مقالات مختارة

إدلب.. ومستنقع انهيار القيم

1300x600

جاءت دعوة صحيفة «نيويورك تايمز» للإدارة الأميركية بالتدخل لمنع اجتياح إدلب من قبل مغول وتتار وبرابرة العصر، لتعطي بصيص ضوء أمل بوجود بقايا قيم إنسانية في هذا العالم، لكن السياسيين لا يزالون يصرون على قيادة العالم إلى مستنقع انهيار قيمي وإنساني، ويصرون معه على تسييد القتلة المجرمين للمشهد، وقذف ملايين البشر إلى خارج مستنقعهم، لكن الحل الغروزني الذي لم تخجل روسيا يوماً واحداً في التلويح به وممارسته على مدى 3 سنوات عجاف من عمر الثورة السورية، لا يزال هو السائد لدى ساسة موسكو.


اللافت أن الغرب والشرق الذي سيدفع ثمناً باهظاً للحل الغروزني الروسي، تراه اليوم صامتاً صمت القبور، فقنبلة التشرد التي قد تعصف بأربعة ملايين قاطن بإدلب ستدفعهم إلى تركيا ثم إلى أوروبا، وحينها ستغدو أوروبا مكباً لكل إجرام الاحتلال الروسي ، وعليها حينها أن تتحمل تبعات ذلك، وحتى قنبلة العنف والإرهاب -لا سمح الله- في حال تحوّل الشباب الغاضب الناقم إلى تيارات عنفية وإرهابية، إذ إن الشعب السوري يرى في الغرب مسؤولاً بشكل مباشر عما لحق به، وأن روسيا لم تكن إلّا أداة منفذة.


أثبتت إدلب مجدداً -كما أثبتت سوريا كلها من قبل- أن القيم الإنسانية ليس لها وجود إلا في كتب قديمة، أكل عليها الدهر وشرب، وأن كل ما تفتق عنه العقل الإجرامي تم استخدامه في الشام من قصف لمنشآت حيوية إنسانية صحية وتعليمية وبيوت على رؤوس ساكنيهم، أو من خلال استخدام الطيران الحربي الإجرامي براميله المتفجرة على رؤوس المدنيين، فضلاً عن الصواريخ بعيدة المدى العمياء، وفوق هذا استخدام الكيماوي وسط صمت عالمي، وتواطؤ لم يسبق أن حصل أو حدث من قبل.


الأغرب من ذلك كله أنك لا ترى إدانة وشجباً لكل هذا، وهو تواطؤ إلى حد الخيانة والخذلان، فلن تجد زعيماً عالمياً واحداً ندد بكل هذا الإجرام، ومع هذا ترى الصمود والثبات في إدلب والشمال المحرر من قبل الثوار والأهالي، وهو ما عكسه تناغم الطرفين في جمعة المقاومة خيارنا، وهذا الثبات والصمود ينتظر فقط لحظة نزول القوات البرية على الأرض، فالقصف من الجو صفة الجبناء الأنذال، وحين ينزل الجنود على الأرض سيرون الحال الذي سيغني عن السؤال كما يقول الثوار والأهالي.


إدلب التي أعلنت تركيا حتى الآن وقوفها معها، تشكل نقطة اختبار حقيقي لها اليوم، فكل شركائها وحلفائها ظهر منهم نقض العهود والمواثيق، وبان كفرهم بالاتفاقيات التي وقعوها معها على مناطق خفض التوتر، وبالتالي فإن أي اجتياح لإدلب دون وقوف تركيا معها سيعرضها لأزمة أخلاقية حقيقية، وتخسر بالتالي شعبياً، وحاضنة ليست في الشام فقط، وإنما في العالم الإسلامي.

 

بالإضافة إلى أن وجود المليشيات الطائفية سيهدد أمنها واستقرارها بشكل يومي ويعرضها للابتزاز، وعليه فلا مناص لتركيا من خوض معركتها في إدلب استباقاً لنقلها إلى داخل أراضيها، ولعل في دفع تعزيزاتها العسكرية إلى داخل إدلب بداية لهذا التحرك، مع ضرورة الاستدارة نحو الغرب وأمريكا، من أجل مواجهة الخطر الحقيقي باجتياح منطقة ستدفع تركيا والغرب كله ثمناً باهظاً إن حصل.

 

فتأمين كانتون سني اليوم في الشمال المحرر أوجب الواجبات، ليس لأمن تركيا والغرب، وإنما لإنقاذ ما تبقى من قيم إنسانية بأعين العرب والمسلمين، وقبلهم بأعين الشمال المحرر.

(عن صحيفة العرب القطرية)