قضايا وآراء

مصر هبة "الكونغو"

1300x600

مع فشل مفاوضات سد النهضة "المتكررة"، وإعلان إثيوبيا أن نهر النيل الأزرق قد صار "بحيرة إثيوبية" وليس "نهرا دوليا"، ومع إعلان السيسي عن حاجة البلاد لقرابة 435 مليار جنيه لبناء محطات تحلية مياه بحر لتعويض العجز الناتج عن "ملء سد النهضة"، ومع تصريحات وزير الري السابق محمد نصر علام لوسائل الإعلام المصري قبل عدة أعوام عن عجز يقدر بـ35 مليار متر مكعب بعد تشغيل سد النهضة.. تجمعت كل تلك "المخاوف" لدى العديد من المواطنين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتجدد الحديث مرة أخرى عن مشروع ربط "حوض النيل الأبيض" بحوض "نهر الكونغو"، بهدف إيجاد حل "دائم" لمشكلة المياه في الدولة المصرية على المدى القصير والطويل أيضا.

موضوع ربط حوض النيل الأبيض بحوض نهر الكونغو قد "قُتل" بحثا، وتأكد فشل الفكرة من الناحية "الهندسية"، بالإضافة لتعقيداته "السياسية"، حيث ستتأثر بهذا المشروع عدة دول شركاء معنا بحوض النيل الأبيض، ومنها دول "غارقة" في المستنقعات وغير مستعدة بتاتا لتقبل فكرة زيادة تدفقات النيل الأبيض من أجل "عيون" الشعب المصري.

وأحد عناصر المشكلة الفنية لهذا المشروع أن أعلى منسوب بحوض "نهر الكونغو" هو أدنى منسوب لحوض "النيل الأبيض" بقرابة 250 مترا، وأن أقصر مسافة بين الحوضين تعادل تقريبا 600 كم.

وعليه، فإن عملية نقل قرابة 100 مليار متر مكعب سنويا من الكونغو للنيل الأبيض، أي بمعدل 300 مليون متر مكعب يوميا أي قرابة 12.5 مليون متر مكعب في الساعة الواحدة، أي قرابة 200 ألف متر مكعب في الدقيقة، أي قرابة 3300 متر مكعب في الثانية، هو أمر "جلي" ومعجزة "فنية" لم تتواجد على ظهر كوكب الأرض من قبل.

بمعنى آخر، أنه حتى يتم نقل "100 مليار متر مكعب سنويا" من نهر "الكونغو" لحوض "النيل الأبيض" فلا بد من عمل نهر من "المواسير الضخمة"، يصل طوله لقرابة "600 كم" تضح فيه قرابة 300 مليون متر مكعب يوميا، حيث سترفع من منسوب "منخفض بحوض الكونغو" لمنسوب مرتفع "بحوض النيل الأبيض"، ويعادل هذا الارتفاع قرابة "250 مترا".

بمعنى آخر، أننا نحتاج لقرابة ست محطات "طلمبات رفع" على "التوالي" لتغطية هذا الارتفاع (250 مترا)، وأن تكون تلك المحطات قادرة على ضخ ضخ 3300 متر مكعب في الثانية، وذلك بهدف الحصول على "100 مليار متر مكعب سنويا" تصب في بحيرة "فيكتوريا"، ومنها إلى مجرى النيل الأبيض ثم تخترق منطقة المستنقعات في جنوب السودان، حيث سيضيع نصفها، ثم يصل للسودان الشمالي فتحصل على قرابة 20 مليار متر مكعب وتترك لمصر 30 مليار متر مكعب، وهو "أقل من حجم العجز في حصة مصر نتيجة بناء سد النهضة".

تشغيل ست محطات كهرباء لرفع 3300 متر مكعب من المياه يحتاج على الأقل قرابة "30 ألف ميجاوات"، أي قرابة 120 في المئة مما تنتجه الدولة المصرية خلال يوم الذروة في شهر آب/ أغسطس. وهذا يعني الحاجة لبناء "سد ضخم" يعادل "15 مرة" إنتاجية "السد العالي" على أرض الكونغو لتوليد تلك الطاقة، سد يشبه سد "المضايق الثلاثة الصيني"، والذي ينتج "32 ألف ميجاووات"، والذي يعتبر أكبر سد "كهرومائي" على وجه الأرض، واحتاج لأكثر من "10 سنوات لبنائه".

