مقالات مختارة

يجب على بايدن أن ينهي تحالف ترامب مع محمد بن سلمان

1300x600

يعتقد المتشككون في العالم العربي أن نجاح جو بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 لن يؤدي إلا إلى فترة أخرى من المقاربات الضالة في التعامل مع القضايا الملحة التي تبتلى بها المنطقة.


إلا أن أمام الرئيس المنتخب فرصة حقيقية للتراجع عن سياسة الولايات المتحدة الخارجية، التي ما لبثت تحابي وتقوي الطغاة الذي يحرمون شعوبهم من أبسط الحقوق والقيم، بينما تعدّ هذه الحقوق والقيم مقدسة داخل الولايات المتحدة حين يتعلق الأمر بمواطنيها. ولما تعرضت هذه الحقوق والقيم للتهديد أثناء وجود ترامب في البيت الأبيض، باتت أمام بايدن مهمة جبارة تتمثل في علاج الأضرار التي وقعت محليا، وتحسين الأداء دوليا. 


ينبغي أن تتوقف الولايات المتحدة بقيادة بايدن عن القيام بدور الممكن الرئيسي للنظام السعودي، الذي ما فتئ يعمل على تقويض أمن شعبه، ويسعى إلى مد نفوذه في الخارج، ما خلف حالة من الفوضى وسفك الدماء في المنطقة، وبشكل خاص في اليمن. بينما لا قبل لأي قوة مهما كانت عظيمة بوقف النضال من أجل الحرية داخل المملكة العربية السعودية، لعبت الولايات المتحدة دورا بارزا في حماية الحكام المستبدين من المحاسبة الدولية، ولا أدل على ذلك من الجهود المستمرة التي يبذلها الرئيس دونالد ترامب لحماية قتلة الصحفي في موقع ميدل إيست آي وصحيفة الواشنطن بوست جمال خاشقجي قبل عامين اثنين. 


أمام بايدن فرصة الآن لأن يعلن على الملأ تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حول جريمة قتل خاشقجي، ولأن يطالب بالعدالة الحقيقية. ستكون تلك هي الخطوة الأولى في اتجاه إعادة الثقة بالولايات المتحدة، التي ينبغي ألا تكتفي بوعظ الآخرين بالتزام الديمقراطية وسيادة القانون، بل ينبغي عليها أن تتصرف انطلاقا من القيم التي تتمسك بها داخل حدودها. 


ينبغي على بايدن أن يصر على أن أي شراكة مع المملكة العربية السعودية في المستقبل ستكون مشروطة باحترام الرياض لحقوق الإنسان لمواطنيها ولحرية التعبير، وللتطلع نحو تغيير سياسي حقيقي. ما من شك في أن الأمريكيين محظوظون؛ إذ تمكنوا من التخلص ممن لديهم القابلية للاستبداد. أما السعوديون، فما زالوا يتطلعون إلى اليوم الذي يتمتعون فيه بمثل تلك الفرصة.


تزدحم السجون السعودية بالسجناء السياسيين؛ بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير، وهي الحرية التي اختطفها ويحتكرها ولي العهد محمد بن سلمان. ينبغي على بايدن أن يتصرف بسرعة لوضع الضغوط على ولي العهد؛ حتى يحرر المدافعات عن حقوق النساء والمفكرين والنشطاء الذين يقبعون خلف القضبان في سجون المملكة، خاصة أن السعوديين غير قادرين على ممارسة أي ضغوط حقيقية تكفل تحريرهم. من شأن ذلك ليس فقط أن ينال تقدير الشعب السعودي، بل وأن يعيد الثقة في الولايات المتحدة كمتصدر للدفاع عن حق حرية التعبير عالميا. 


مركز للتطرف

 
ينبغي على بايدن أن يعلم بأن الدكتاتورية ليست النمط المثالي للحكم إذا ما أريد الحفاظ على الاستقرار والأمن، بل هي التي تحول البلد إلى مركز للتطرف والفوضى والتمرد. ولقد ذاقت الولايات المتحدة على أرضها ويلات التطرف والإرهاب الذي نما وترعرع تحت مظلة الشريك السعودي. 


من مصلحة الولايات المتحدة أن تدرك أن الاستقرار قصير المدى في ظل الدكتاتوريات التي يديرها شركاؤها العرب إنما هو وصفة لكارثة ستصل تداعياتها في نهاية المطاف إلى التراب الأمريكي. لحماية الولايات المتحدة واستعادة موقعها في العالم، يحتاج بايدن على عجل إلى إعادة النظر في الدعم غير المشروط الذي وفره سلفه لنظام حكم في السعودية يحرم مواطنيه مما تُعلي الولايات المتحدة من شأنه، ألا وهو الحرية. 


