تقارير

سيدتان جلستا على "عرش" القصة القصيرة والنقد والشعر والترجمة

سلمى خضراء الجيوسي وسميرة عزام.. اسمان لامعان في تاريخ الإبداع الفلسطيني- (عربي21)

صوتان أبدعا في فضاء الأدب والثقافة في فلسطين والوطن العربي والعالم. إحداهما كان "أميرة القصة العربية القصيرة" أو "رائدة القصة القصيرة في فلسطين". والأخرى تعد أكاديمية عالمية في مجال الدراسات والترجمة والشعر والنقد.

عاشت سميرة قيصر عزام المولودة عام 1927 في مدينة عكا بفلسطين لعائلة مسيحية أرثوذكسية نحو 40 عاما فقط إلا أنها كانت كافية لتصبح صوتا تنويريا نسويا رائدا في الحركة الثقافية والنضالية في فلسطين.

تابعت دراستها الثانوية في "تكميلية الراهبات" في مدينة حيفا، كما تابعت بشغف دراسة اللغة الإنجليزية وآدابها بالمراسلة، حتى أجادتها إجادة تامة كتابة ومحادثة.

عملت مدرسة في مدرسة الروم الأرثوذكس في مدينة عكا ما بين عامي 1943 و1945. منذ النصف الأول من الأربعينيات، بدأت في نشر مقالاتها في صحيفة "فلسطين" تحت اسم مستعار هو "فتاة الساحل".

 



هاجرت مع عائلتها إلى لبنان بعد نكبة عام 1948 لفترة قصيرة ثم انتقلت إلى العراق، حيث عملت في مجال التدريس في مدينة الحلة، ثم عادت إلى لبنان، وهناك بدأت تنشر نتاجها الأدبي في بعض المجلات، مثل "الأديب" و"الآداب".

عملت في عام 1952 في إذاعة "الشرق الأدنى" في قبرص كمذيعة وكاتبة برنامج "ركن المرأة". وعندما انتقلت الإذاعة إلى بيروت عام 1954 انتقلت معها مسؤولة عن البرنامج اليومي "مع الصباح"، حتى توقفت هذه الإذاعة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

في العام التالي عادت إلى بغداد والتقت بالأديب الفلسطيني يوسف الحسن وهو من مدينة الناصرة وتزوجا، وتعاقدت مع إذاعتي بغداد والكويت حيث شغلت منصب مراقبة للبرامج الأدبية ما بين عامي 1957 و1959. كما أنها شاركت في تحرير جريدة "الشعب" مع الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب.

في عام 1959 أُبعدت مع زوجها إلى لبنان من قبل نظام عبد الكريم قاسم بتهمة الناصرية. فتعاقدت هناك مع شركة "فرانكلين للترجمة والنشر" وقامت بترجمة العديد من الأعمال الأدبية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية.

ومنذ مطلع الستينيات، توالت كتاباتها في مجلة "الحوادث" الأسبوعية، غير أن مقالاتها لم تقتصر على الناحية الأدبية بل شملت أيضا السياسية والاجتماعية.

من مؤلفاتها: "أشياء صغيرة" وهي مجموعتها القصصية الأولى، "الظل الكبير"، "قصص أخرى"، "الساعة والإنسان"، "العيد من النافذة الغربية"، "فصل من رواية"، "سيناء بلا حدود" وقصة "الحاج محمد باع حجته".

أما آثارها المترجمة فهي: "جناح النساء"، "ريح الشرق وريح الغرب"، "كيف نساعد أبناءنا في المدرسة"، "القصة القصيرة"، "القصة الأمريكية القصيرة"، "توماس وولف ـ مختارات من فنه القصصي"، "أمريكي في أوروبا"، "حين فقدنا الرجاء"، "حكايات الأبطال"، "عصر البراءَة"، "فن التلفزيون كيف نكتب وكيف نخرج"، "رائد الثقافة العامة"، "كانديدا" مسرحية لجورج برناردشو، "أعوام الجراد" و"تحت شمس الظهيرة".

كان لها دور فعال في الستينيات في بناء نواة "جبهة التحرير الفلسطينية" (طريق العودة) وكانت المرأة الوحيدة بين مجموعة الرجال الذين كانوا يجتمعون للتحضير لقيام هذه الجبهة، التي صدر منشورها السري الأول عام 1963. وضمت أيضا كلا من: شفيق الحوت، نقولا الدر، خالد اليشرطي، عبد المحسن أبو ميزر، سعيد بركة، راجي صهيون، وغيرهم.

