قضايا وآراء

نساء مصر خط أخضر!!

1300x600

بينما يحتفي العالم باليوم العالمي لمواجهة العنف ضد المرأة (25 تشرين الثاني/ وفمبر) بإبداء التضامن معها، والسعي لإنقاذها من أيدي جلاديها، فإن شرطة السيسي تحتفل بطريقتها الخاصة، حيث أجريت وقائع الاحتفال لهذا العام في سجن النساء بالقناطر (شمالي القاهرة) الذي يكتظ بعشرات السجينات السياسيات اللاتي يدفعن ثمن مواقفهن، وأحيانا ثمن مواقف ذويهن من الرجال.

كان الاحتفال بـ"تجريدة" أمنية شاملة يوم السبت (21 تشرين الثاني/ نوفمبر)، لم تكن الأولى ولكنها كانت الأعنف خلال السنوات الماضية. لم يرقّ قلب جنرالات الداخلية المصرية لحال نسوة كبار أو زهرات أو مريضات فجرى ضربهن وسحلهن، ما تسبب في جروح لبعضهن. وحين تصدت بعض السجينات لتلك الهجمة العنيفة، كان نصيبهن النقل إلى "عنبر الجنائي" لتركهن فريسة للسجينات الجنائيات من صاحبات سوابق القتل والسرقة وتجارة المخدرات والدعارة.. الخ، كما أنه تم منع التريض عن بقية السجينات.

ماذا تفعل سجينات رأي خائرات القوى مثل إسراء خالد وبسمة رفعت وسارة عبد الله وسمية ماهر ونادية عبد الهادي، في مواجهة "لبؤات" السجن من سجينات القتل والمخدرات؟ وهل تعتقد مصلحة السجون أنها ستكون بريئة من دمهن لو أصابهن مكروه على يد أولئك الجنائيات؟ وهل تعتقد أنها ستسلم من الحساب على تلك الجريمة مهما طال الزمن؟ وهل تعتقد أنها بذلك ستنجح في كسر إرادة أولئك السجينات السياسيات العظيمات؟

علا القرضاوي، عائشة الشاطر، ماهينور المصري، هدى عبد المنعم، سولافة مجدي، حسيبة محسوب، علياء عواد، إسراء عبد الفتاح.. نماذج أخرى لسيدات مصريات خلف القضبان دون محاكمة، تهمتهن هي ممارسة حقهن في التعبير عن الرأي، أو قرابة بعضهن لأحدى الشخصيات الفكرية أو السياسية المعروفة. وكل من سبق هن محض عينة لعشرات النساء والفتيات المصريات المعتقلات حاليا (187 معتقلة بحسب تقرير مبادرة ’نحن نسجل‘ حتى آذار/ مارس الماضي).

 

الأرقام مفزعة عما تعرضت وتتعرض له النساء المصريات من صاحبات الرأي، فقد تعرضت 374 سيدة من كبار السن وطالبات مدارس وجامعات للاحتجاز التعسفي خلال 2019

الأرقام مفزعة عما تعرضت وتتعرض له النساء المصريات من صاحبات الرأي، فقد تعرضت 374 سيدة من كبار السن وطالبات المدارس والجامعات للاحتجاز التعسفي خلال 2019، فقط منهن 239 تم اعتقالهن على خلفية مظاهرات أيلول/ سبتمبر من العام الماضي (بخلاف سجينات أيلول/ سبتمبر 2020)، ومرت 303 سيدات بتجربة الاختفاء القسري خلال نفس المدة. ووصل عدد من قُتلن على يد قوات الجيش والشرطة إلى ما لا يقل عن 312 امرأة منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، قُتلن بالاستهداف المباشر قنصا، أو برصاص عشوائي أثناء مشاركتهن في تظاهرات، أو أثناء تغطيات صحفية، أو أثناء سيرهن في الشوارع، وكذلك بالقصف الجوي والمدفعي العشوائي على الأحياء السكنية في محافظة شمال سيناء (المصدر السابق).

