تقارير

شعراء فلسطين.. كلمات أقوى من الرصاص (شاهد)

شعراء فلسطين كان دورهم بارزا منذ عشرينيات القرن الماضي- عربي21

مع تصاعد المعاناة وتوالي الأزمات التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين، تصدح دوما حناجر شعراء فلسطين بكلمات أقوى من الرصاص، من أجل الدفاع عن شعبهم من ظلم الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على حقوقهم المشروعة المختلفة، وحقهم في النضال حتى تحرير فلسطين.


كلمات من ذهب

 
وفي مختلف الأوقات التي عاشها الشعب الفلسطينية وعاشتها قضيته العادلة، مرت أجيال مختلفة من الشعراء، ممن كان لهم عظيم الأثر والتأثير، بالحفاظ على إبقاء قضية فلسطين حية في قلوب وعقول شعوب الأمتين العربية والإسلامية، وحتى الشعوب الحرة في العالم.


وعن دور شعراء فلسطين الكبير، أوضح رئيس رابطة الأدباء والكتاب الفلسطينيين، الشاعر والأديب الأكاديمي عبد الخالق العف، أن "دور الشاعر الفلسطيني تجاه فلسطين، واضح جدا منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مستذكرا الشعراء، حسن البحيري ومطلق عبد الخالق وغيرهم من الشعراء القدامى الذين كتبوا عن الثورات المتتالية ومنها ثورة البراق (1929) في تلك الفترة".


وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "شعراء فلسطين كانوا يشاركون في النضال بالكلمة والقتال؛ وبدت الصورة أكثر وضوحا في الثلاثينات تزامنا مع ثورة عز الدين القسام (1935)، وظهرت أسماء مهمة جدا منهم؛ إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود؛ شهيد "معركة الشجرة"، الذي كان يقاتل مع القسام القوات البريطانية والصهيونية، وكان ينشد الشعر في المعركة، وهو صاحب القصيدة الخالدة؛ "سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى، فإمّا حياة تسرّ الصديق وإمّا مماتٌ يغيظ العدى، ونفسُ الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيلُ المنى ...".


وأما الشاعر طوقان، "كان يحكي عن سماسرة بيع الأرض والجهاد ضد الإنجليز وضرورة توحد الأمة في مواجهة الانتداب البريطاني والصهاينة بعد ذلك، كما ظهر العديد من الشعراء منهم؛ عبد الكريم الكرمي وسلمى الخضراء الجيوسي، وغيرهم الكثير من الشعراء الكبار، وصولا إلى محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، عزالدين المناصرة وراشد حسين؛ وهم شعراء الأرض المحتلة، الذين شاركوا في صناعة الثورة الفلسطينية والدفاع عن الأرض".


وذكر العف الذي بدأ كتابة الشعر في المرحلة الثانوية عام 1978، أن الشاعر درويش الذي كان يسمى "شاعر الأرض المحتلة"، له "الكثير من الأشعار المعروفة في الوطن العربي، بل ملهمة للثوار في العالم وليس فقط الوطن العربي، وشعره يدرس، وكتبت فيه آلاف الرسائل العلمية، وهذا دليل على الأثر الكبير جدا لشعراء القضية الفلسطينية؛ في النضال الفلسطيني في الداخل والنضال الثقافي الفلسطيني في الخارج، فشعرهم يكتب بماء الذهب، وهنا لا ننسى "منتصب القامة أمشي"، و "تقدموا" وغيرها الكثير والكثير من القصائد التي لا تحصى".

 

 

منتصب القامة أمشي

 

تقدموا

 

أقوى من الرصاص

 

وقال إن الشاعر الفلسطيني كان سلاحا في المعركة، وكانت كلماتهم أقوى من الرصاص، وحتى الأدباء في المجال الرواية، كانت كلمات روايتهم مقاومة، فالأديب غسان كنفاني كان يقاوم بـ"رجال تحت الشمس"، "سرير رقم12" و"أرض البرتقال الحزين" وغيرها، إضافة إلى إبراهيم نصرالله و إميل حبيبي.."، مضيفا: "شعراء وأدباء فلسطين كانوا عنصر فاعل جدا في دعم قضيتنا في مختلف عصورها".


ونوه الشاعر الفلسطيني، صاحب الكثير من الإسهامات الشعرية والأدبية، وله ديوان "شدوا الجراح" وديوان "ومنهم من ينتظر"، أنه "رغم وفاة الكثير من الشعراء، إلا أن أشعارهم تردد إلى اليوم، وهي مؤثرة وخاصة لدى الشعوب العربية،، وأضاف: "خلال زيارتي للعديد من الدول العربية، وجدتهم يتغنون بهذه القصائد الشهيرة، وكنت في قمة سعادتي عندما وجدت قصيدة لي، يغنيها طلبة جامعة الخرطوم، وتساءلت: كيف وصلت ومن الذي أوصلها ومن تبنى تلحينها؟".


وتابع: "في الأردن كنت مذهولا وبكيت، عندما سمعت الأطفال يغنون شعرا شعبيا كتبته عام 1979، "إحنا مرابطين على ساحل الشام رب الأكوان راضي علينا، إحنا بايعين النفس زمان أصل الإسلام غالي علينا، ثبت يا رب خطاوينا.."، مؤكدا أن "الكلمات الصادقة المعبرة، تصل، فهي لها أثر عظيم في الدفاع عن حقوق شعبنا، وتشرح قضيته بالشعر والنثر والرواية".


احنا مرابطين

 

وعن واقع الشعراء اليوم، نبه رئيس رابطة الأدباء والشعراء إلى أن "الأجيال تتواصل، هناك اليوم شعراء شباب على نفس الدرب، ولهم قوة في الكلمة والوزن واللغة، ومنهم من يكتب شعرا عميقا، ونحن في الرابطة نتواصل مع العديد منهم، وقمنا بطباعة 36 ديوانا شعريا مقاوما لشعراء شباب، كلماتهم غاية في الجمال، إضافة إلى طباعة العديد من الروايات".


حرب ضد الشعراء

 
ورأى أن "المساهمة في نشر هذه الأعمال، تساعد الشعراء الشباب وتمنحهم الثقة؛ بأنهم على الدرب، من أجل مواصلة كتابة الشعر والأدب المقاوم المدافع عن فلسطين"، لافتا إلى أن "الحركة الشعرية بخير، رغم كل هذه المعاناة والحصار وهذا الضيق الشديد المفروض على شعبنا، إلا أنه ينطلق بكلماته بطرق مختلفة، ويسمع صوته للعالم، أنا على الدرب ماضون".


قصيدة للشاعر عبد الخالف العف غزة انتصار السيف والقلم

 

التطبيع خيانة


والمتتبع لمسيرة شعراء فلسطين، يجد أنهم لم يسلموا من بطش الاحتلال، بل كانت كلماتهم على الدوام في دائرة الاستهداف، ومن بين من استهدفتهم حديثا سلطات الاحتلال، الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور (38عاما) من بلدة الرينة قضاء الناصرة، بالداخل الفلسطيني المحتل، والتي اعتقلت في تشرين الأول/أكتوبر 2015، بعد نشرها قصيدة بعنوان: "قاوم يا شعبي قاومهم.. قاوم سطو المستوطن.. واتبع قافلة الشهداء"، وأفرج عنها بعد 3 سنوات؛ ما بين السجن والنفي.

 

ورأت الشاعرة طاطور، أن "الشعر والشعراء، أفضل وسيلة لنقل معاناة ورسالة الشعب الفلسطيني عبر العصور المختلفة، وهي من أفضل الوسائل للتواصل مع شعوب العالم المختلفة، لإظهار كذب ما يحاول الاحتلال ترويجه في العالم بشأن الشعب الفلسطيني، وكشف زيف الديمقراطية التي يزعمها"، مؤكدة أنها تعرضت للتعذيب من قبل الاحتلال خلال سنوات اعتقالها، لرفضها الاعتذار عن تلك القصيدة.


ونوهت في حديثها لـ"عربي21"، أنها كشاعرة فلسطينية، تتحدث وتكتب الشعر عن حياتها ومعاناتها اليومية تحت الاحتلال، والتي "من المفترض أن نعيشها بشكل طبيعي، ضمن وطن حر بلا احتلال"، مضيفة: "شعراء فلسطين، هم من أكثر الشعراء الذين كتبوا عن المعاناة والحقوق والإنسانية والاحتلال، وحتى عندما أكتب عن الحب، تكن تلك الأبيات مدمجة بألم الاحتلال، وتقع كلماتي بين الحرب والحب".


كلمات ممنوعة

 
وأشارت طاطور، إلى وجود حالة من العزوف من قبل العديد من شعراء اليوم، لكتابة "الشعر السياسي الخاص بفلسطين، والذي يتم من خلاله التعبير عن الحقوق الفلسطينية، رغم أن هذا النوع كان محور كتابات كبار شعراء فلسطين بالأمس"، منوهة أن "من حقنا أن نكتب عن العنصرية، الحيرة، الجدار، المقاومة، الشهداء والأسرى..".


وشددت على أهمية الاهتمام بالثقافة والكتابة وطباعة الكتب الورقية، بدلا من الاهتمام الزائد بالتكنولوجيا والمرئيات والصوتيات والكتابات الإلكترونية.


قصيدة أَخي فـي الـحزْن لا تأْسَى

 


وعن حرب الاحتلال ضد الكلمة الحرة، أكدت الشاعرة الفلسطينية، أن "أكثر ما يكرهه الاحتلال، الإنسان المثقف الذي يعرف حقوقه وحقوق شعبه ويطالب بها، ويسعى للحفاظ على الهوية الوطنية"، مضيفة: "الاحتلال يخشى أن يصل الصوت الفلسطيني عبر الشعر الحر للعالم ولقلوب الشعوب الأخرى، لذا يحارب الشعراء والمثقفين والفنانين الفلسطينيين، ويحاول منعنا من التعبير عن معاناة شعبنا".


وبينت أن "الاحتلال وخلال سعيه لكتم صوت الشاعر والفنان الفلسطيني، سن العديد من القوانين العنصرية لتقييد حرية الكلمة، من مثل؛ قانون النكبة، قانون الإرهاب وقانون وسائل التواصل وغيرها، إضافة إلى محاربة المحتوى الفلسطيني على فيسبوك"، مضيفة: "الاحتلال يريد منا أن نرى ولا نتحدث، نسمع ونخرس، وهذا لن يحدث، وها أنا بعد خروجي من السجن نكتب الشعر".


وأكدت طاطور، أن ممارسات الاحتلال القمعية ضد شعبنا وضد شعراء فلسطين، "لن تنجح في كتم صوتنا، بل هي دافع لكي ينتفض الشعراء بشكل أكبر وأعمق، من أجل إيصال رسالة شعبنا العادلة للعالم بشتى الأشكال والطرق"، موضحة أن "زيادة الضغط يولد الانفجار؛ فلقد دخلت السجن على قصيدة واحدة، وخرجت بثلاث كتب، واستخدمت ذات الكلمات التي منعوني من استخدامها من مثل؛ شهيد، مقاومة، انتفاضة وغيرها".


قصيدة النساء الشاعرة دارين طاطور