قضايا وآراء

هل عوقب إسلاميو الأردن على قرارهم بالمشاركة بالانتخابات؟

1300x600
الانطباع الأولي الذي خرج به كثيرون من الانتخابات البرلمانية التي جرت في الأردن في العاشر من الشهر الجاري، هو الخسارة الكبيرة لقوائم التحالف الوطني للإصلاح الذي دشنته الحركة الإسلامية في الأردن ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي.

وتشكل التحالف الوطني من 13 قائمة ضمت 85 مرشحا، بينهم ثلاثة مرشحين مسيحيين (تسعة مقاعد مخصصة للمسحيين).

فقد حصلت قائمة التحالف الوطني "الإصلاح" التي شكلتها الحركة الإسلامية على 10 مقاعد، من أصل 130 مقعدا هي مقاعد مجلس النواب الأردني.

والانطباع السالف عززته المقارنة بين ما حصلت عليه الحركة الإسلامية وتحالفها في عام 2016 (16 مقعدا) مع ما حصلت في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى خسارة عدة رموز، أبرزهم رئيس كتلة الإصلاح السابق والشخصية الوطنية المعروفة الوزير السابق عبد الله العكايلة، والنائبة السابقة ديمة طهبوب.

والحقيقة أننا أمام سؤال مركب يتكون من عدة فروع؛ الأول: هل عاقبت الدولة الحركة الإسلامية على قرارها المشاركة بالانتخابات؟ الثاني: هل عاقبت جماهير وأنصار الحركةِ الحركةَ على قرار المشاركة؟ الثالث: هل عاقب أبناء وأعضاء الحركة حركتهم؟

هل عاقبت الدولة الحركة؟

المتابع للمشهد الأردني يدرك أن الحكومة لم تكن معنية كثيرا بنسبة المشاركة في الانتخابات، ورغم الحشد الإعلامي والحملة التي قامت بها الهيئة المستقلة للانتخاب لحث الأردنيين للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهي الحملة التي ساندتها الحكومة ووسائلها الإعلامية، إلا أن القرارات على الأرض كانت تعكس عكس ذلك.

فالإجراءات التعسفية التي اتخذتها الحكومة بحق نقابة المعلمين ومجلسها المنتخب، والزج بقادة النقابة في السجون وحل النقابة، كرست مشاعر الإحباط لدى المجتمع الأردني وخصوصا لدى قواعد الحركة الإسلامية وأنصارها، خصوصا أن العديد من قادة النقابة محسوبون على الحركة الإسلامية. كما أن التعنت الحكومي في التعامل مع قضيتهم ورفض الإفراج عنهم، وقمع احتجاجات المعلمين، والذهاب أبعد من ذلك بقرار منع النشر في القضية حتى في وسائل التواصل الاجتماعي تحت طائلة العقاب؛ نشر مزيدا من الإحباط. الشعور بالإحباط تفاقم بعد أن أُعلن عن موعد الانتخابات بعد كل تلك الإجراءات مباشرة، وكان السؤال: لماذا تريدون انتخابات، وأنتم أجهضتم نتائج انتخابات حرة ونزيهة؟

تزايد إصابات كورونا

صحيح أن لتزايد إصابات كورونا، ووصولها إلى مستويات لم تشهدها المملكة من قبل أثر في تراجع المشاركة الشعبية في الانتخابات، إلا أن تهافت المواطنين على الأسواق في يوم الانتخاب استعدادا للحظر الشامل الذي أعلنته الحكومة لمدة أربعة أيام، لا يعكس ذلك بوضوح. وبتقديري فإن قرار الحكومة بالحظر الشامل بعد إغلاق الصناديق مباشرة كان له أثر أكبر في تراجع المشاركة من انتشار الفيروس؛ فقرار الحكومة أدى إلى تهافت الناس على الأسواق لتأمين احتياجاتها، وترك مراكز الاقتراع فارغة من ناحية، أما الأهم فهو الشعور الذي عززته الحكومة بأن يوم الاقتراع سيكون خطيرا وسيؤدي إلى انتشار الفيروس، وذلك رغم أن الهيئة المستقلة للانتخاب كثفت من دعايتها بأن مراكز الاقتراع آمنة وتتخذ جميع التدابير الصحية الوقائية التي تمنع انتشار الفيروس.

الضغوط على المرشحين

تتهم الحركة الإسلامية الحكومة وأجهزتها بأنها مارست ضغوطا على العديد من الشخصيات لتثنيهم من المشاركة في التحالف الوطني للإصلاح، كما أنها اتهمت الحكومة بممارسة ضغوط كبيرة على العديد من المرشحين الذين التحقوا بقوائمها، وتحدثت بالذات عن شخصيات مسيحية وشيشانية انسحبوا من قوائمها بعد تلك الضغوط.

