قضايا وآراء

لا يكفي الإعلان عن نهاية الانقسام الفلسطيني

1300x600
من السهل أن نلاحظ اليوم، في مشهد الإعلان عن المصالحة الفلسطينية المعلنة بين فتح وحماس، بعض الآمال التي تكسوها ضبابية في محاولة جمع فتات المائدة الفلسطينية والبيت الداخلي الفلسطيني؛ لمواجهة خطط الضم الإسرائيلية للأرض وتبعات الإعلان عن "صفقة القرن"، وفي لب التحركات القائمة لمحاولة تقديم صورة متماسكة عن الموقف الفلسطيني، وهي تحركات قديمة جديدة كانت مربط الفرس لما يقارب عقد ونيف؛ لإشاعة أجواء التفاؤل المتبع بخيبات طويلة أوصلتنا لطرق مسدودة ترجم بمسار الفرس الممسك به طرفي الانقسام والصراع الداخلي، ولعبت دورا ضاغطا في تحديد مسار القضية الفلسطينية على الصعيد الداخلي والخارجي.

ملفات كثيرة متشعبة ومعقدة متراكمة أمام "الوفاق" المعلن بين جبريل الرجوب وصالح العاروري، كطرفين يمثلان حركتي فتح وحماس، بالإعلان عن عهد جديد يطوي حقبة الانقسام، ويراد منه إخراج حالة اليأس والإحباط المصاب بها الشارع الفلسطيني.

وبعيدا عن كلمتي الإطراء التي خرجت في المؤتمر الصحفي، لكل من الرجوب والعاروري، فإن واقع الازدواج المائل في المصالحة يُفسر في نتيجته اللحظية على أن القرار متخذ في حسم الأمر ظاهريا، وكما هو مأمول من إعلان طي صفحة الانقسام، أن يُقدم للشارع الفلسطيني في ذروة الانقضاض على ما تبقى من حقوق تاريخية في الأرض والمقدسات والثوابت؛ بارقة أمل لطالما انتظرها الفلسطينيون لإنهاء الانقسام في كل مرة. هذه المرة مختلفة يقول الرجوب.. "صدقونا هذه المرة"، وهو اعتراف بعدم مصداقيتهم طيلة عمر الانقسام مع المبادرات والاتفاقات.

لكن الخيار السياسي الفلسطيني الملتصق بشدة "بفكرة" السلطة والمفاوضات، ينسف الآمال كل مرة، ويترك آثاره السلبية على مجريات ترتيب البيت الفلسطيني الذي تسلل من شقوقه الاستيطان الصهيوني وجرأة تطور العدوان الإسرائيلي في صور واضحة، تعاكس ضبابية المواجهة والاعتراف الصريح بفشل الرهان على غير صون وحدة وتماسك الموقف الفلسطيني.

الإعلان عن نهاية الانقسام ما لم يترافق مع ضرورة تركيز الجهد على مجموعة من الأهداف المحددة، ووسائل تحقيقها، وطرق متابعتها الفورية عبر تجنيد عناصر النجاح لها، لن تكون قاعدة للانطلاق نحو أي أهداف أخرى وعلى رأسها مواجهة خطط الضم وما اندرج قبلها وتحتها من مآس مرتبطة بكل الحقوق والثوابت الفلسطينية.

فتجربتنا الماضية تشير إلى العجز الفاضح في هذا المجال، حيث يُفتقد الإصرار الثابت أمام العقبات التي تواجه الفلسطينيين، مما يحول الأمر كله إلى قفزة في الهواء.

غياب المنهجية الواضحة والثابتة والمثابرة لتحقيق المصالحة، وما يطلقه أطراف الانقسام في فتح وحماس، وغياب الجدية والرؤية الجامعة لفصائل العمل الوطني و"حركة التحرر الوطني".. كل ذلك لن يؤدي لإعادة كسب ثقة الشارع الفلسطيني والعربي، والتي تشكل المدخل لنجاح أي خطوة تصب في تعبئة طاقات الشارع لأي مواجهة. ونقطة البدء لكل ما سلف والتي ظلت غائبة في الإعلان عن المصالحة؛ تأتي عبر إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير وإصلاح أدائها ودورها، والاعتراف أمام الشعب بخطأ وكارثية الخيارات السابقة، وعدم القبول بحالة الاستسلام التي أفرزتها أوسلو وشقوقه وملاحقة في إضعاف مكانة القضية الفلسطينية واستخدامها مطية للتطبيع، والقفز عن الحقوق الفلسطينية وصولا لتنكر البعض العربي منها.

المسؤولية التاريخية للسلطة الفلسطينية والفصائل والمنظمة، تقتضي مراجعة مجمل المواقف لأكثر من ربع قرن من المفاوضات وعقد نصف من الانقسام، للاعتراف بفشل الخيارات كي يتمكن الجميع من تبيان موقع أقدامهم، والإمساك بسلسلة الخروج من المآزق المتلاحقة التي دخلت بها، إن كان على صعيد القضية ذاتها أو انحدار مكانتها التي اتخذها البعض العربي ذريعة للتبرؤ منها والتآمر عليها.

وكما قال المفكر الراحل إدوارد سعيد: "لا يكفي لأية أمة كي تصمد متماسكة على مر العصور أن تطلق الشعارات، وأن تصر على هويتها الخالدة ، فالخطوة الأولى في الاتجاه السليم هي التثبت بشكل ملموس، وبأكثر ما نملك من دقة، من الحقائق على أرض الواقع، لا لننهزم أمامها، وإنما لنستنبط الوسائل الكفيلة لمواجهتها بحقائقنا ومؤسساتنا وبإثبات وجودنا الوطني في نهاية المطاف".

twitter.com/nizar_sahli