إن تقييد القدرات العسكرية للنظام السعودي -التي تُشترى بشكل أساسي من الولايات المتحدة- على الاستمرار في شن الحرب التي مضى عليها خمسة أعوام في اليمن من شأنه ليس فقط إنقاذ هذا البلد الفقير من الانهيار التام، وإنما ينهي أيضا تحول اليمن إلى حاضنة للإرهاب، الذي ستتجاوز آثاره وتداعياته حدود البلد بل وحدود الإقليم. 


ينبغي على بايدن أن ينهي قدرة المملكة العربية السعودية على ضعضعة الأوضاع في العالم العربي، ويأتي على رأس ذلك وضع حد لإجراءاتها المضادة للثورة، التي أجهضت الانتفاضات العربية التي انطلقت في عام 2011، وأعادت إلى الحكم الأنظمة السلطوية. لقد آن الأوان بعد مرور عشرة أعوام لأن يكرم ضحايا تلك الموجة من التحول الديمقراطي، وأن يقيد أولئك الذين مكنوا أنظمة الحكم العسكرية من العودة في بلدان مثل مصر. 


أمام بايدن فرصة هنا للتأكيد على التزام الولايات المتحدة بالديمقراطية في العالم العربي، وأن تفك شراكتها مع الأنظمة التي تستمر في إجهاض الكرامة والحرية والعدالة. 


مفاوض محايد

 
كما يوجد أمام بايدن فرصة للعمل في قضيتين ساخنتين. بإمكانه أولا أن ينهي الاستقطاب في المنطقة العربية بين المعسكرين السعودي والإيراني. وهذا يتطلب العودة إلى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، الأمر الذي من المؤكد أن يزعج السعوديين، وفي الوقت ذاته عليه أن يدفع السعودية باتجاه التخلي عن خطابها العدواني، والولوج في مفاوضات خاصة بهم. 


على بايدن أن يعلم بأن المملكة العربية السعودية لا يمكنها أبدا أن تكسب وحدها حربا مع إيران، ولا حتى بمساعدة الحليف الإسرائيلي الجديد، ولسوف يحتاجون إلى جنود وتكنولوجيا وأسلحة أمريكا في أي مواجهة قادمة مع إيران. 


ومع ذلك، فالموضوع هنا ليس كسب الحرب ضد إيران، وهي الحرب التي ستجلب إلى المنطقة مزيدا من الموت والطائفية والصدام، وإنما السعي لإحلال السلام. تحتاج الولايات المتحدة لأن تقوم بدور المفاوض المحايد بين المملكة العربية السعودية وإيران، بدلا من أن تتبنى دورا منحازا ضد إيران استمرارا للنهج الذي ما لبثت تسلكه منذ الثورة الإيرانية في عام 1979. لا يريد الشعب السعودي حربا مع إيران، إنما قيادته هي التي تريد ذلك. 


ثانيا، إذا لم يتعامل بايدن مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بفعالية لضمان استعادة الفلسطينيين لحق إقامة دولة خاصة بهم دون المخاطرة بالأمن الإسرائيلي، فإن أي تطبيع أحادي قادم مع إسرائيل سيكون مضيعة للطاقة والموارد. 


يكمن حل المأساة الفلسطينية في القدس وليس في الرياض، وحتى لو طبع ولي عهد السعودية العلاقات مع إسرائيل، فإن السلام الدائم مع العالم العربي لن يقوم من دون حصول الفلسطينيين على حقهم التاريخي في السيادة على أرض وطنهم. 


مستقبل أفضل

 
يتطلب تخلي بايدن عن سياسات سلفه الاعتراف بأن المواطنين السعوديين، بل والمواطنين العرب بشكل عام، يستحقون مستقبلا أفضل يتمتعون فيه بما قاتل الأمريكيون بشراسة من أجله في انتخابات 2020. 


لقد ألحقت الأعوام الأربعة التي حكم فيها ترامب أضرارا كبيرة بسمعة الولايات المتحدة في العالم العربي، وذلك أنه منح شركاءه السلطويين شيكا على بياض ليطبقوا سياساتهم المتعصبة والشعبوية والإجرامية والمخاتلة. ما من شك في أن النظام السعودي استفاد من تحول البيت الأبيض في عهد ترامب إلى موطن للتعصب، وآن الأوان لأن يزيد بايدن من الضغط على شركاء بلاده الخارجين عن القانون في المنطقة.