحرب باعتبارها تغولا للسعودية الغنية على جارها الفقير.

أما اليوم، فإن هذه النخبة أكثر من يشعر بخيبة الأمل حيال الموقف السعودي الذي ازداد عدوانية تجاه تركيا، وتطور من جانب واحد ليصل حد الاستفزاز والخروج عن الأعراف واللياقة الدبلوماسية، والمس المباشر بالقانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول، عندما اختار محمد بن سلمان قبل عامين أن يصفي أبرز معارضيه وأنبلهم، وهو الكاتب والمعارض المسالم جمال خاشقجي، في مدينة إسطنبول وليس في واشنطن التي يقيم فيها الشهيد، وهي العملية التي نُظر إليها على أنها إحدى الوقائع التي تؤكد التوجه العدائي لبن سلمان تجاه تركيا كجزء من شروط حيازته منصب ولاية العهد في بلاده.

وحينما اعتقد محمد بن سلمان أنه قد سوَّى داخليا المسألة القضائية المرتبطة بجريمة القتل من خلال الضغط على أبناء الشهيد جمال خاشقجي بالتنازل عن الحق الشخصي في هذ الجريمة البشعة، باشر على الفور في توظيف كل نفوذ حكومته للبدء بمقاطعة واسعة وشاملة للمنتجات التركية، والتي لم تتوقف عند حث الناس على المقاطعة، بل أخذت شكل إجراءات غير معلنة بمنع استيراد البضائع التركية، حُدد زمن البدء بتنفيذها قبل ثلاثة أشهر على الأقل من التوصل إلى التسوية القضائية المشكوك في نزاهتها القانونية لأبشع عملية قتل سياسي مفضوحة، شهدها القرن الواحد والعشرون.

لذا لا تبدو مستغربة الإضاءة التي قام بها مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، الأستاذ ياسين أقطاي، على حرب التحالف الكارثية في اليمن، في مقاله الذي نشرته صحيفة "يني شفق" الناطقة بالعربية، بعنوان: "نظرة تركيا إلى اليمن في ضوء تجربتها في ليبيا وأذربيجان والصومال".

مقال أقطاي قدم تصورا أوليا للانطباعات التي ترسخت لدى تركيا بشأن التدخل العسكري للسعودية والإمارات في اليمن، وما يمكن أن تؤديه تركيا بصفتها قوة إقليمية مهمة، في الساحة اليمنية، خصوصا أن هذه الساحة تتجه نحو الانهيار على إثر التوظيف المثابر من جانب دولتي التحالف لإمكانياتهما في تغذية الصراع متعدد الأطراف عبر تبني الأجندات المتضادة الجهوية والطائفية والتصادم مع الجميع، بما يتناقض مع الهدف المعلن وهو "الدفاع عن الحكومة الشرعية في اليمن ضد الحوثي المدعوم من إيران".

لم تتوقف تركيا عن التواجد في الساحة اليمنية، لكن من الباب المشرع لكل الدول والمنظمات الدولية وهو العمل في مجال العون الإنساني، على الرغم من العنت الذي واجهته تركيا ومهمتها الإنسانية الخالصة، من احتجاز للمساعدات وإفسادها، واحتجاز لطواقم الهلال الأحمر التركي، واستهدافها بعمليات قتل إجرامية.
 
ففي 20 تشرين الأول/ أكتوبر، تعرض المسؤول المالي في بعثة الهلال الأحمر التركية الإغاثية علي يودك لإصابة بليغة في رأسه، في واقعة إطلاق نار لا تزال ظروفها غامضة، لكنها أشارت بوضوح إلى القوى المتنفذة في عدن والمدفوعة بتحريض القوى الإقليمية المهيمنة هناك.

لكن ماذا لو تطور الدور التركي في اليمن إلى مستوى من الأداء الخشن الذي قد يتصادم على الفور مع النفوذ السعودي الإماراتي العبثي هناك، هل ستجد تركيا هذه المرة بابا مشروعا لتدخلها، كما كان الحال في كل من ليبيا وإقليم ناغورنو قره باخ الأذريبيجاني الذي كانت تحتله القوات الأرمينية؟

في الواقع هناك شريحة واسعة من اليمنيين الذي يحتشدون حول المشروع الوطني، يأملون في أن تتدخل تركيا لمساعدتهم في التغلب على التحديات المحيطة بدولتهم، ويتطلعون إلى أن تقوم الشرعية التي يقف على رأسها الرئيس عبد ربه منصور هادي، بتنويع خياراتها، في الوقت الذي يُضيِّقُ فيه التحالفُ الخناقَ على هذه السلطة ومؤيديها؛ عبر تكثيف الدور الانقلابي للمجلس الانتقالي في جنوب البلاد وإفساح المجال للحوثيين للضغط العسكري والاستراتيجي على معاقل الشرعية في شمالها.

وفيما بدا واضحا أن التدخل العسكري السعودي الإماراتي لم يعد متسقا مع قرارات الشرعية الدولية، بالنظر إلى أن البلدين يسعيان بوقاحة نادرة نحو تثبيت الأطراف الانقلابية على مكاسبها السياسية والعسكرية في الساحة اليمنية، فإن توجه كهذا -ما لم تغطه السلطة الشرعية- فإنه حتما سيقوض مشروعية تدخل البلدين، وسيجعل المشهد اليمني مستباحا، ويهيئ الظروف لتدخل محتمل من أطراف إقليمية ودولية ومنها تركيا.

لذا تواصل الرياض ضغوطها على السلطة الشرعية وعلى الرئيس هادي لاعتماد تشكيلة حكومة الكفاءات، وهو أمر إن حدث فإن الرئيس هادي وشرعيته يكونان قد خسرا آخر أوراقهما، وسيحدث التحول الخطير في المهمة العسكرية السعودية الإماراتية في اليمن إلى ممارسة الاحتلال المباشر، والمضي في مهمة الهندسة المريحة لـ"كانتونات" تحكمها سلطات شمولية منبوذة ومتصارعة.

وحتى إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، فإنها لن تقف أمام إرادة شريحة واسعة من اليمنيين لديها إمكانيات ممتازة للمقاومة، والتي سوف تمضي حتما في تأسيس دورها ووجودها على شرعية الدفاع على لدولة اليمنية المستباحة. 

وحينها سيكون بوسع تركيا أو غيرها أن يتصل بهذا المشروع ويقدم له الدعم، ولن يكون بوسع الإمارات والسعودية ومن يقف خلفهما الدفاع عن الوقائع الجديدة التي أنتجها البلدان على الساحة اليمنية وقوّضا بها الدولة اليمنية؛ بعد سنوات من ادعائهما أنهما كانا يدعمان السلطة الشرعية لإلحاق الهزيمة بالانقلابيين.

twitter.com/yaseentamimi68