سياسة عربية

ما مخاطر انتفاع "صندوق مصر السيادي" بمنطقة قلعة صلاح الدين؟

صندوق مصر السيادي حصل على حق انتفاع مشروع التطوير السياحي وتنمية منطقة "باب العزب" بقلعة صلاح الدين الأيوبي بمدينة القاهرة- مواقع التواصل

بدأ صندوق مصر السيادي، التابع للسيطرة المباشرة من رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في خطة السيطرة على أهم المناطق التاريخية والأثرية والمسجلة باليونسكو، في مصر الإسلامية.

وبالاتفاق مع هيئة الآثار المصرية، حصل صندوق مصر السيادي على حق انتفاع مشروع التطوير السياحي وتنمية منطقة "باب العزب" المتميز بالعمارة العثمانية بقلعة صلاح الدين الأيوبي التي ترجع للعصور الوسطى (القرن 13) بمدينة القاهرة، لمدة 49 سنة.

وقال بيان لهيئة الآثار، الثلاثاء، إن صندوق الثروة يسعى لترميم المباني التاريخية للمنطقة المتداعية، وإنشاء متاحف ومسارح وأماكن سوق تقليدية، موضحا أن مجلس الآثار سيحتفظ بالسيطرة الإدارية النهائية على المباني التاريخية.

وتقع المنطقة على مساحة 56 ألف متر مربع، والمباني التي تدخل حيز الاتفاق تضم جامع الناصر بن قلاوون، ومسجد سليمان الخادم، والمتحف الحربي، ومتحف الركائب الملكية، والمدرسة الحربية، وأبراج الحداد، والرملة، ومحمد علي، وباب القلعة.

وأيضا، مبنى سراي العدل، وساحة محكي القلعة، ودار المحفوظات "الدفترخانة"، ومبنى قطاع الآثار الإسلامية، ومبنى اتحاد الكتاب، وقصر الجوهرة للضيافة، ومنطقة باب العزب.

"جوانب متعددة"

مراقبون ومتابعون أكدوا أن للقضية عدة جوانب أولها: تاريخي وثقافي؛ يتمثل في المخاوف من السيطرة على المناطق الأثرية المصرية من قبل الصندوق السيادي المثير للجدل بإخفاء مصادر تمويله وطرق إنفاقها وتداخل رؤوس الأموال المصرية والخارجية فيه كونه صندوقا خاصا.

والجانب الثاني، كما يرى مختصون، هو الخوف من نقل القلعة التاريخية والحي الأثري المحيط بها كاملا كأحد الأملاك المصرية السيادية للشعب المصري إلى الصندوق السيادي الخاص، استمرارا لعملية نقل الأصول المصرية إلى الصندوق، كما حدث مع "مجمع التحرير" الشهير بوسط القاهرة.

والجانب الثالث والأخطر، والذي حذر منه الخبير الاقتصادي محمود وهبة، هو أن يقوم الصندوق السيادي بالاقتراض بضمان تلك الأصول التي تحولت إليه، ما يجعل تلك الأصول مرهونة لدى الدائنين.

وأوضح وهبة، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أنه "إذا توقف دفع الديون فإنه يحق للدائن أن يستولي على هذه الأصول، كما حدث مع أسهم شركة قناة السويس التي استولت عليها فرنسا".

 

"تراث الأمة والإنسانية"

وحول مخاطر استيلاء صندوق مصر السيادي على منطقة القلعة التاريخية، قال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر‏ ‏ صبري العدل: "ملكية الآثار في الأصل هي للشعب باعتبارها تراثا للأمة، كما أنها جزء من التراث الإنساني".

مدير وحدة البحوث الوثائقية‏ السابق لدى ‏دار الوثائق القومية، أكد لـ"عربي21"، أنه "لا يمكن لأحد أن يدعي ملكية الأثر، ولا يجوز بيعه أو رهنه طالما كان مسجلا ضمن الآثار".

وتابع: "فما بالنا لو كان مسجلا ضمن التراث الإنساني لليونسكو"، حيث ترجع المنطقة إلى القرن الثالث عشر ومسجلة باليونسكو ضمن التراث العالمي منذ سبعينيات القرن الماضي.

وجزم العدل بأنه "حتى لو تم ضم هذا الأثر لأي جهة لإدارته فهذا لا يعطيها حق التصرف فيه".

ويرى أن "نقل إدارة الأثر إلى الصندوق السيادي خطوة الهدف منها تحويل العائد السياحي منه للصندوق، وهذا من النواحي القانونية".

واستدرك بقوله: "لكن هناك تخوف ألا تخضع هذه الآثار في ترميمها أو تجديدها للمعايير العلمية للترميم"، مشيرا لما حدث في ترميم عدد من الآثار.

وأعرب أيضا الأكاديمي المصري عن تخوفه من "نقل جزء أو بعض من محتواها منها إلى أماكن تعرضها للخطر"، مطالبا بضرورة "أن تكون هناك معلومات أكثر حول ما سيتم عمله في هذه الآثار".

"مهمة الآثار.. لا الصندوق"

وحول أهمية المنطقة، قال الأكاديمي والباحث الأثري المصري الدكتور حسين دقيل: "باب العزب أهم المناطق الأثرية الإسلامية المصرية، ويطل على القلعة، ومساحته نحو 13 فدانا، وبني عام 1747 ميلادية، وجدده الخديوي إسماعيل".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أنه "كان شاهدا على مذبحة القلعة وبه الممر الحجري –ارتفاعه 4 أمتار ومنحوت من الصخر- الذي ذبح فيه الممالك والمزار السياحي الهام، ويضم أيضا مسجدا ومصنعا للأسلحة وملابس للجنود، الإسطبل السلطاني الشهير".

وأكد دقيل، أن "تطوير باب العزب ليس جديدا، وفكرته تعود لتسعينيات القرن الماضي، حيث نادى أثريون بذلك، وحاول وزير الثقافة فاروق حسني عام 1998 إنشاء فندق سياحي، لكنه وجد معارضة، ليتجدد الحديث عام 2001، وقبل ثورة يناير 2011، دون تنفيذ".

ويعتقد أن "التطوير بشكل عام يتمناه أي أثري لتزيد موارد الآثار وتعرض بشكل لائق للسياحة الداخلية والخارجية".

وقال: "لكني تمنيت قيام وزارة الآثار بالتطوير، خاصة أن قطاع المشروعات بها له ميزانية ضخمة ويمكنه تولي المهمة، وتعديل القانون بما يسمح للوزارة بالاستثمار بالأماكن الأثرية".

وأشار الأثري المصري إلى أن "المدافعين عن تطوير الصندوق السيادي لباب العزب، يقولون إن المنطقة غير مستغلة، والصندوق سيساعد بتطويرها المنطقة المحيطة بإنشاء متحف أثري، وبازارات، وسوق منتجات سياحية".

ويعتقد دقيل أن "شكل الاتفاق مقبول، ولكن لابد من وجود شفافية بمعنى أن إدارة الآثار لا يقترب منها الصندوق ولن تكون تحت رعايته وعمله يكون التطوير فقط، وإذا تم بهذا الشكل فالأمر مقبول".