ملفات وتقارير

هذه تداعيات انسحاب السلطة من الاتفاقات مع الاحتلال

أكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مضيه في تنفيذ مخطط ضم أجزاء من الضفة المحتلة للسيادة الإسرائيلية- وكالة وفا

أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الأسبوع الماضي، الانسحاب من جميع الاتفاقات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية.


جاء ذلك بعد يومين من تأكيد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على مضيه بتنفيذ مخطط ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية.

 

والإعلان الفلسطيني بالانسحاب من الاتفاقيات ليس الأول من نوعه، إذ سبق لرئيس السلطة وللمجلسين الوطني والمركزي التابعين لمنظمة التحرير اتخاذ قرارات مماثلة، كان أولها في عام 2015.


لكن زخم القرار الجديد يتزامن مع إصدار أوامر بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، بما يمثله من أهمية بمنع التوتر الأمني بالضفة المحتلة، ومع تحديد حكومة الاحتلال موعدا لتنفيذ مخطط الضم في تموز/يوليو القادم.

 

انتهاء مسار التسوية


يعتبر الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله أن القرار الفلسطيني له مضمون سياسي كبير، وينهي مرحلة طويلة من علاقة السلطة بالاحتلال، وهو "اعتراف من الجانبين بفشل مسار التسوية".


ويكمن هذا الاعتراف بإعلان الجانب الإسرائيلي ضم أراض من الضفة بما لا يبقي مجالا لقيام دولة فلسطينية، ومن الجانب الفلسطيني بأنه يأتي من رئيس السلطة محمود عباس، الداعم الأبرز للتفاوض مع الاحتلال، والذي أعلن بنفسه نهاية الاتفاقيات.

 

اقرأ أيضا: تقدير إسرائيلي: السلطة صعدت لشجرة عالية بوقف التنسيق الأمني

لكن قرار السلطة، وفق ما يراه عطا الله، لا يمكنه عرقلة عملية الضم، لأن القوة الفلسطينية بمجموعها (سلطة وفصائل) في وضع أضعف من أن تواجه عملية تتلقى دعما مهما من الولايات المتحدة.

 

وفي نهاية كانون الثاني/يناير الماضي أعلنت الإدارة الأمريكية خطتها للسلام بالشرق الأوسط أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، والتي تعطي الضوء الأخضر للاحتلال بضم غور الأردن والتكتلات الاستيطانية، ما يعني التهام الاحتلال لنحو 30 بالمئة من مساحة الضفة المحتلة، وفق تقديرات فلسطينية.

 

ويقول عطا الله لـ"عربي21": "نحن أمام قوة دفع أكبر من قوة المنع لعملية الضم، كما أن موقف الدول العربية لا يرقى إلى مستوى الصدام مع الولايات المتحدة".

 

أما عن تأثير قرار السلطة على الوضع الداخلي الإسرائيلي، فيستبعد عطا الله حدوث شيء بهذا الصدد، بسبب التوجه اليميني للمجتمع والحكومة الإسرائيلية، وفي الحكومة الأخيرة اتحد اليمين مع جنرالات الجيش، والجميع متفقون على إتمام عملية الضم.

 

ويعتقد عطا الله أن الاحتلال مستعد لتحمل مسؤولية إدارة الفلسطينيين (أمنيا ومعيشيا) في الضفة المحتلة مقابل الاستحواذ على الأرض.

 

ويضيف: "إسرائيل لديها سيناريوهات متعددة، ربما يكون أحدها أن تقوم بالتخلص من السلطة وتتكفل بالفلسطينيين، وربما لديها مشروع سياسي بتقاسم المسؤولية مع الأردن، أو تقسيم الضفة إلى إدارات محلية".

 

جدوى القرار

 

كذلك يرى الخبير بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن انسحاب السلطة من الاتفاقيات "خطوة مهمة لكنها غير كافية، ويجب أن تستكمل بصياغة وظيفة جديدة للسلطة ببرنامج سياسي مختلف".

 

وما أقدمت عليه السلطة، وفق ما وصفه منصور لـ"عربي21"، هو "تعليق للتنسيق الأمني والعلاقة مع الاحتلال، وليس إنهاءً للعلاقة".

 

ويشير إلى أن الهدف من هذا "التعليق" استثارة حالة جدل داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، خاصة مع وجود تحذيرات من أن الضم قد يقود للتصعيد، وكذلك تباين الرؤى داخل الحكومة الإسرائيلية حول شكل الضم وآلياته وتوقيته".

 

ويهدف قرار السلطة أيضا إلى "استقطاب دعم دولي خاصة من الأوروبيين وأصدقاء الشعب الفلسطيني بالعالم، ووضع سقف للمواقف العربية حول هذه المسألة" بحسب ما قاله منصور.

 

اقرأ أيضا: عن حلّ السلطة.. وسؤال ما العمل؟!

 

لكنه يعتقد أن قرار السلطة "غير كاف لإيقاف الضم"، ويؤكد على أن "نتنياهو محاط باليمين وهو رهينة لهم، وبات يروج أن الهدف من خضوعه للمحاكمة هو إسقاط اليمين، وبالتالي سيتمسك في المستقبل بمواقف يمينية أكثر".

ويمكن للقرار الفلسطيني أن يؤثر في "آليات الضم"، وفقا لمنصور، لكنه لن يؤدي لإيقافه إلا إذا شعر الإسرائيليون جدية بالقرار بما يؤثر على مصالحهم الاستراتيجية، لا سيما في العلاقة مع السلطة والدول التي لها اتفاقيات سلام مع الاحتلال (مصر والأردن).

