كتاب عربي 21

اجتماع القيادات اليمنية في الرياض والخطاب المحبط للرئيس

1300x600
بعد أيام من التحضيرات المتسارعة والدراماتيكية التي أفضت إلى استدعاء قيادات سياسية بارزة في الدولة اليمنية من عواصم ومدن مختلفة في المنطقة والعالم، إلى العاصمة السعودية الرياض، تم أمس السبت اجتماع لذات القيادات مع الرئيس هادي.

سخّرت السعودية طائراتها لنقل المسؤولين على وجه السرعة إلى الرياض، في مؤشر على تطورات لا تحتمل التأجيل، ليجتمعوا من جديد على نحو يذكرنا بمؤتمر الرياض الذي عقد عام 2015 والذي أريد له أن يغطي على شرعية التدخل العسكري السعودي في الساحة اليمنية.

إعادة حشد القيادات اليمنية هذه المرة لا تؤشر على تحول إيجابي مطلقاً، ولا تتعلق بالحصول على موافقة تعكس ثقل الشرعية على الترتيبات السعودية الجديدة المرتبطة باتفاق الرياض.

تجميع القيادات قد يكون من بين أخطر أهدافه هو وضع هذه القيادات تحت السيطرة المباشرة، بعد الارتدادات القوية التي أحدثها الانقلاب الذي أدارته ونفذته قوة الواجب السعودية في محافظة أرخبيل سقطرى.

السلطات السعودية تعمدت تسكين القيادات اليمنية القادمة من خارج المملكة في فندق ريتز كارلتون الشهير، الذي استخدم كمعتقل لكبار أمراء العائلة ورجال الأعمال السعوديين، في الوقت الذي كانت قد سبقت إجراء كهذا بإعادة توزيع القيادات المتواجدة في الرياض بصورة دائمة في مقرات جديدة في إطار الإجراءات التقشفية، وبما يعكس قرب نهاية الدور الممنوح لهذه القيادات.

الخطاب الذي ألقاه الرئيس هادي في اجتماعه بهذه القيادات، وجلها من مساعديه ومستشاريه ومن قيادات الكتل البرلمانية، جاء مخيباً للآمال وكشف عن البصمات السعودية الواضحة في هذا الخطاب. فقد أمسك الرئيس العصا من المنتصف، فأبدى انزعاجه من انقلاب سقطرى الأخير، وعرَّضَ ضمن المسموح به بهذا الانقلاب وداعميه، عبر تذكيرهم بأن المدرعات والآليات العسكرية التي اقتحمت مؤسسات الدولة وروَّعت الآمنين، كان أحرى بها أن توجه نحو جبهات المواجهة مع الحوثيين.

لكن الرئيس لم يشر إلى الإمارات، صاحبة المصلحة المباشرة في طرد الشرعية من محافظة أرخبيل سقطرى، وهي الدولة التي أنجزت ثأرها السياسي والجغرافي معاً ضد السلطة الشرعية التي كانت قد أجبرت الإمارات في ربيع 2018 على الذهاب إلى الأمم المتحدة للإقرار بأن ليس لديها أطماع في هذا الأرخبيل، عندما أظهر رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر غيرة وطنية على أرضه، وإخلاصاً للقسم الدستوري الذي أداه عندما تسلم منصبه.

لكن بن دغر دفع ثمن ذلك الموقف، فأقاله الرئيس هادي وأحاله إلى التحقيق، وعلم الجميع حينها أن رئيس الوزراء السابق دفع ثمن مواقفه الوطنية، وأن الذي أوقع به هذه العقوبة ليس الرئيس هادي وإنما السعودية وحليفتها الإمارات.

وبعد انقلاب عدن في آب/ أغسطس من العام الماضي، أبدى الرئيس هادي انزعاجاً من فريق الصقور في الحكومة؛ الذين طالبوه بموقف قوي وواضح وبإصدار بيان لا يقبل التأويل بإزاء هذا الانقلاب، ولكنه أحال ذلك إلى الحكومة وسط سخط تجاه الضغوط التي تعرض لها من ذلك الفريق، رغبة منه في تجنب المواجهة مع السعودية.

لا يدل ذلك على شيء أكثر من دلالته الواضحة على أن الرئيس غير مهتم بالتدابير الخطيرة للسعودية والإمارات التي تستمر في تآكل دولته وتقويضها، وفي السطو المسلح على المناطق الحيوية في اليمن.

خطاب الرئيس أملته الإرادة السعودية، وأخطر ما فيه أنه يمهد أو بالأحرى يوفر مظلة للخطوات اللاحقة التي تزمع السعودية تنفيذه في إطار اتفاق الرياض الذي تشير كل التوقعات إلى أن الحكومة السعودية تعيد تكييفه، بما يتفق مع المكاسب الميدانية التي حققها المجلس الانتقالي المدعوم مالياً وعسكرياً من الرياض وأبو ظبي.

دعوة الرئيس إلى وقف الحرب في محافظة أبين، يأتي رداً على رفض قياداته العسكرية الميدانية مطالب فريق المراقبة السعودي وقف إطلاق النار في تلك المحافظة، حيث تدور معارك استنزاف صُممت بعناية من جانب التحالف السعودي الإماراتي بهدف إعادة تعيين حدود القوة والنفوذ بين السلطة الشرعية المنهكة، وبين المجلس الانتقالي ومليشياته العسكرية.

والأهم من ذلك هو حمل السلطة الشرعية على القبول بصيغة معدلة لاتفاق الرياض، تذهب بالبلاد إلى مرحلة انتقالية تُفضي إلى التقسيم، وإعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي في جغرافيا الدولة اليمنية المغدورة، لأن معارك أبين قدمت مؤشراً على صعوبة مهمة السلطة الشرعية في إعادة فرض نفوذها في المناطق التي أعلن فيها المجلس الانتقالي ما تسمى "الإدارة الذاتية للجنوب".

twitter.com/yaseentamimi68