وبالفعل فقد تحدث مرشح مسيحي وآخر شيشاني بصراحة عن ضغوط مورست عليهما للانسحاب من قائمة الإصلاح، وتلك الشخصيات كان ينظر على أن فوزها كان مضمونا.

ورغم أن الحكومة نفت تلك التهم، ورغم أن الهيئة المستقلة للانتخاب لم تتحقق من ذلك بحجة أن حزب الجبهة لم يبلغها رسميا بتلك الضغوط، إلا أن قواعد الحركة الإسلامية والكثير من أنصارها وجماهيرها وحتى من الناس العاديين يعتقدون بصحة تلك الضغوط. والحقيقة أن تلك الممارسات ليست غريبة على الحكومات الأردنية؛ فكاتب هذه السطور عاين العديد منها بشكل شخصي.

هذه الضغوط زادت من حالة الإحباط لدى قواعد وأنصار الحركة الإسلامية.

كل هذا أدى إلى أن تنخفض نسبة المشاركة العامة من حوالي 36.1 في المئة عام 2016، إلى 29.9 في المئة عام 2020.

نسبة المشاركة وأثرها

من المعروف في الأردن أن انخفاض نسبة المشاركة ينعكس سلبا على القوى الحزبية والسياسية أو القوى البرامجية التي لا تعتمد على العشيرة.

فهناك خمسة دوافع تدفع الناخب للذهاب إلى صندوق الاقتراع: الدافع العشائري؛ وهو أقوى الدوافع. وهذا الدافع لا يتأثر بعوامل الإحباط السياسي أو الاقتصادي أو بالعوامل الصحية أو حتى الجوية.

الدافع المصلحي؛ أن يكون للناخبين مصلحة عند المرشح. وهذا الدافع أيضا لا يتأثر بعوامل الإحباط السياسي أو الاقتصادي أو بالعوامل الصحية أو حتى الجوية.

الدافع الاقتصادي؛ أن يعرض الناخب صوته للبيع، وهذا الدافع أيضا لا يتأثر بعوامل الإحباط السياسي أو الاقتصادي أو بالعوامل الصحية أو حتى الجوية.

وفي الانتخابات الحالية تحدثت منظمات رقابية كـ"راصد" وتقارير إعلامية عن انتشار ظاهرة شراء الأصوات، وهو ما لم تنفه الهيئة المستقلة للانتخاب. إلا أن العديد من المرشحين الحزبيين اتهموا الجهات الحكومية المعنية بغض الطرف عن تلك الممارسات.

دافع المصلحة العامة، وهذا الدافع غالبا ما يتأثر بالأجواء العامة، ويتأثر بعوامل الإحباط السياسي أو الاقتصادي.

وأخيرا الدافع الأيديولوجي أو السياسي؛ والناخبون الذين يقترعون وفق هذا الدافع ينقسمون إلى قسمين؛ الكتل الصلبة للأحزاب والتيارات السياسية، وهؤلاء غالبا لا يتأثرون بعوامل الإحباط السياسي أو الاقتصادي أو بالعوامل الصحية أو حتى الجوية. وهؤلاء لا يمثلون عددا كبيرا، لكنهم الجهة المنوط بها تفعيل الأنصار والجماهير وهم القسم الثاني، وهم غالبا يتأثرون بعوامل الإحباط السياسي أو الاقتصادي أو بالعوامل الصحية أو حتى الجوية. وعند شيوع عوامل الإحباط تكون مهمة الكتلة الصلبة صعبة للغاية، أما المصيبة التي قد تحل بالأحزاب والقوى السياسية هو تأثر الكتلة الصلبة بالإحباط، وتقاعسها عن القيام بدورها في تحفيز الأنصار والجماهير.

من هنا تكون انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات غالبا في غير صالح الأحزاب والتيارات السياسية وأصحاب التوجهات السياسية.

أنصار الحركة الإسلامية

ما سلف ذكره (حل نقابة المعلمين، إصابات كورونا، الضغوط على مرشحي الحركة) أدى إلى إحباط كبير لدى جماهير وأنصار الحركة الإسلامية، وقد بدا ذلك واضحا من نسب المشاركة خصوصا في المناطق التي تعد معاقل للحركة الإسلامية.

ويمكن الحديث هنا أيضا عن أن تأييد قرار مشاركة الحركة الإسلامية في الانتخابات كان ضعيفا، ولم يكن هناك تفاعل كبير من أنصار الحركة وجماهيرها معه، بل لقد شهدنا انتقادات لهذا القرار، وذلك بناء على الظروف المستجدة وخصوصا ما يتعلق بنقابة المعلمين.