 

ويوضح أن: "غانتس (زعيم حزب أزرق أبيض) وضع شرطا في اتفاق تشكيل الحكومة مع نتنياهو (زعيم حزب الليكود) أن أي ضم يجب ألا يهدد المصالح الاستراتيجية لإسرائيل، وبالتالي انسحاب دول عربية من الاتفاقيات أو توتير الوضع الأمني على الأرض سيهدد المصالح الاستراتيجية للاحتلال".


وتوصل حزبا "الليكود" و"أزرق أبيض" في نهاية نيسان/أبريل لاتفاق بتشكيل حكومة إسرائيلية ائتلافية، وينص البند 39 من الاتفاق على البدء بتنفيذ ضم أجزاء من الضفة المحتلة للسيادة الإسرائيلية مطلع تموز/يوليو المقبل.


ويقول منصور: "في الأوساط الإسرائيلية هناك من يُهَونُ من تداعيات قرار السلطة ويرى بعدم جديته، لذا فإن على السلطة أن تقدم على خطوات أعمق فاعلية وتأثير".


ويضيف: "السلطة تستطيع التأثير بتطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني وسحب اعترافها بإسرائيل وإعادة صياغة وظيفتها كسلطة حولها التفاف شعبي تحمل مشروعا نضاليا وطنيا مجمعا عليه، وليس كسلطة تعتبر وكيلا أمنيا واقتصاديا للاحتلال".


ويؤكد أنه "بدون ذلك ستبقى السلطة عاجزة عن إحداث أي تغيير حقيقي في ميزان القوى وفي مخططات الاحتلال".

 

التداعيات فلسطينيا ودوليا


من جانبه، يصف الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون قرار السلطة بأنه "معقد وصعب"، منوها أن "السلطة قائمة على هذه الاتفاقيات وشرعيتها الدولية مأخوذة منها، وأي محاولة للانسحاب من طرف واحد ستؤثر على كينونة السلطة وشرعيتها الدولية".


وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى المدهون أن انسحاب السلطة من الاتفاقيات سيصب في صالح فصائل المقاومة، مشيرا إلى أن "اتفاقية أوسلو أضرت بالوضع الداخلي الفلسطيني، وسببت الانقسام عبر الاستقواء على المقاومة، وجعلت من الصعب على الضفة الغربية الاشتباك مع الاحتلال".

 

ويقول: "السلطة تفيد الاحتلال الإسرائيلي عبر عمليات التنسيق الأمني، وهي مستفيدة من دعم الاحتلال لها، وهذا ما يحفظها من الانهيار".

 

ويوضح أن "الانسحاب الجزئي للسلطة من بعض البنود سيشكل فرصة للفصائل لإعادة صياغة الحالة الوطنية والاستنهاض الثوري، وتوسعة الاشتباك الجماهيري والشعبي الخشن مع الاحتلال..".

 

ويعتقد أن: "الضم سيطلق رصاصة الرحمة على دور السلطة السياسي، فيما يبقي الباب مفتوحا  أمام دورها الأمني فقط".

 

اقرأ أيضا: جيش الاحتلال يستعد لضم الضفة وتضارب بشأن موعد التنفيذ

وينبه بأن مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس لن تشهد رئيس سلطة بالمعنى السياسي الحالي، بل سيتعامل الاحتلال مع سلطة بمثابة كيانات بأدوار محددة تحفظ الأمن.

 

ويقول: "الفراغ الذي ستتركه السلطة في حال تفككها أو وقف عملها لن يكون بديله الفوضى بل ربما مزيد من التنظيم، فهناك فصائل حية وبلديات وجمعيات وكوادر فلسطينية، قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي والبيئة المحيطة وتسيير حياة الناس".


وفي هذا الصدد يستحضر المدهون "البعد الإقليمي والتعامل مع دول كالأردن، أو مع مؤسسات أممية كالأمم المتحدة"، ويقول: "كل ذلك سيكون له دور حال لم تكن السلطة قادرة على تجاوز هذه المرحلة".

 

أما على الصعيد الأمني، فيرى أنه "لن يكون هناك ضمانة لأمن الاحتلال والمستوطنين من خلال ملاحقة المقاومين".

 

ويتوقع أن "يعمل الاحتلال على الحفاظ على الحد الأدنى من السلطة، وتقليص مهامها لمهام أمنية وإدارية بسيطة، كإدارة شؤون بلديات أو شؤون إنسانية وتفصيلية صغيرة، دون الذهاب لتعزيز مكانتها السياسية والدبلوماسية".

 

ويؤكد أن "الاحتلال لا يريد عنوانا سياسيا فلسطينيا واحدا، ولا يريد نظاما سياسيا فلسطينيا في الضفة الغربية..".

 

وعند سؤاله عن تحرك المجتمع الدولي ضد تنفيذ الضم أو انهيار السلطة، رجح تعامله مع الواقع، دون تحميل الاحتلال مسؤولية ما يترتب على ذلك، خاصة أن الولايات المتحدة تصطف مع الاحتلال.

 

ويستدرك :"في حال استطاع الشعب الفلسطيني أن يثبت معادلته عبر الاشتباك الخشن والواسع فيمكن حينها للمجتمع الدولي أن يضغط على الاحتلال ويحمله المسؤولية".

 

وتابع: "أما في حال كانت سيطرة إسرائيلية دون مقاومة ورد فلسطيني مناسب، فذلك سيضعف الرافضين لمخطط الضم من المجتمع الدولي".

 

تجدر الإشارة إلى أن مخطط الضم يلقى معارضة من المؤسسات الدولية والأممية والدول العربية والأوروبية.

 

وتبحث دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الاحتلال في حال باشر بتنفيذ الضم، باعتباره يقوض حل الدولتين وجهود السلام في الشرق الأوسط.