سياسة عربية

لماذا اختار رئيس الجزائر هذا الموعد لاستفتاء تعديل الدستور؟

الأول من نوفمبر هو تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1954- جيتي

أثار اختيار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون موعدا شديد الرمزية في الجزائر، لتنظيم الاستفتاء حول الدستور الجديد، ردود فعل متباينة داخل الطبقة السياسية المتحفظة في أغلبها على شكل التعديل ومضمونه.


وحدد تبون بعد مشاورات أجراها مع رئيس السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات محمد شرفي، موعد الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، للاستفتاء على تعديل الدستور، وهو تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1954.


وتشارف النسخة النهائية من الدستور على الاكتمال، بعد المسار الذي أطلقه الرئيس الجزائري بتعيين لجنة خبراء انتهت بصياغة مسودة تم عرضها على النقاش واستقبال اقتراحات الأحزاب والمنظمات والشخصية الوطنية، قبل أن تعكف نفس اللجنة على تعديل المسودة وإدراج الاقتراحات المجمع عليها ضمن الوثيقة التي ستسلم للرئيس.


لكن من الواضح أن هناك توجسا عاما من مضمون الدستور رغم أنه النسخة النهائية لم تظهر بعد، وذلك قياسا للتعديلات المثيرة للجدل التي وردت في المسودة والتي تخشى بعض الأحزاب أن يتم الإبقاء عليها.


وأمام هذا التحفظ الذي ظهر حتى في التيار المساند للانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحاول الرئاسة جاهدة إيجاد وسائل الإقناع لتمرير الدستور باعتباره أول "ورشة إصلاحات كبرى" يبدأ بها الرئيس تبون عهدته الرئاسية.


ولم يكن اختيار الأول من نوفمبر عبثيا، فهو يوم تحاول من خلاله السلطة إزالة بعض الشكوك التي رافقت مناقشة مسودة الدستور، خصوصا فيما يتعلق بالمرجعية الوطنية التي هناك من رأى في النص المقدم محاولة للابتعاد عنها.


ولن يكون هذا التاريخ المنتظر مشحونا فقط بالرمزية الثورية، بل أيضا بالعاطفة الدينية للجزائريين كونه سيشهد تدشين مسجد الجزائر الأعظم وهو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين تم بناؤه بميزانية ضخمة لتثبيت "هوية الجزائريين الإسلامية".

 

اقرأ أيضا: أحزاب ونقابات وشخصيات جزائرية تطلق مبادرة للإصلاح (شاهد)

الفئة المستهدفة


وترى لويزة آيت حمادوش، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن اختيار هذا التاريخ مرتبط بالجهات المستهدفة كي تكون قوة مدعمة الدستور.


وأوضحت آيت حمادوش في تصريح لـ"عربي21"، قائلة: " يبدو أن مسار المنتهج من طرف السلطة يرتكز على التيار المسمى "وطني-محافظ" المتحالف مع جزء من التيار "الإسلامي- التشاركي"، وهي إستراتيجية كلاسيكية تمثلت في الائتلاف الرئاسي مثلا في السابق وحاليا تريد السلطة السياسية من خلال هذا الوعاء تجديد قاعدتها الاجتماعية". 


وفي الواقع تعمل الرئاسة في الجزائر على استقطاب داعمين، مثل مبادرة الإصلاح الأخيرة المشكلة من أحزاب ونقابات مؤثرة، وكذلك تعمل على استمالة جمعيات عبر تحركات كثيفة لمستشار الرئيس المكلف بالمجتمع المدني في الولايات.


لكن هذه الاستراتيجية وفق المحللة السياسية تعاني من تناقضات قد تحدّ من فعاليتها، أولها أن اختيار هذا التاريخ يتناقض مع النصوص التي أصدرتها السلطات الجزائرية والتي تجعل من أول نوفمبر مرجعية مقدسة لكل الجزائريين وللدولة الجزائرية، بحيث تم إدراج المنع القطعي لاستغلال الثوابت الوطنية لأهداف سياسية في القانون.


أما التناقض الثاني في اعتقاد آيت حمادوش، يكمن في أن السلطة المنبثقة من انتخابات 12 كانون الأول/ديسمبر 2019،  بنت رسالتها السياسية على أساس الجزائر الجديدة التي يفترض أنها ترتكز على مشروعية جديدة، في حين الرجوع إلى المشروعية التاريخية الثورية التي تمثل إحدى مصادر مشروعية السلطة السابقة يوحي بالاستمرار وليس القطيعة التي تنادي بها السلطة السياسية الحالية.


