قضايا وآراء

ما بعد كورونا.. مصر والتغيير القادم

1300x600

حركة التغيير على مدار التاريخ لا تهدأ، والتاريخ معمل التجربة الإنسانية عبر العصور، وتجارب التاريخ تؤكد أن الأزمات والوقائع الكبرى التي مر بها العالم كانت عاملا مسرعا لحركة التغيير.

إن ما يحدث الآن في ظل جائحة كورونا التي وجهت ضربة مفاجئة للمنظومة الدولية فوقع العالم أجمع تحت نير آثارها؛ هو دون شك أحد مسرعات حركة التغيير، سواء على مستوى المنظومة الدولية أو على مستوى المنظومة الإقليمية والنظم المحلية. ومصر ومعها دول المنطقة العربية ليست بمنأى عن مسار التغيير، والذي يعمل منذ فترة وكان حراك الربيع العربي أحد مؤشراته الواضحة.

أزمة كورونا ومصر

منذ اللحظة الأولى لظهور كورونا بدا واضحا تشتت الدول في التعامل مع الوباء الجديد، وكان الأمر أوضح في مصر، والتي عاشت فترة من الإنكار لوجود حالات إصابة بكورونا، ثم ما لبثت السلطات أن تراجعت عن موقف التكتم والإنكار، وبدأت تتعامل مع الواقع وفقا لإمكانياتها المحدودة في ظل تآكل حاد في البنية التحتية للمؤسسات الطبية والصحية يصعب معه التعامل بالكفاءة المطلوبة مع جائحة مثل كورونا، خصوصا أن دولا متقدمة تعادل ميزانيتها الصحية أكثر من ستين ضعف ميزانية الصحة في مصر ولديها بنية صحية فائقة الجودة؛ لم تستطع أن تتعامل مع الفيروس والحد من آثاره كما يجب.

من ناحية أخرى، ومع بدء السلطات اتخاذ إجراءات لمواجهة الوباء شأنها شأن سائر دول العالم، كان واضحا مدى التأثير القوى على الجانب الاقتصادي في ظل أزمة اقتصادية قائمة بالأساس وتعاني منها مصر؛ مما فاقم الأزمة وألحق أضرارا بالغة على كافة المستويات. وكان أشد الضرر ما لحق بذوي الدخل المحدود في بلد أغلب سكانه في عداد الفقراء.

الواقع والآثار المتوقعة

من قبل جائحة كورونا ومصر بلد يعاني من أزمة اقتصادية لعقود منذ بداية الجمهورية، ولم تستطع الرئاسات المتعاقبة على حكم مصر منذ 1952 أن تُخرج مصر من كبوتها الاقتصادية، أو أن تحقق تنمية مستدامة، وكان واضحا أن المشكلة هي مشكلة إرادة سياسية ومشكلة إدارة وقيادة تفاقمت آثارها على مدار عقود؛ حيث لم يُحسن استثمار الفرص والموارد المتاحة في ظل عدم وجود أزمات عالمية مؤثرة، حتى بلغت مصر المرحلة الحالية بكل تباعتها السياسية والاقتصادية وتصبح البلاد في مواجهة أزمة عالمية عنيفة، ومن ثم فهي بهذا الشكل في ظل الأزمات الداخلية تكاد تكون فاقدة للمناعة تجاه صدمات كبرى مثل صدمة كورونا وتأثيراتها السياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية، مما يعني تهديدا للاستقرار بكل ما تعنيه الكلمة.

الاستقرار المهدد

 

يرى البعض أن أزمة كورونا في بلد كمصر لن يكون لها تأثير على استقرار نظام الحكم لأن النظام بالفعل مستقر، ويتحكم في سائر مفاصل الدولة، غير أن هذا الرأي فاته أن الاستقرار الحاصل حاليا هو استقرار يعتمد على بسط القوة وبقاء الوضع على ما هو عليه، أما مفهوم الاستقرار الحقيقي لنظم الحكم فيعتمد على قدرة نظام الحكم على مواجهة التحديات وتجاوزها. فالاستقرار هنا ليس المقصود به جمود النظم ولكن قدرتها على التغير والاستجابة للتحديات. ولذلك فالنظام السياسي المستقر هو النظام الذي لا يتجاهل مطالب الشعب؛ وإنما هو النظام الذي يعمل على التجاوب مع مطالب الشعب واحتياجاته ويلبيها.

وانطلاقا من مفهوم الاستقرار القائم على قدرة النظم على مواجهة التحديات وتلبية مطالب الشعب، وبالقياس على الوضع الحالي في مصر في ظل جائحة كورونا وتأثيراتها الواضحة على دول العالم ودول المنطقة، وبالنظر إلى قدرة السلطة وأدواتها في التعامل مع أزمة كورونا، سواء ما يتعلق بالجانب الصحي أو الجانب الاقتصادي المتأثر بشدة؛ فإن هناك حالة انكشاف، ويبدو واضحا أن الاستقرار النسبي المؤقت الذي أجبرت جائحة كورونا الجميع عليه مؤقتا قد يكون غير مؤمل أن يدوم على المدى الطويل طالما كان هناك عجز مستمر عن تلبية متطلبات الشعب، وهذا ما ينطبق على جميع الدول التي تعجز حكوماتها عن تلبية مطالب شعوبها.

إن جميع المؤشرات تدلل على أن العالم بسبب كورونا مقبل على ركود وأزمة غير مسبوقة ستقود نحو تغيير في المنظومة الدولية، وبنظرة حالية قد لا تكون هناك إمكانية للإحاطة بالآثار العميقة والتداعيات الضخمة شديدة السلبية إلا بعد انقضاء الجائحة وعودة الأمور إلى طبيعتها. ومصر ليست بمنأى عن ذلك، فالمؤشرات تدلل على أن البلاد قد تتأثر بشدة في ظل الأوضاع والأزمات القائمة، وهذا ما يتطلب الالتفات لمعطيات الواقع المحلي والعالمي والتي تقود إلى نتيجة مفادها أن هناك حاجة لإحداث تغيير يقود نحو استقرار حقيقي منشود على كافة الأصعدة؛ البلاد في حاجة إليه. هذا ما نبينه في المقال القادم إن شاء الله.