المسألة الجدية التي كانت تواجه مرشحي قوائم الإصلاح في لقاءاتهم الشعبية الضيقة (أمر الدفاع وتعليمات الهيئة المستقلة للانتخاب كانت تمنع التجمعات لأكثر من 20 شخصا)، هل أنتم قادرون على التغيير؟ مهما حصدتم من المقاعد ستبقون أقلية ولن تؤثروا على شيء! الحكومة تفعل ما تريد ومجلس النواب غير قادر على فعل شيء! كانت اللقاءات تعكس آراء المواطنين بمجلس النواب، وأنه لا فائدة ترجى منه، وأن النزول والترشح عبث. هذا ما كان يدور في تلك اللقاءات.

أعضاء الحركة الإسلامية

لقي قرار المشاركة في الانتخابات النيابية مخاضا عسيرا، رغم أن الحركة كانت قد حسمت أمرها في مثل هذه القضايا من خلال الرؤية التي تبنتها الحركة مؤخرا. وكان لافتا أن قرار المشاركة تأخر إلى 22 أيلول/ سبتمبر، أي قبل 48 يوما من الانتخابات. وحسب تصريحات قياديين في الحزب فقد حسم أمر المشاركة بأغلبية بسيطة جدا، لكن الحركة قدمت مبررات المشاركة، وهو ما يدل على أن القيادة كانت تعي الأجواء المحبطة التي تخيم على الشعب الأردني بشكل عام وعلى قواعدها وأنصارها وجماهيرها بشكل خاص. وقالت إن مشاركتها تأتي ضمن مساعي الحفاظ على المؤسسات الوطنية في وجه مشاريع إضعاف الدولة، وأن غيابها عن البرلمان يُعدُّ انسحابا من المعركة التي تستهدف الأردن وهويته وقواه الوطنية.

وكان المؤمل حسب أدبيات الحركة الإسلامية أن ينهي القرار الشوري أي جدال ونقاش حول مبررات المشاركة، وأن تتجه الجهود كلها نحو إنجاح قرار المشاركة. لكن يبدو أن الأمور لم تسر وفق المؤمل منه، وظل النقاش حول جدوى المشاركة مستمرا وإن بصوت خافت، لكن ذلك أثر على قدرة قواعد الحركة على الانتشار وتحفيز الأنصار والجماهير. بل ربما إن بعض قواعد الحركة آثرت الصمت هي كذلك، ولم تشارك بالإدلاء بصوتها يوم الاقتراع.

أرقام

تعطي أرقام المصوتين لقوائم الإصلاح مقارنة بأرقامها في انتخابات 2016 صورة جلية لمدى الإحباط الذي أصاب أنصارها وجماهيرها. 

فعلى سبيل المثال، حصلت قائمة الإصلاح في دائرة الزرقاء الأولى، وهي أحد معاقل الحركة الإسلامية، على 8687 صوتا في حين حصلت على 14518 صوتا في انتخابات 2016. وفي دائرة عمان الثانية حصلت على 6500 صوتا، في حين حصلت على 1096 صوتا في 2016. وفي عمان الثالثة فقد حصلت على 6379 صوتا، في حين حصلت على 10973 صوتا في 2016. وفي دائرة إربد الأولى حصلت على 7061 صوتا، في حين نافست بقائمتين وحصلتا على 14753 صوتا في 2016.

لكن الملاحظ أن الكتلة التصويتية للحركة لم تذهب إلى غيرهم، فقد آثرت الصمت وعدم الذهاب للاقتراع، ما قد يعني أنها مارست نوعا من السلوك العقابي، وأنها لم تقتنع بمبررات الحركة بالمشاركة، أو أن الكتلة الصلبة لم تستطع تفعيل قرار المشاركة وإقناع جماهير الحركة به، وهو ما يمكن النظر إليه أيضا كسلوك عقابي من الكتلة الصلبة.

فالأرقام تشير إلى أنه أينما كان هناك تراجع في التصويت للحركة الإسلامية كان يقابله انخفاض في نسبة المشاركة. ففي دائرة الزرقاء الأولى التي تمثل أحد معاقل الحركة، انخفضت نسبة المشاركة من 22.9 في المئة عام 2016 حيث حصلت الحركة على ثلاثة مقاعد، إلى 15.7 في المئة. وفي دائرة عمان الثانية انخفضت نسبة المشاركة من 20.7 في المئة عام 2016 حيث حصلت الحركة على مقعدين، إلى 13.9 في المئة، وحصلت على مقعد واحد. وفي دائرة عمان الثالثة انخفضت نسبة المشاركة من 19.2 عام 2016 حيث حصلت الحركة الإسلامية على مقعدين، إلى 11.7 في المئة وحصلت على مقعد واحد. وفي دائرة إربد الأولى انخفضت نسبة المشاركة من 34.9 في المئة ولم تحصل القائمتان على أي مقعد، إلى 28.5 في المئة ولم تحصل على أي مقعد.