دخلت سميرة عزام عضوية المجلس الوطني الفلسطيني الأول، الذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وكانت واحدة من ثماني سيدات مثلن المرأة الفلسطينية في المؤتمر التاريخي.

بعد حرب 1967 عملت مع لجان السيدات التي تكونت في بيروت لجمع التبرعات للنازحين الفلسطينيين.

كان عدوان حزيران/ يونيو 1967 صدمة كبيرة لها على الصعيد النفسي وفي أثناء سفرها بسيارتها مع أصدقاء لها إلى عمان بهدف مقابلة بعض اللاجئين، أصيبت بنوبة قلبية حادة توفيت في إثرها، ونقل جثمانها إلى بيروت حيث دفنت في مقبرة البروتستانت في رأس النبع. 
  
اعتبرها الناقد المصري رجاء النقاش "أميرة القصة العربية القصيرة". أما غسان كنفاني، فقد خاطبها عند تأبينه لها بقوله: "أستاذتي ومعلمتي"، بيد أنه قال في أدبها إنه "لا يمكن اعتباره أدبا نسويا، بل يمكن أن نطلق ليه اسم "أدب المنفى" لأنه يدور حول قضية وطنية أكثر شمولا بالمعنى الإنساني وليس انعكاسا لواقع المرأة من الناحية النفسية والعاطفية".

وفي هذا المجال تقول عنها سلمى الخضراء الجيوسي: "كانت تجربتها الأدبية مستمدة من نظرة واقعية للحياة، ولكنها نظرة تحكمها الضوابط الأدبية، وتميز أسلوبها بالدقة والإيجاز والوضوح والبعد عن العاطفية المفرطة والاستعراض والابتذال".

نجحت سميرة عزام في أعمالها الأدبية في رسم معاناة الشعب الفلسطيني خاصة في المخيمات والشتات حيث التصقت بهموم أبناء شعبها من الفقراء والمسحوقين فكان حضور المرأة والفقر والقهر قويا في أعمالها.

وقد قال المؤرخ الفلسطيني بطرس دله: "كنت تحس وأنت تقرأ قصصها الأولى، أنها تطل عليك من المخيم، فهي حملت عذابات اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية، وزخرت بالأسى والألم والحنين للديار المهجرة، لكن قصصها المتأخرة عادت لتنبض بالحياة والأمل".

حافظت سميرة عزام على الانضباط والشكل الفني الجديد والناجح للقصة القصيرة ما جعلها تفرض وجودها وأدبها باحترام على الوسط الأدبي العربي في تلك المرحلة الزاخرة بالأفكار.

شهادة المبدعة سلمى الخضراء الجيوسي تقودنا إلى الحديث عن هذه الأديبة والشاعرة والناقدة والمترجمة الأكاديمية الفلسطينية التي ولدت عام 1928 من أب فلسطيني وأم لبنانية في صفد الفلسطينية، وترعرعت في مدينة عكا وفي القدس. وبعد نكبة فلسطين، عام 48 انتقلت إلى الأردن.

درست الثانوية في كلية شميت الألمانية بالقدس، ثم درست الأدبين العربي والإنجليزي في "الجامعة الأمريكية" في بيروت ثم عادت إلى القدس وعملت في "كلية دار المعلمات". وحصلت فيما بعد على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من "جامعة لندن".

 



سافرت مع زوجها الدبلوماسي الأردني برهان كمال الجيوسي زميلها في الجامعة إلى عدد من البلدان العربية والأوربية، واندمجت سلمى في المشهد الأدبي في بغداد، عاصمة الشعر العربي في الخمسينيات، وأصدرت ديوانها الأول "العودة من النبع الحالم".

حاضرت في جامعات "الخرطوم" و"الجزائر" و"قسنطينة"، ثم سافرت إلى أمريكا للتدريس في عدد من جامعاتها، دعتها كلية "بارنارد" في جامعة "كولومبيا" لإلقاء المحاضرة السنوية العامة عام 1979، واقترح عليها مدير دار جامعة كولومبيا للنشر التعاون في نشر مجموعة من الأدب العربي الحديث مترجما، وكان لهذا التعاون الفضل في توجهها نحو تأسيس مشروع خاص للترجمة يهدف إلى نقل الثقافة العربية إلى العالم الناطق بالإنكليزية، وشاهد مشروعها النور عام 1980 بالتعاون مع عدد من الأساتذة في جامعة "ميتشيغان" وأطلقت عليه اسم "بروتا".