هذا بالإضافة لإحدى أهم المشاكل "السياسية" التي تواجه مشروع "ربط الكونغو بالنيل الأبيض"، وهي أن دولتي "أوغندا" و"تنزانيا"، والتي تقع بينهم بحيرة "فيكتوريا" منبع النيل الأبيض؛ ترفضان تماما زيادة تدفقات النيل الأبيض خشية غرق "المدن الواقعة على شط النيل"، وأنها لن تسمح بصب أي مياه إضافية في البحيرة، هذا بالإضافة إلى أن حجم الفواقد السنوية في منطقة المستنقعات في جنوب السودان كبير جدا يصل لقرابة 50 في المئة من إجمالي ما تم رفعه من نهر الكونغو، وهذا بحد ذاته كارثة "بيئية" على دولة "جنوب السودان"، والتي هي أصلا غارقة في مستنقعات النيل الأبيض، وأي إضافة جديدة للمياه فيها يهدد وجودها.

وعليه، فأنا "ضد" فكرة ربط نهر "الكونغو" بالنيل "الأبيض" للأسباب السابقة، بالإضافة إلى وجود مشاكل فنية لا حصر لها بشأن "الرفع المتكرر" لــ"3300 متر مكعب في الثانية" لارتفاع "ستة طوابق" كل طابق بارتفاع "40 متر". كل هذه تعتبر تكاليف باهظة جدا، مع احتمالية توقف التدفق بسبب كثرة الأعطال الميكانيكية والكهربائية لهذا المشروع.

 


العبد لله كان قد تقدم للشعب المصري أيام رئيس الوزراء "إبراهيم محلب"، وتحديدا يوم 5 شباط/ فبراير 2015 بفكرة الحصول على تدفقات تزيد عن 100 مليار متر مكعب من المياه من حوض نهر "الكونغو"، ولكن ليس عن طريق الربط السطحي بحوض نهر "النيل الأبيض"، بل عن طريق عمل "مجموعة" من الأنفاق تحت الأرض تربط بين أقرب نقطة بشمال "نهر الكونغو"، وهي عند منسوب يعادل 600 فوق منسوب سطح البحر ونقلها لشمال دولة تشاد من تحت الأرض لتصل عند منسوب 386 ببحيرة "يواه"، ومن هناك تغذي البحيرة ليستفيد شعب تشاد من نهر الكونغو، ثم تمر تلك الأنفاق في اتجاه الجنوب الغربي للدولة المصرية عند نقطة تلاقي الحدود المصرية- السودانية- الليبية، عند منسوب أقل من "150 مترا فوق سطح البحر"، حيث توزع المياه بين الدول الثلاث عبر تخصيص نفق لكل دولة.

 


 

في حالة تبني فكرة "الأنفاق" فإننا لن نحتاج لعمل (ست محطات طلمبات ضخمة)، ولن نحتاج لبناء "أكبر سد كهرمائي"، ولن نحتاج لتشييد "نهر صناعي من الأنابيب الضخمة"، ولن نحتاج لمشاركة عدة دول في المشروع، ولن "نفقد" أي فواقد مثلما هو حادث بمستنقعات دولة "جنوب السودان"؛ فالمياه سوف تنتقل من "نهر الكونغو" إلى مصر تحت تأثير الجاذبية الأرضية، ولن نحتاج أن نكون تحت رحمة التغيرات السياسية في أوغندا وتنزانيا، ولا نتسبب في إغراق دولة جنوب السودان، بالإضافة إلى أن أي فواقد أو تسريبات من تلك الأنفاق سوف تضاف للمياه الجوفية لسكان الصحراء الغربية والوادي الجديد.

إنني أدعو الشعب المصري لأن يفكر في هذا الأمر، ويقارنه مع مشروع الربط بين حوض النيل الأبيض وحوض نهر الكونغو على المستوي السطحي، والذي ينال اليوم قدر من التأييد "الحكومي السيساوي".

إنني أدعو وزارة الري بدلا من صرف تلك الــ50 مليار دولار أمريكي على إنشاء محطات تحلية "مياه مجاري" للشعب المصري، أن تفكر في هذا الاقتراح، لعل وعسى ينقذ أبناء الشعب المصري من شرب "مياه المجاري".

تمنياتي بكل خير للشعب المصري.

وسلام..