خلاف حول طريقة التعديل


ولم يختلف التحليل كثير من جانب بعض الأحزاب، فقد ذكرت لويزة حنون زعيمة حزب العمال إن السلطة تريد فرض الأمر الواقع عبر الاستفتاء المعلن في الفاتح نوفمبر، وهو يوم يجب أن يبقى حسبها، يمثل ذكرى اندلاع الثورة المسلحة وإحداث القطيعة الكلية مع النظام الاستعماري.


وبغض النظر عن التاريخ، اتهمت حنون في اجتماع لحزبها، السلطة بمصادرة إرادة الشعب، عبر فرض دستور لا يعبر عن تطلعات الأغلبية، واعتبرت أن النقاش الذي ساد حوله كان صوريا ولم يشارك فيه إلا من يريد استمرار الوضع القائم، ما يجعله حسبها غير نابع من الإرادة الشعبية. 


ورغم رفضها لمسار التعديل، سبق للسياسية اليسارية أن عبّرت عن مخاوف كبيرة من إدراج مادة تسمح للجيش الجزائري بالقيام بمهمات خارج الوطن واعتبرت ذلك خروجا عن العقيدة العسكرية التي كرّستها الثورة التحريرية الجزائرية بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.


وتعتقد حنون أن الشكل في الدستور أهم من المضمون، بمعنى أن مسار تعديل الدستور يجب أن ينطلق من القاعدة التي تختار ممثليها في مجلس تأسيسي لتحديد طبيعة النظام وصياغة الدستور، وهو ما لم يتم في دستور تبون الذي اختار الطريقة المعتادة في الجزائر بتعيين لجنة خبراء تعكف على التعديلات.


ويتقاسم هذا الرأي أغلب الأحزاب السياسية التي رفضت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي قوى أحجمت تماما عن نقاش مضمون مسودة الدستور واعتبرته من الأساس غير توافقي ولا يعبر عن إرادة الجزائريين.


ويعبر عن هذا الرأي، الأحزاب المنخرطة في تكتل البديل الديمقراطي، وهو تحالف معارض يضم قوى اليسار المعتدل وأقصى اليسار، ويطالب بمسار تأسيسي ومرحلة انتقالية لعلاج ما يراه أزمة سياسية في البلاد.

 

اقرأ أيضا: لماذا تتحدث السلطة في الجزائر عن مؤامرة؟

مخاوف من المضمون


ويوجد بالمقابل، أحزاب لم تتحفظ على طريقة تعديل الدستور، لكنها عبرت عن خيبة أملها من مضمون المسودة المعروضة وهي تخشى اليوم من أن تتكرس تعديلات المسودة في الوثيقة النهائية، وهو حال حركة مجتمع السلم التي قال رئيسها عبد الرزاق مقري إن الإشكال ليس في تاريخ الاستفتاء ولكن في المضمون الذي سيتضمنه الدستور.


وأوضح ناصر حمدادوش عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، أن هناك خشية في ألا يجسد دستوريا التغيير الحقيقي والجذري والشامل، وألا يترجم مطالب الحراك الشعبي المبارك في مطالبه السياسية الأساسية، وألا يعكس تعهدات الرئيس والتزاماته الانتخابية، وألا ينسجم مع المعايير الدولية في وضع الدساتير، ومنها طبيعة النظام السياسي وفق أصوله، وتحقيق معايير الحكم الراشد.


وأبرز حمدادوش في تصريح لـ"عربي 21"، أن من بين مطالب حزبه التي لن يتنازل عنها، تكريس وتعزيز أبعاد الهوية والثوابت الوطنية، والتي على رأسها دسترة بيان أول نوفمبر، واعتبار الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع الوطني، وإلزامية تعميم استعمال اللغة العربية، وترقية الأمازيغية ضمن إطار بعدها الحضاري العربي الإسلامي، وتجريم استعمال اللغات الأجنبية في الوثائق والمؤسسات الرسمية.


وأضاف النائب في البرلمان الجزائري، أن المطلوب هو الفصل في طبيعة النظام السياسي وفق المعايير الدولية، مثل تعيين رئيس الحكومة إجباريا من الأغلبية البرلمانية أو من الحزب الفائز الأول في الانتخابات التشريعية، وتقاسم المسؤولية والصلاحيات في الدولة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.


وأشار إلى أنه يجب ضمان الفصل الحقيقي بين السلطات والتوازن بينها، والحسم في الإجراءات الدستورية الضامنة لاستقلالية القضاء (فصل المجلس الأعلى للقضاء عن السلطة التنفيذية)، وتكريس مبدأ الانتخاب على حساب تغوّل ثقافة التعيين، وخاصة في المجالس الرقابية والتمثيلية وعلى رأسها: المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية والسلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات.