ملفات وتقارير

تعرف على معاناة ولاية "البليدة" الجزائرية بسبب كورونا

فرضت الجزائر حظر تجوال في العديد من الولايات في 23 آذار/ مارس الماضي- وكالة الأنباء الجزائرية

مع بداية الأسبوع الثالث على الحجر الصحي الكامل المطبق بشكل استثنائي على ولاية "البليدة" الجزائرية، بدأ السكان يتعايشون مع الوضع الجديد بشكل أفضل من الأيام السابقة.


وفرضت السلطات الجزائرية حظر تجوال في العديد من الولايات الجزائرية في 23 آذار/ مارس الماضي، لكنها شددت الأمر على ولاية البليدة الواقعة على بعد 40 كيلومترا جنوب غرب العاصمة، وأصبحت الولايات تحت العزل الكامل، تزامنا مع تحولها إلى مركز لوباء كورونا المستجد "كوفيد-19".


هذا القرار كان مفاجئا في البداية لسكان الولاية التي يقطنها أكثر من مليون نسمة، وتعرف بحركتها الكثيفة في التنقل، باعتبارها من أهم المراكز الاقتصادية في الجزائر، إلا أن الأغلبية تفهموا الإجراء ولم يعترضوا عليه، بسبب الطابع الخطير الذي أخذه الوباء في البليدة.

 

اقرأ أيضا: حصيلة 24 ساعة عربيا.. بلد واحد لم يسجل إصابات (ملخص)


غير أن الأسبوع الأوّل من الحجر، أظهر أن السلطات لم تكن مستعدة كما يجب لتطبيق هذا القرار، بالنظر إلى معاناة السكان مع التموين بالسلع الأساسية، وغياب وسائل الحصول على السيولة النقدية بعد قفل البنوك وبعض مراكز البريد، وعدم توضيح الاستثناءات الخاصة بالمضطرين لخرق حظر التجوال بسبب ظروف عملهم.

 

وظهر الكثير من المتذمرين على مواقع التواصل الاجتماعي من سكان الولاية، وهم يشكون للسلطات ظروفهم الصعبة في تدبير حاجياتهم الأساسية، ما دفع الرئيس عبد المجيد تبون إلى التدخل عبر حسابه على تويتر، موجها نداء للمواطنين بالصبر وعدم اعتبار الحجر الصحي عقوبة لهم بل إجراء صحيا لحمايتهم.


دور الجمعيات الخيرية


ولمواجهة هذا الظرف الطارئ على الولاية الممتدة على سهل المتيجة الأخصب في الجزائر، برزت منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية وأحيانا التنظيم الذاتي للسكان في الأحياء، كأهم أساليب التضامن لتعويض عجز السلطات عن الوصول إلى الحالات التي لم تصلها المعونات.


وقال الدكتور محفوظ بن عربية، رئيس جمعية حفظ النعمة الناشطة في البليدة، إن أثر الحجر الصحي على بعض المدن بسبب الإعلان الفجائي له، كان ملحوظا فقد تضاعف، حسبه، عدد المحتاجين بنسبة كبيرة صعبة على الإحصاء وصعبة على الدعم.


وأبرز بن عربية في تصريح لـ"عربي21"، أن جمعية حفظ النعمة الخيرية بمعية باقي المجتمع المدني كانت تعرف العائلات الفقيرة على مدار السنة، إلا أن الحجر أضاف لها عائلات جديدة متفاوتة بدءا بالعامل اليومي مرورا بأصحاب المحلات التجارية غير الغذائية والمطاعم إلى أصحاب الحرف والمصانع المقفلة.


وأضاف بن عربية أن الإشكال الذي وقعت فيه الجمعيات الخيرية مضاعف، إذ أنها خسرت الكثير من داعميها الذين تحولوا إلى محتاجين للدعم، خصوصا من أصحاب الحرف والمهن الحرة التي توقفت بسبب الحجر.

 

اقرأ أيضا: زيتوت: النظام الجزائري يمارس سياسة الخداع والتضليل


وتابع: "تحاول الجمعيات الخيرية ومنهم "حفظ النعمة" اعتماد استراتيجية جديدة في العمل عبر تغطية احتياجات المواطنين وفق الأولوية، بحيث يأتي معدومو الدخل في المقدمة ثم أصحاب الدخل المتوقف".


وكأحد العاملين في الميدان، اقترح بن عربية على السلطات، منح قروض مستعجلة بـ 30 ألف دينار جزائري (حوالي 200 دولار)، لأصحاب السجلات التجارية والحرفية، إضافة إلى خصم مبلغ 5 آلاف دينار جزائري، من فاتورة الكهرباء لكل فئات المجتمع عدا من لم يتوقف دخله وعدم احتساب الكراء لأصحاب السكنات الاجتماعية.