وفي المجمل، فقد انخفضت نسبة المشاركة العامة في الانتخابات من 36.1 في المئة إلى 29.9 في المئة.

وبالطبع، فلا يمكن إغفال طريقة إدارة العملية الانتخابية من قبل الحركة واختيار المرشحين ومدى قبولهم وحضورهم الاجتماعي والسياسي، فهذه العوامل أيضا لها تأثير. وهنا يمكن الإشارة إلى الدائرة الخامسة في عمان، فرغم انخفاض نسبة التصويت فيها من 24.6 في المئة في 2016 إلى 17.1 في المئة في 2020، إلا أن انخفاض الأصوات لم يكن متوازيا مع انخفاض النسبة، حيث حصلت القائمة على 11402 صوتا وحصلت على مقعدين في 2016، فيما حصلت على 9111 صوتا وحصلت على مقعدين في 2020. كما يشار هنا إلى دائرة الكرك (ذات الطابع العشائري) التي نافست فيها بشكل فردي في عام 2016 ولم تحصل على أي مقعد، في حين نافست في الانتخابات الحالية بقائمة واضحة تحت عنوان "الإصلاح" وحصلت على أعلى الأصوات وفازت بمقعدين.

ويبدو أنه من السابق لأوانه بل من التسرع القول إن الحركة الإسلامية فقدت شعبيتها وخسرت أنصارها، فما رأيناه هو عبارة عن سلوك عقابي أكثر منه سلوكا تغييريا، والدليل أن جماهير الحركة الإسلامية آثرت الصمت ولم تتحول إلى تأييد جهة أخرى. وعليه فإن الحركة الإسلامية إذا ما وجدت قاعدة عمل مشتركة مع جماهيرها فستعود إلى زخمها.

ويبدو أن قيادة الحركة، ورغم معرفتها المسبقة بحجم الإحباط لدى الشارع الأردني بشكل عام وقواعد الحركة وجماهيرها بشكل خاص، إلا أنها لم تستطع تقدير نتائج ذلك الإحباط بشكل دقيق. وعليه يبدو أنها لم تبذل الجهد الكافي والمطلوب لإقناع قواعدها بمبررات المشاركة، ناهيك عن تفعيلهم وتحفيزهم للعمل. ويبدو أن أوامر الدفاع ومنع الاجتماعات العامة قد أضعف كثيرا الاحتكاك المباشر واللقاءات المباشرة بين القيادة وقواعد الحركة.
  
هل عوقبت وحدها؟

والسؤال المطروح هو هل عوقبت الحركة الإسلامية وحدها؟ في الواقع فإن الأرقام تشير إلى أن الناخب الأردني عاقب الجميع؛ فقد عاقب الحكومة والهيئة المستقلة للانتخاب على إصرارها إجراء الانتخابات في ظل التفشي الواسع لفيروس كورونا، فانخفضت نسبة المشاركة حوالي 6 في المئة عن انتخابات 2016، ولولا قرار الهيئة، غير المبرر، بتمديد الاقتراع ساعتين، لما وصلت النسبة إلى أكثر من 27 في المئة.

كما عاقب الناخبون مجلس النواب السابق، فقد فشل كثير من النواب السابقين بالحصول على مقعد. وتشير الإحصائيات إلى ترشح 92 نائبا من المجلس السابق، فاز منهم 16 فقط. ويشار هنا إلى 100 نائب جديد دخلوا المجلس لأول مرة من أصل 130 كامل أعضاء المجلس.

كما عاقب الناخبون الأحزاب القومية واليسارية، فلم تحصل على أي مقعد.

وعاقب الناخبون التيار المدني فخسرت قائمته في الانتخابات.

وعاقب الناخبون المرأة فلم تستطع أي سيدة الحصول على مقعد خارج الكوتا، فيما حصلت خمسة منهن على مقاعد خارج الكوتا في انتخابات 2016.

وقد يكون الناخبون عاقبوا أنفسهم أيضا، فتركيبة المجلس الحالية يعتقد أنها أضعف من تركيبة المجلس السابق الذي أشبعوه هجوا ونقدا!!