كانت تتابع أعمال "بروتا" بالتفاصيل، وبالتعاون مع عشرات المترجمين والمحررين والباحثين المنتشرين في العالم، ولم يكن هناك مقر رسمي لمؤسستها، فكانت منازلها في بوسطن ولندن وعمان بالإضافة إلى الفنادق هي مكان العمل. وباشرت في الثمانينيات من القرن العشرين إصدار الكتب الأدبية الفردية المترجمة التي قامت باختيارها من أروع ما أنتج الكتاب والشعراء العـرب المعاصرين والقدامى من شعر وقصة ورواية ومسرح. وصدرت أول موسوعة بالإنكليزية قامت بتحريرها وكتابة مقدمتها بعنوان "مجموعة الشعر العربي الحديث"، وتحتوي على قصائد لأكثر من تسعين شاعرا.

صدر عن "بروتا" و"رابطة الشرق والغرب"، خمسين مجلدا وكتبا منها أحد عشر مجموعة "موسوعية".

حصلت على عدد من الزمالات من الجامعات الأمريكية، وعلى وسام القدس للإنجاز الأدبي 1990، ووسام اتحاد المرأة الفلسطينية الأمريكية للخدمة الوطنية المتفوقة 1991. كتبت عن ديوانها الشعري مراجعات ودراسات كثيرة.

دعيت إلى مؤتمر لند في السويد عام 1984 وكانت محاضرتها: "الشعر العربي والشعر السويدي، التماثل والاختلاف"، وهناك التقت الشاعر أوستِن شوستراند رئيس اللجنة الفنية في "أكاديمية نوبل". دعتها الأكاديمية لتعد لها دراسة حول وضع الأدب العربي واستحقاق أدبائه لـ"جائزة نوبل"، فلبت الطلب.

ولما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل عام 1988 دعتها الأكاديمية إلى ستوكهولم لحضور حفل توزيع الجوائز تقديرا لدورها.

أطلقت عام 1990 مشروعها الثاني: "رابطة الشرق والغرب" بهدف عرض الحضارة العربية والإسلامية قديما وحديثا بالإنكليزية عبر مؤتمرات أكاديمية شاملة ومتخصصة، ودراسات بأقلام عربية وغربية، من أجل إزالة المفاهيم الخاطئة والآراء النمطية لثقافات العالم العربي والإسلامي.

وكانت البداية كتابها الشامل حول الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، الذي صدر عام 1992 ولاقى ترحيبا أكاديميا كبيرا. وبنجاح مماثل نشرت عام 2009 كتابها الموسوعي "حقوق الإنسان في الفكر العربي: دراسات في النصوص".

ألقت عشرات المحاضرات وافتتحت المؤتمرات في شتى العواصم والمدن، وخصوصا في بلدان أوروبا والأميركيتين، كما في البلدان العربية المشرقية والمغربية والخليجية.

حصلت على عدد كبير من حفلات التكريم والدروع والجوائز تقديرا لإنجازاتها المميزة، وكتب عنها الكثيرون، ومما قاله ستيفان شبيرل أستاذ الأدب العربي في جامعة لندن: "أعجبت كثيرا بقدرتها على رؤية ما وراء الأسباب والتجزيئات والادعاءات وتمييزها للصوت الداخلي الحقيقي في العمل الأدبي.. إن هذه القدرة المتميزة على الإحساس المتعددة الجوانب تكمن في اللب من كل الإبداعات التي تقدمها وتجعل منها أحد الكتاب الإنسانيين (humanists) في زمننا".

يصفها الكاتب والصحافي صبحي الحديدي بـ" القابضة على الجمر".

يقول: "كتبتُ ذات يوم أصف الجيوسي، ضمن ملف خصصته لها مجلة "الكاتبة"، في أيلول / سبتمبر 1994؛ وكنت أستوحي تلك الجمرات / الصراعات المبكرة التي خاضـتها آنذاك هذه السيدة / المؤسسة الثقافية، وكأنها لم تكن تعيش اليوم وحده، بل تستشرف الغد أيضا، وتستبصر السنوات والعقود. وأخال أن المناسبات كثيرة، متنوعة ومتعاقبة، حيث يُتاح لتلامذة الجيوسي أن يكرموا منجزها الرفيع، ويتمنوا لها العطاء الثر والعافية المستدامة".