أزمة متعددة الجوانب

 
لكن المعاناة الاجتماعية للولاية التي أسّسها نازحو الأندلس في القرن السادس عشر، هي فقط جزء من تجليات أزمة وباء كورونا التي ظهرت أيضا في جوانب أخرى تحاول السلطات التعامل معها.


وقال فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية لترقية حقوق الإنسان سابقا، إن من بين الإشكالات التي ظهرت هي كيفية التعامل مع المساجين وقضايا العدالة في ظل المخاوف من انتشار الفيروس.


وأبرز قسنطيني المقيم بالبليدة في تصريح لـ"عربي21"، أن السلطات القضائية تنبهت إلى ذلك، واتخذت قرارا شجاعا بالإفراج عن 59 موقوفا كانت صدرت في حقهم أحكام ابتدائية قرروا استئنافها على مستوى مجلس قضاء البليدة.

 

اقرأ أيضا: هذه أعلى عشر دول عربية بأرقام كورونا (حصيلة 24 ساعة)


وذكر المتحدث أن هذا الإجراء من المستحسن أن يشمل بعض حالات السجناء الأخرى في حدود ما يسمح به القانون، بالنظر إلى الظرف الاستثنائي المتولد عن تفشي فيروس كورونا وخصوصية ولاية البليدة التي بها أكبر نسبة إصابات.


وعموما، يرى الحقوقي أن السلطات الأمنية في الولاية، تتعامل بشكل جيد مع الأزمة، من خلال تفضيل أسلوب التوعية مع المخالفين للحجر الصحي وترك الردع كآخر الحلول.


لكن أبرز تحدٍ تواجهه البليدة حاليا، هو كيفية التعامل مع الحالات المتدفقة يوميا، وهو حمل ثقيل على أعوان الحماية المدنية والطواقم الطبية والتمريضية بمستشفيات الولاية التي تشتغل بأقصى طاقاتها.


وتعدّ ولاية البليدة اليوم 529 حالة إصابة، وفق إحصائيات وزارة الصحة الجزائرية، ما يعادل حوالي ثلث الإصابات على مستوى الجزائر، مع نسبة عالية من الوفيات تفوق 10 بالمئة.


بارقة أمل في الشفاء


ويتولى علاج مرضى كورونا 5 مراكز صحية بالولاية، هي مستشفى بوفاريك الذي يضم وحدة لمعالجة الأمراض المعدية ومستشفى فرانز فانون بقلب مدينة البليدة ومستشفى الأمراض الصدرية إبراهيم تيريشين ومستشفى العفرون.


وقال الدكتور محمد يوسفي رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك الذي يستقبل أكبر عدد من الحالات، إن الإصابة بالفيروس لا تزال في منحى تصاعدي بالبليدة رغم دخول الحجر الصحي أسبوعه الثالث.


وأوضح الدكتور يوسفي في تصريح لـ"عربي21"، أن عدد الحالات ما بين المؤكدة والمشتبه بها التي تصل يوميا إلى المستشفى تناهز المائة، وهو رقم جعل المستشفى يصل إلى أقصى طاقته في العمل.

 

اقرأ أيضا: الجزائر تسجل وفيات مرتفعة بيوم واحد.. وإصابات جديدة عربيا


وأرجع يوسفي سبب عدم انحسار المرض إلى غاية اليوم، إلى سلوك بعض المواطنين الذين لم يحترموا قرار السلطات بالتزام البقاء في المنازل، من أجل كسر سلسلة العدوى بالولاية.


لكن من بين المؤشرات الإيجابية، حسب المختص، أن نسبة التماثل للشفاء عالية، إذ أن ثلث من دخلوا المستشفى لحد الآن، قد تمكنوا من الخروج وهم بصحة جيدة.


وذكر الدكتور يوسفي أنه منذ اعتماد بروتوكول العلاج بعقار هيدروكسي كلوركين، بتاريخ 23 آذار/ مارس الماضي، تمّ تحقيق نتائج حسنة، بحيث تقلّصت نسبة الدخول إلى الإنعاش للمصابين الذين يدخلون المستشفى بأعراض متوسطة.


غير أن هذا العلاج، وفق دكتور الأمراض المعدية لا علاقة له بانتشار الفيروس، لأنه يتدخل بعد الإصابة، ما يجعل لحد الآن الوقاية عبر البقاء في المنازل، أهم سلاح في مواجهة كورونا.