ينص الدستور المصري المعمول به حاليا في مادته الحادية عشرة على التزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة.. إلخ، ويفاخر رأس النظام بأنه محبوب من نساء مصر، وهو يقصد السيدات اللاتي يخرجن للرقص أمام اللجان الانتخابية، ولكن الحقيقة أن ما تعرضت له المرأة المصرية من انتهاكات خلال عهده لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر..

لك أن تتصور أن سيدات في أعمار متقدمة (جدات) يقبعن خلف القضبان، مثل علا القرضاوي وهدى عبد المنعم، وسامية شنن، وقبلهن نجلاء القليوبي، ولك أن تتصور أن أمهات يعلن أطفالا صغارا يقبعن أيضا خلف القضبان، مثل سولافة مجدي وحسيبة محسوب (شقيقة الدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشؤون القانونية السابق)، وعائشة الشاطر (ابنة القيادي خيرت الشاطر) والدكتورة بسمة رفعت، ولك أن تتصور أن عشرات الفتيات في عمر الزهور يقبعن خلف القضبان محرومات من استكمال دراستهن الجامعية، ومحرومات من حقهن في الزواج (بعضهن مخطوبات بالفعل منذ سنوات)، ولك أن تتصور أن بعض السيدات المعتقلات يعانين أمراضا أو يحتجن لجراحات، ومع ذلك ترفض إدارة السجن علاجهن ولو على نفقتهن الخاصة.

سلوك شديد العدوانية تجاه حرائر مصر يتفوق على سلوك أهل الجاهلية، حيث رفض عمرو بن هشام (أبو جهل) أن يقتحم بيت محمد (صلى الله عليه وسلم) ويروع بناته، بينما تتلذذ شرطة السيسي باقتحام البيوت في الفجر وترويع أهلها وخاصة النساء والأطفال، وكذا بتعذيبهن وضربهن داخل السجون وأقسام الحجز..

عقب ثورة 25 يناير استعادت المرأة المصرية جزءا كبيرا من كرامتها كما بقية الشعب، وتوقفت الشرطة عن استخدام النساء كرهائن للضغط على مطلوبين لتسليم أنفسهم، وظهر بقوة شعار "النساء خط أحمر"، لذلك انتفض الثوار بسبب الاعتداء الأمني على إحدى الفتيات في أحداث مجلس الوزراء منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2011، وكذا ضد كشوف العذرية على يد المجلس العسكري لبعض الفتيات في ميدان التحرير.

 

تم كسر الخط الأحمر، ليحل محله الخط الأخضر الذي يفتح الطريق للقتل والاغتصاب والاعتقال والمطاردة، حيث جرى اعتقال العشرات بل المئات من النساء، وتم الاعتداء البدني والجنسي على بعضهن

وظل هذا الشعار مطبقا لبعض الوقت عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، فحين كانت الشرطة تقبض على بعض النساء كان التحالف الوطني لدعم الشرعية (كيان لرافضي الانقلاب) يصدر بيانا مطالبا بالإفراج الفوري عنهن تحت ذاك الشعار (النساء خط أحمر) وكانت الشرطة تستجيب في الغالب لطلب الإفراج، لكن الأمر تغيّر تدريجيا بعد ذلك مع تمكن النظام الانقلابي وترسيخ أقدامه، وتم كسر الخط الأحمر، ليحل محله الخط الأخضر الذي يفتح الطريق للقتل والاغتصاب والاعتقال والمطاردة، حيث جرى اعتقال العشرات بل المئات من النساء، وتم الاعتداء البدني والجنسي على بعضهن كنوع من الإذلال وكسر الإرادة لهن ولذويهن، وسط تخاذل واضح للمجلس القومي للمرأة ولمنظمات نسائية تقيم الدنيا ولا تقعدها بسبب أمور أتفه من ذلك بكثير.

بينما يحتفي العالم ومنظمته الأممية باليوم العالمي لمواجهة العنف ضد المرأة، فإن هذا العالم يقف عاجزا عن إنقاذ سجينات الرأي في مصر من العنف الذي يتعرضن له داخل محبسهن، ويتركهن فريسة لذئاب بشرية ارتدت بزات عسكرية، وأمسكت بأدوات قتل وقمع قدمتها دول تدعي الحداثة والمدنية واحترام حقوق الإنسان.

twitter.com/kotbelaraby